الإرث التلمودي مصدر إلهام الإدارات الأميركية!

بقلم: نصر شمالي

لم يكن مجرّد زلّة لسان ذلك الوصف الذي أطلقه الرئيس الأميركي على حربه "ضدّ الإرهاب" حين قال أنها حرب صليبية مقدّسة، بل هو توجه ثقافي موروث، سواء عن اللوثريين الأنكلوسكسون عموماً أم عن الجدّ الأكبر للرئيس جورج بوش، وبالطبع فإن ذريعة الإرهاب تسقط تلقائياً عندما يقرن الرئيس الأميركي حربه بتلك الحروب الصليبية التي انطلقت في بدايات الألف الميلادية الثانية، ففي ذلك التاريخ القديم كانت الذريعة تطهير الأراضي المسيحية المقدسة في فلسطين من العرب والمسلمين، وفي جملتهم المسيحيين الشرقيين واليهود أيضاً!

تطبيق تعاليم العهد القديم!

ولكن حدث أن الحركة اللوثرية، التي انطلقت في القرن الخامس عشر، أهملت قصة الأرض المسيحية المقدسة، وصارت تتحدث عن أرض الميعاد التلمودية، فقد اعتنق اللوثريون العهد القديم بتعصب مفرط يفوق تعصب اليهود! ففي إنكلترا القرن السادس عشر، وفي المستوطنات الإنكليزية في القارة الأميركية، كانوا يعدّون أنفسهم يهود الروح الذين اختارهم الرب "يهوه" أخيراُ لحمل الرسالة التلمودية بعد أن تخلّى عنها المنحرفون يهود الدم! لقد كان اللوثريون الإنكليز في معظمهم من التجار الطامعين بجني الثروات، والمتلهفين لخوض الحروب الإبادية الاستيطانية في آسيا وأفريقيا، وبعد اكتشافات كولمبس صارت القارة الأميركية قبلتهم وهدفهم الأول، وصار الرب "يهوه" إلهاً إنكليزياً يرعى مغامراتهم الإبادية خلف المحيطات بحماسة، وراحوا ينظرون إلى ملكهم الإنكليزي، الذي يخالفهم في ما ذهبوا إليه، ويضطهدهم، على أنه فرعوناً، وينظرون إلى إنكلترا على أنها مصر الخروج، وإلى المحيط الأطلسي على أنه سيناء التيه، وإلى القارة الأميركية على أنها أرض الميعاد الفلسطينية، وإلى سكانها الأصليين على أنهم الكنعانيون العرب الذين تتوجب إبادتهم والاستيلاء على بلادهم شرعاً! لقد فصّلوا العالم والأمم على مقاس النصوص التلمودية، وقبل أن ينتهي النصف الأول من القرن السابع عشر نجحوا في قطع رأس الملك الإنكليزي الفرعون، وفي الاستيلاء على الحكم بقيادة أوليفر كرومويل، وفي التفرغ حتى يومنا هذا لتطبيق تعاليم العهد القديم على الأمم جميعها، خاصة في القارة الأميركية حيث حققوا نجاحاً تاماً!

إن هذا الإرث الكبير من الأفكار والتطبيقات التلمودية هو الملهم للرؤساء الأميركيين عموماً، وللرئيس الحالي بوش خصوصاً، في وضع سياساتهم، بل هو الأساس الذي نهضت عليه دولتهم التوراتية!

القضاء على العرب والمسلمين!

أما الملهم الخاص للرئيس الأميركي الحالي فهو الإرث الذي تركه له جده الأكبر جورج بوش، الذي وضع في عام 1830 كتابه الفظيع "محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس امبراطورية المسلمين"! لقد كان ذلك الجدّ واعظاً لوثرياً متزمتاً وراعياً نشطاً لإحدى كنائس ولاية أنديانا، وأيضاً أستاذاً في اللغة العبرية والآداب الشرقية في جامعة نيويورك، وهو أعدّ عدداً من الدراسات عن الكتاب المقدّس وأسفار العهد القديم، ووضع الشروحات التي يتوجب الالتزام بها وتطبيقها، ومنها كتابه "وادي الرؤى" الذي شكل وما زال يشكل مرجعاً فكرياً رئيسياً لجماعات الصهيونية الأميركية غير اليهودية، فمنذ ذلك التاريخ بدأ بوش الجدّ وأمثاله حملة التحريض الدينية على ضرورة تجميع يهود الدم المنحرفين في فلسطين، وتمكينهم من السيطرة على كامل أرض التوراة القديمة، ودعمهم في تدمير "امبراطورية السارازان" أي بلاد العرب والمسلمين، أما المبّرر حسب زعمهم فهو أن الظهور الثاني للسيد للمسيح وبداية الألف عام السعيدة يشترطان تجميع اليهود القدامى وسيادتهم في فلسطين! وتجدر الإشارة إلى أن نعت بلاد العرب والمسلمين بإمبراطورية السارازان مأخوذ عن قادة الحروب الصليبية من الأوروبيين!

إن مؤلفات الجدّ الأكبر جورج بوش مصنفة ومحفوظة في مكتبة جامعة ميتشيغان، واستناداّ إليها تعدّ الدراسات الأميركية المعاصرة التي تتشكل بناء عليها اتجاهات السياسة الأميركية ضدّ العرب والمسلمين والإسلام! إنها مؤلفات تحظى اليوم باهتمام خاص من الجماعات اللوثرية الصهيونية، فكيف لا تحظى بمنتهى الاهتمام من الحفيد الوريث الرئيس جورج بوش، الذي يرى نفسه معبّراً عن إرادة الربّ؟

العالم للتلموديين وحدهم فقط!

في كتابه عن نبينا محمد (صلعم) استخدم بوش الجدّ أبشع الأوصاف مما نتجاوز عن تكراره هنا، وإن هذا لمما يفسّر لنا تصرفات الأميركيين والإسرائيليين، في فلسطين والعراق وقاعدة غوانتنامو، ضدّ الإسلام والمسلمين، فالحفيد الرئيس جورج بوش، الوريث المتحمس للثقافة التلمودية اللوثرية، يرى نفسه مسؤولاً عن تشكيل العالم بما يتفق مع هذا الإرث، وهو في حديث لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قال: "مادمت رئيساً للعالم الحرّ فسوف تواصل الولايات المتحدة محاربة التيارات المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم، وقد أوفدت كولن باول إلى برلين ليمثلنا في مؤتمر مناهضة اللاسامية، ولإلقاء الضوء على مسألة تزايد العداء للسامية بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية"!

من الواضح أن الرئيس بوش يقصد بالمعادين للسامية أولئك المناهضين للممارسات الإسرائيلية الإجرامية عموماً، ويقصد المقاومة الفلسطينية خصوصاً! وقد سألته الصحفية الفرنسية عن التزام الرؤساء الأميركيين جميعاً بدعم الكيان الإسرائيلي فأجاب:" نعم، أنا أؤمن بذلك، لأنها صديق قديم، ودولة ديمقراطية، ومسؤولية الولايات المتحدة أن تدافع عنها"! ورداً على سؤال آخر أجاب:" لابد للولايات المتحدة من أن تقود العالم، وأن تفرض سيادتها، حتى وإن لم يرض ذلك بعض الأطراف ممن ينادون بأولوية السلام، فبفضل إرادة الولايات المتحدة استطعنا مقاومة "القاعدة" وخلق مجتمعات حرّة في كل من العراق وفلسطين"!

إن العالم بجميع قومياته ودياناته يجتاز اليوم محنة كبرى تتلخص في محاولة تشكيله تلمودياً، أي أن ينفرد اللوثريون واليهود بقيادة الأمم التي ينظرون إليها كمخلوقات وسط بين البشر والكائنات الأدنى خلقت لخدمتهم! ويتحمل العرب والمسلمون القسط الأكبر من أهوال هذه المحنة الرهيبة، غير القابلة لأي علاج إنساني منطقي، فالصهاينة نقيض المنطق، وما علينا إلا أن نتابع أفعال قطعانهم المتوحشة في غزة وحدها كي نستبعد جدوى أي جهد في مواجهتهم، ما عدا المقاومة.

www.snurl.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1