هل رحّبت كونداليزا رايس بإعصار كاترينا؟!

بقلم: نصر شمالي

سواء أكان الدمار الشامل الذي تتعرض له بلدان العالم من فعل قوى الطبيعة، بإرادة الإله جلّ شأنه، أم بفعل القوات العسكرية الأميركية، بإرادة الرئيس بوش الذي يتلقى التوجيه من ربه حسب زعمه، فإن هذا الدمار الشامل مطلوب ومرغوب من قبل الشركات الاحتكارية الربوية التي تحولت من العمل بأنظمة الاستعمار الى العمل بأنظمة إعادة الإعمار! إن مفهوم إعادة الإعمار هو الشكل الحديث لمفهوم الاستعمار القديم، وهو يختلف عن سابقه بأنه لا ينهض على مبررات وذرائع متوفرة مسبقاً، بل يخلق بنفسه المبررات والذرائع، فيصنع الأزمات ويبيع الحلول! وهكذا فقد شكّل البيت الأبيض، منذ آب/أغسطس 2004، مكتباً يضم العاملين في تنسيق عمليات إعادة الإعمار والاستقرار، سواء للبلدان التي ضربتها الأعاصير أو الجيوش أم للبلدان التي سوف تضربها الجيوش لاحقاً كما هو مقرر! وهذا المكتب يملك السلطات التي تخوله وضع خطط محكمة مكتملة للبلد الذي تم ضربه وانتهى أمره أم للبلد الذي سوف يضرب وينتهي أمره! ويقول كارلوس باسكيوال رئيس المكتب أن دائرته تستطيع التنسيق بين ثلاث عمليات إعادة إعمار كاملة في ثلاث بلدان مختلفة في وقت واحد، مع الأخذ بالاعتبار أن كل عملية إعادة أعمار سوف تستمر مدة تتراوح من خمس الى سبع سنوات!

إعادة الإعمار تعني الاستعمار!

إن مكتب إعادة الإعمار التابع للبيت الأبيض لا يهتم بإعادة بناء الدول القديمة، أو المتخلفة، بل يهتم بخلق دول "ديمقراطية"! دول موجهة نحو اقتصاد السوق، تباع فيها المشاريع المملوكة من قبل الدولة، المتهمة بأنها خلقت اقتصاداً غير قابل للحياة، أو تجهيز البلد بالوسائل المستوردة التي تمزق القديم وتبدده! ويتحقق هذا بواسطة حكومات، أعضاؤها محليون أو من أصول محلية، تتشكل من قبل الخارج، ما أن تبدأ أعمالها حتى تنطلق شكاوى الناس ويتعالى أنينهم وعويلهم، حيث الأجانب وحكومتهم المحلية وأعوانهم يحققون الثراء السريع بينما الأكثرية الساحقة من المواطنين لا تجد العمل الذي تقتات منه.

لقد وصف أحدهم عملية إعادة الإعمار قائلاً: "إنها ليست إعادة إعمار بل إعادة تشكيل كل شيء"! إنها عملية صعود أشكال مسبقة لصالح رأسمالية الكوارث العالمية، التي توظف الخوف واليأس العام الذي ينتج عن الكوارث الحربية أو الطبيعية لصالح إعادة تشكيل اقتصادي أو اجتماعي جذري تلائم مصالحها، وهي سرعان ما تتحصن بالخصخصة من جهة، و بالاستيلاء على الأراضي من جهة أخرى، قبل أن يستوعب أهل البلاد حقيقة ما أصابهم وما يراد لهم! إن هذا يحدث اليوم في بلاد البلقان، وفي أفغانستان والعراق، هذه البلاد التي دمرتها الحرب، ويحدث أيضاً في البلدان الآسيوية والأميركية التي ضربتها الأعاصير وآخرها بعض الولايات المتحدة الأميركية!

الإعصار للناس والمعونات للشركات!

بعد مائة يوم من ضرب إعصار تسو نامي لسريلانكا، بعث هيرمان كومارا رئيس حركة الصيادين الوطنية برسالة عبر البريد الإلكتروني لزملائه في العالم جاء فيها أن 600 ألف مواطن مازالوا يعيشون في معسكرات مؤقتة، وأن الأموال التي أرسلت الى سريلانكا، لصالح الضحايا، تلقفتها القلة ذات الامتيازات! قال كومارا: "إن أصواتنا لا تسمع، ولا يسمح لها أن تصل الى أحد. إن سريلانكا تواجه تسونامي آخر قوامه عولمة الكوربوريشن والعسكرة، وهو على الأرجح أعظم تدميراً من الأول. إننا نرى في خضم كارثة تسونامي كيف يسلم البحر والساحل لشركات الكوربوريشن والسياحة بمساعدة القوات العسكرية من المارينز الأميركان!

لقد حدث بالضبط لسريلانكا بعد إعصار تسونامي ما حصل للعراق بعد الاحتلال الأميركي، حيث وضعت الإدارة الأميركية خطط إعادة الإعمار، ومهدت لمشاريع مماثلة في العراق، بينما النيران مازالت تحرق بغداد، فمنذ الساعات الأولى عكفوا على وضع قوانين الاستثمار، وأعلنوا أنهم سيخصخصون القطاع العام! لقد فعل وولفيتز في العراق بالضبط ما فعله البنك الدولي في كل بلد ضربه الإعصار! إن الدول المدمرة بالحرب أو الإعصار تجتذب البنك الدولي، حيث الإدارات التابعة تطيع أوامره تماماً، وتصنع عادةً كل ما يطلب منها حتى تحصل على دولارات المعونة، وحيث المواطنين عموماً يكافحون من أجل مجرد الحصول على الملجأ والقوت، وحيث العمل السياسي ضد الخصخصة يصبح كضرب من ضروب العبث والرفاهية، وبما أن البلد المنكوب يعتبر غير مستقر وبما أن إداراته تعتبر غير أهل لأنها لا تمتلك المهارة الكافية للتعامل مع نقود المعونة، أو قروض المعونة، التي تتدفق عليها فإن هذه النقود توضع غالباً في صندوق ضمان مالي يديره البنك الدولي الذي يسمح بالصرف على أقساط، وبالمقدار الذي تظهر فيه الحكومة المحلية تعاوناً واتفاقاً مع أوجه الصرف والإنفاق، الأمر الذي يعني دائماً تخفيض وظائف القطاع العام والدولة ونفقاتها من جهة، وصرف المعونة بسخاء لا حدود له على المستشارين الأجانب الذين يصرّ البنك الدولي على الحكومة أن تتعاقد معهم!

الإعصار فرصة لنهب المنكوبين!

في عام 1998 اجتاح إعصار ميتش أميركا الوسطى مدمراً مدناً وقرى بأكملها، ومهلكاً أكثر من تسعة آلاف إنسان ناهيكم عن المشردين بعشرات ومئات الألوف، وبما أن تلك البلاد مطحونة بالفقر بسبب الولايات المتحدة فقد انطلقت الصرخات اليائسة تطلب المعونات لإعادة الإعمار دون تدقيق وبأي ثمن‍‍! وقد جاءت المعونات مترافقة مع ما وصفته صحيفة الفاينينشال تايمز: "الإسراع بالبيع بعد العاصفة"! لقد صادق برلمان هندوراس بسرعة على قوانين تسمح بخصخصة المطارات، والموانئ البحرية، والطرق السريعة، وشركة الهاتف الحكومية، والشركة الوطنية للكهرباء، وقطاع المياه، وتراجع البرلمان عن قوانين الإصلاح الزراعي، وأطلق يد الأجانب في شراء وبيع العقارات..الخ وقد حدث الأمر نفسه في الدول المجاورة، مثل غواتيمالا ونيكاراغوا التي باعت قطاع النفط الوطني!

لقد استغل البنك الدولي كارثة ميتش الأميركية وكارثة تسونامي الآسيوية للاستيلاء على البلدان التي حل بها الخراب، وجاءت معظم معوناته المخصصة للطوارئ في شكل قروض لا معونات، وبدلاً من التركيز على تلبية احتياجات مجتمعات الصيادين التي تشكل أكثر من 80% من ضحايا ميتش وتسونامي، وجه البنك الصرف في اتجاه قطاع السياحة ومزارع السمك الصناعية، وبناء على نصائحه راحت الحكومات المذعنة تمنع العائلات المنكوبة من إعادة بناء بيوتها على ساحل المحيط، وأرغم مئات الآلاف على الانتقال الى الداخل والسكن بعيداً في معسكرات، بينما انطلقت الشركات الأجنبية لإعادة بناء السواحل كما يناسبها ويتفق مع مصالحها: تحويل الشواطئ الى ملاعب للسائحين، وتحويل المحيطات الى مناجم مائية لأساطيل الصيد الاحتكارية، وإنشاء المطارات والموانئ والطرق السريعة المخصخصة، والمبنية بأموال الإعانات أو القروض!

الإعصار استجابة لصلوات الأثرياء!

عندما وقعت كارثة تسونامي وصفتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية بأنها: "فرصة مدهشة، منحتنا أسهماً مالية عظيمة"! وقد أثارت أقوالها رعب الكثيرين حينئذ، وهم يرونها تتعامل مع تلك المأساة الإنسانية المروّعة باعتبارها فرصة لصيد الامتيازات المالية لا أكثر ولا أقل! وكما تقول نعومي كلاين في مقالتها الهامة (صعود رأسمالية الكوارث) فإن السيدة رايس، رغم كل شيء كانت تعبر عن فهمها للحالة! وتنقل كلاين عن مجموعة أطلقت على نفسها اسم "الناجين من تسونامي تايلاند" قولها: "بالنسبة لرجال الأعمال والسياسيين كانت كارثة تسونامي استجابة لصلواتهم، حيث أزال الإعصار تماماً جميع إشغالات المناطق الساحلية التي تقطنها المجتمعات المحلية، والتي كانت تعيق خططهم لإقامة المنتجعات، والكازينوهات، والفنادق، ومزارع الجمبري، وهم ينظرون اليوم الى جميع تلك المناطق الساحلية باعتبارها خلاء في متناول أيديهم!

ولكن هاهو إعصار كاترينا يجتاح بعض الولايات المتحدة الأميركية، فيدمر المدن، ويهلك عشرات الآلاف، ويشرد مئات الآلاف من الأميركيين الأبرياء، وغالبيتهم من الفقراء والملونين، وهاهي الدولة العظمى تقف مرتبكة أمام هول الحدث، فماذا ستقول كونداليزا رايس، وماذا سيقول زملاؤها ورئيسها؟ يقيناً أنهم سيقولون: فرصة مدهشة أخرى منحتنا أسهماً مالية عظيمة إضافية! فهؤلاء الذين قست قلوبهم، فهي كالحجارة بل أشد قسوة، لا يميزون في حساباتهم الحقيقية الربوية بين المواطن الأميركي وبين أي مواطن آخر، في أي بلد من بلدان العالم!

www.snurl.com/375h        

Hosted by www.Geocities.ws

1