أثنار يحاول إقناع تشافيز بالخيانة!

بقلم: نصر شمالي

" يتوجب عليك نسيان موضوع الدول الفقيرة في العالم! يتوجب عليك نسيان الدول الأفريقية الفقيرة التي فوّتت قطار التاريخ والمحكوم عليها بالزوال ! يتوجب عليك ركوب قطار المستقبل، والابتعاد عن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو"!

تلك هي النصائح المروّعة التي وجهها رئيس وزراء إسبانيا السابق، خوسيه ماريا أثنار، الى الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز ! لقد وصف تشافيز صاحب النصائح بالمعتوه، والفاشي، والنازي (بتاريخ 19/5/2005) ولكن هل نطق الرئيس الإسباني اليميني السابق بمجرّد قناعات شخصية ؟ هل كانت كلماته في أذني الرئيس الفنزويلي تعكس نوايا وسياسات حكومته فقط ؟ ولماذا توجّه بنصائحه الفظيعة الى رئيس يساري، وهي من النوع الذي لا يقال في صفوف اليمين بالذات إلا همساً، بل بمجرد الإشارات والغمزات ؟ إن مثل هذه النصائح الإبادية لا تقال أبداً، بل يطلق عكسها على الأغلب، ويعمل بمضمونها دون أن تقال!

ولكن، كما يبدو، فإن أقوال الرئيس الإسباني السابق تدلّ على فقدانه الحذر في لحظة لا ندري ما هي طبيعتها ! ولعله لم يقم وزناً لما قد يترتب على حديث ثنائي، غير رسمي على الأغلب، وبالتالي فهو لا يشكل وثيقة دامغة، بل يمكن التنصل منه أو إنكاره بكل بساطة ! أما لماذا هذه المخاطرة مع تشافيز اليساري فإن السبب يعود بلا ريب الى النفط الفنزويلي ! لقد أراد أثنار إغراء تشافيز بالخيانة كونه مؤتمن على ثروة شعبه النفطية الهائلة، أي أن يخون شعبه والشعوب الأخرى، ويلتحق بنادي الأغنياء العالمي، وبقطار الشركات الألف المتعدّدة الجنسية التي تقف خلف الحكومات والسياسة الدولية ! إن نصائح أثنار لا تعكس قناعاته وحده، بل قناعات النظام الربوي العالمي، وهو كان يرجو، ولا بدّ، في حال نجاحه في إقناع تشافيز بالخيانة، تحقيق مكاسب خاصة لشخصه ولبلده!

كوبا المحكوم عليها بالإعدام!

غير أن أثنار نصح تشافيز بالابتعاد تحديداً عن الرئيس الكوبي، فلماذا هذا الإلحاح على مقاطعة الجزيرة الصغيرة وشعبها الصغير، الصامد بإباء تحت حصار أميركي محكم لا يطاق منذ أكثر من أربعين عاماً ؟ وأي خطر تشكله كوبا على النظام الربوي العالمي، بإمكاناتها البشرية والاقتصادية والعسكرية المتواضعة ؟ والواقع هو أن كوبا تنهض منذ عقود طويلة بقواها الذاتية كتجسيد لإرادة الحياة الأممية والكبرياء الأممي. إنها تعبّر عن أمل لم يمت، وثقة لم تتزعزع، بمستقبل كريم للبشرية جمعاء. إنها الدولة الصغيرة المحكومة بالإعدام، والمستعصية على محاولات تنفيذ حكم الكاوبوي ! إن صمودها هو العزاء لما أصاب بعض الدول الأفريقية المدمّرة التي أشار إليها أثنار، وهو ما يبقي الباب مفتوحاً أمام الأمل البشري بالخلاص، وهنا نتساءل: ترى، ألم ينصح أثنار رئيس فنزويلا بالكف عن تأييد العراق ضدّ الاحتلال ؟ ألم ينصحه بالتوجّه الى الكيان الصهيوني وتوثيق الصلات معه الى حدّ الموافقة بحماسة على الحرب الإبادية ضدّ العرب ؟ إن إقامة أوثق الصلات مع الكيان الصهيوني الى حدّ العمى من جهة، والابتعاد عن كوبا الى حدّ القطيعة التامة من جهة أخرى، هما عربون الولاء للشركات الألف ولرأس الأفعى الأميركية، التي حكمت على كوبا بالإعدام وهي تمتلك أصلاً جميع شروط النهوض والحياة الطبيعية، وحكمت للكيان الصهيوني بالوجود وهو الذي لا يمتلك أصلاً أي من شروط الحياة الطبيعية ! إن هذا ما يؤكده قول أثنار بأن الدول الفقيرة محكوم عليها بالاختفاء من الوجود، أي أن النموذج الإسرائيلي يجب أن يسود والنموذج الكوبي يجب أن يزول!

هل سنعيش، أم لا؟

في عام 1983 وزعت كوبا على حكام دول عدم الانحياز وثيقة ضخمة تضمنت أدق التفاصيل عن أزمة العالم الخطيرة، وعن مسبباتها والسبل الكفيلة بالخروج منها، وقد تكلم الرئيس كاسترو مخاطباً حكام هذه الدول بمايلي: " إن النظرة الى الوقائع والآفاق الدولية بمجملها هي نظرة قاتمة يمكن أن تولّد التشاؤم والإحباط، إذا لم نكن متأكدين من أهدافنا، ولا توجد طريقة لمواجهة هذه الوقائع والآفاق سوى بوعيها. إننا لا نمتلك علاجاً سحرياً، ولا نعتقد أن أحداً يمتلكه، لمعالجة المشاكل الصعبة التي تبدو غير قابلة للحل، لكن أية مشكلة، عبر التاريخ، لم تحلّ قبل أن تصبح حقيقة واضحة قاطعة يعيها الجميع. إننا نواجه اليوم الأوضاع الأعظم خطورة ومرارة وكونية في تاريخ الإنسانية، حيث يطرح لأول مرة على وعي الإنسان السؤال التالي: هل سنعيش، أم لا ؟ ولكن مهما كانت ضخامة وصعوبة وتعقيدات المهمة فإننا لا نستطيع التشاؤم، لأن ذلك يعني التخلي مسبقاً عن كل أمل والقبول بالهزيمة والاستسلام، أي يعني النهاية ! وهكذا لا تبقى أمامنا سوى وسيلة النضال، مستندين الى الطاقة الأخلاقية والثقافية للجنس البشري، والى غريزته في المحافظة على وجوده. إننا، من خلال جهد ضخم جداً، وبالمساهمة الأخلاقية والثقافية لجميع الأمم، يمكننا أن نواجه مستقبلاً يبدو موضوعياً مظلماً ويائساً، خاصة بالنسبة لشعوب العالم الثالث"!

قطار التاريخ الربوي اللعين!

من الواضح أن كوبا تعوّل على طاقة مجمل المجتمعات البشرية، وهي أعلنت ذلك منذ عام 1983 في مؤتمر دولي يضم ممثلي أربعة أخماس سكان الأرض، داعية الى وعي بشري عام للحقائق المعيشة القاطعة المتعلقة بالكوارث الكونية المحدقة، كمدخل لمواجهة هذه الكوارث، حيث من دون هذا الوعي لن يتحقق خلاص أي شعب، فالشعوب لا تعاني فقط من نقص المعلومات وتدني سوية الوعي الضروري، بل تعاني قبل ذلك، وعلى مدار الساعة، من برامج الخداع والتضليل المكثّفة التي تحاول إشاعة حالة من الخبل والضياع. وتساهم في دعم هذه البرامج اللئيمة بعض النخب من أبناء الضحايا، التي تحاول إقناع شعوبها أن المشكلة ليست مع بوش وشارون وأثنار وشركاتهم الربوية ونظامهم العالمي القاتل، بل مع تشافيز وكاسترو والمقاومة الفلسطينية والعراقية والأفغانية وغيرها، أي أنهم يدعون شعوبهم لقبول الهزيمة صاغرة مستسلمة ! وبالطبع فإن تلبية دعوتهم تقود الى الهلاك بطريقة أخرى، حيث قطار التاريخ الاحتكاري، الذي اقترح أثنار على تشافيز ركوبه، لا يتسع إلا للنخب العالمية، فالدرجة الأولى مقتصرة على أصحاب الشركات الألف، والدرجة الثانية مخصصة لحشد نخب الشمال من القتلة والكتبة والموظفين، أما الدرجة الثالثة فمتروكة لنخب أربعة أخماس البشرية، يزدحمون حتى الاختناق في قاطراتها المحدودة الخالية من المقاعد، بل يتعلقون بنوافذها من الخارج ويعتلون أسطحتها، فتدهس العجلات بعض المتساقطين منهم، وتتكفل الزحمة والرياح بإهلاك بعض ركاب الأسطحة، بل ويدفع بعضهم البعض الآخر الى الموت ليفسحوا لأنفسهم مجالاً ! وتجدر الإشارة أخيراً الى أن بعض نخبنا العربية تدعونا اليوم، تحت شعار الليبرالية والديمقراطية، للتعاون مع بوش وشارون وأثنار، ولمقاطعة تشافيز وكاسترو والمقاومة، أي للتعلق بنوافذ وأسطحة الدرجة الثالثة في قطار التاريخ الربوي اللعين!

      www.snurl.com/375h  

 

Hosted by www.Geocities.ws

1