حرب أميركية مفتوحة عنوانها: اصطياد البشر!

بقلم: نصر شمالي

لخص وزير الحرب الأميركي دونالد رامسفيلد عمليات مكافحة الإرهاب بقوله أن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر فاعلية، فتبحث عن قادة الإرهاب حول العالم وتصفيّهم! وأعطى لهذه المهمة الحربية العالمية المفتوحة عنوان: اصطياد البشر! وبما أن مهمة اصطياد البشر تحتاج إلى تفويض غير بشري فقد أعلن أحد معاوني رامسفيلد، المدعو وليام بويكن، أن الرئيس بوش (الرجل الذي يصلّي في البيت البيضاوي) ليس رئيساً منتخباً بل مفوضاً من قبل الربّ! لقد أوردت أقواله صحيفة لوس أنجلوس تايمز، وهي أقوال أطلقها في حديث الأحد الصباحي أمام روّاد إحدى الكنائس في مطلع عام 2004،وقرن خلالها الإسلام أكثر من مرة بالشيطان! وهكذا فليس غريباً أن نسمع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز يصرّح مؤخراً في باريس: إذا ما قتلت فاعلموا أن واشنطن تكون هي من دبّر عملية قتلي! أي أن صفة الشيطان التي فوّض الربّ الإدارة الأميركية باصطياده ليست وقفاً على المسلمين، بل تشمل المسيحيين واتباع الديانات الأخرى عموماً، بما فيهم اليهود الذين يعارضون الصهيونية اليهودية وغير اليهودية!

إن عمليات اصطياد البشر تكون سرّية أو غير مباشرة في معظمها، ولذلك فإن الدور الأكبر في تنفيذها يقع على عاتق الوحدات الخاصة الأميركية السرية، التي يجب أن ترفدها قوات محلية تابعة، وبعد أن قررت واشنطن في أواخر عام 2003 اللجوء إلى هذه العمليات في العراق، وجدناها تزجّ في ميدان المعارك بالقوات الخاصة، وتسعى في الوقت نفسه، على عجل، لتشكيل وحدات محلية تابعة، وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست في حينه مقالة جاء فيها أن السلطات الأميركية في بغداد وافقت على تشكيل ميليشيا عراقية "مضادة للإرهاب" تتكون من قوات خمسة أحزاب رئيسية، وسوف تكون مهمة هذه الميليشيا التعرّف على المتمردين وتعقبهّم، وإلقاء القبض عليهم أو قتلهم، تحت إشراف القيادة الأميركية!

لقد توسعت الوحدات الخاصة كثيراً في عهد الرئيس الحالي جورج بوش، فخصّصت وزارة الدفاع الأميركية، في ميزانيتها لعام 2004، ما يزيد عن 6.5 مليار دولار لتغطية مهماتها، وهي زيادة نسبتها 34 % قياساً بميزانية العام 2003، أما تعداد عناصر هذه الوحدات من عاملين واحتياط فكان 37 ألفاً حتى تاريخه، وقد توقع أحد قادة المخابرات الأميركية أن تقوم هذه الوحدات الصغيرة "باستهداف البعثيين" بفعالية أفضل بكثير من فعالية الوحدات الكبيرة الثقيلة من الجيش النظامي!

الفارق بين فيتنام والعراق

إن عمليات اصطياد البشر هي استمرار متطوّر لذلك البرنامج الذي نفذته الإدارة الأميركية أثناء حرب فيتنام، حيث كانت الوحدات الخاصة تقوم على نطاق واسع باعتقال واغتيال الفيتناميين بتهمة الانتماء للمقاومة أو التعاطف معها، وكان اختيار الأهداف يعتمد بالدرجة الأولى على القوات المحلية التابعة، ويقول سيمون هيرش في إحدى مقالاته الهامة أن تلك العمليات خرجت عن نطاق السيطرة، فأبيد ما بين العامين 1968 – 1972 حوالي 41 ألفاً من المواطنين الفيتناميين، معظمهم لا علاقة له بالعمليات الحربية! وفي ما بعد، في العراق، حذر قائد سابق في الوحدات الخاصة الأميركية من أن مشكلة عمليات اصطياد الرؤوس (البشر) تستدعي أن تكون على يقين من أن الرؤوس التي تصطادها هي الرؤوس المطلوبة!

غير أن الوضع في العراق يبدو مختلفاً كثيراً عن الوضع في فيتنام، فالاحتجاجات الأممية ضدّ الحرب الفيتنامية بدأت بعد خمس سنوات من نشوبها، بينما هذه الاحتجاجات سبقت الهجوم ضدّ العراق كما يقول نعوم تشومكي، وهذا الفارق البالغ الأهمية يشير إلى التطور الهائل الذي طرأ على وعي الرأي العام العالمي، ويشير أيضاً إلى تقهقر المكانة الدولية لحكومة الولايات المتحدة وإلى الانكشاف التام لسياساتها العدوانية، وهي التي كانت تتذرع سابقاً بالدفاع عن الحرية وبدرء خطر الشيوعية! كذلك يبدو الوضع مختلفاً كثيراً من حيث الظهور الفوري للمقاومة العراقية، منذ الأيام الأولى للحرب، بجاهزية كافية وفعالية مذهلة! يقول مسؤول عسكري أميركي سابق أن القيادة البعثية في العراق تعتمد في تخطيطها للهجمات على الاتصال الشخصي المباشر، الأمر الذي يجعل (المقاومة) أكثر منعة أمام إحدى أفضل الوحدات الأميركية الخاصة، التي تعرف باسم الثعلب الرمادي، الخبيرة في التقاطع مع المكالمات الهاتفية واختراقها والمزوّدة بأحدث وسائل الاستخبارات التقنية! يضيف المسؤول الأميركي: إن هؤلاء الأشخاص (المقاومين) أذكى من أن يقتربوا من هواتف نقالة أو أجهزة راديو، بل يتعاملون مع التشكيلات البشرية الصديقة تعاملاً مباشراً في ميدان الاستطلاع أو المخابرات!

العالم بقيادة البنك الدولي!

ولكن، إلى أين تريد الإدارة الأميركية أن تصل عبر حربها العالمية المفتوحة تحت عنوان: اصطياد البشر؟ الجواب هو إنها تريد تدمير البلدان، واستعباد شعوبها، والتحكم التام باقتصادياتها، ورهنها لدى البنك الدولي! ولذلك فليست مصادفة أن يعيّن أحد أفراد طاقم تنظيم الحرب ضدّ العراق (بول وولفويتز) رئيساً لهذا البنك! إن حكومات الدول المدمّرة، المستسلمة، سوف تكون مطواعة بصورة جيدة جداً لأوامر إدارة البنك الدولي حسب توقعات الأميركيين، فتنصاع لكل ما يطلب منها سعياً وراء إيقاف التدمير والحصول على الدولارات كمعونة لإعادة الإعمار! وبما أن مثل هذه الحكومات، من منظور البنك الدولي، لا تملك المهارة اللازمة للتعامل مع قروض المعونة، فإن موظفي البنك هم من سيقوم نيابة عنها بإدارة عملية إعادة الإعمار بعد وضع القروض النقدية في صندوق الضمان المالي التابع للبنك ذاته! أي أن البلد المنكوب سوف يغرق أكثر فأكثر غرقاً لا نهاية له ولا خروج منه، لكن الشعب سيعطى بالمقابل حق التمتع بانتخابات ديمقراطية، وحق الصراخ والاحتجاج، والتظاهر سلمياً على أوسع نطاق!

في كانون الثاني/يناير الماضي وصفت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، إعصار تسونامي بأنه "فرصة مدهشة" منحت الولايات المتحدة أسهماً مالية عظيمة! تقول الكاتبة نعومي كلاين أن كلام رايس أثار رعب الكثيرين، فقد تعاملت الوزيرة مع المأساة الإنسانية المروّعة باعتبارها فرصة للحصول على الامتيازات! لقد تكفل الإعصار بإزالة كل أثر للحياة في المناطق الساحلية التايلاندية مثلاً، وانفتحت الأبواب على مصاريعها أمام رجال الأعمال لإقامة المنتجعات والفنادق والكازينوهات ومزارع القريدس، فبعد أن زال السكان الذي كانوا يعيقون مشاريع الشركات الربوية تحوّلت تلك المناطق إلى خلاء جاهز لإعادة الإعمار بقيادة البنك الدولي!

في فلسطين وأفغانستان والعراق تتواصل حرب اصطياد البشر التي تحاول تمهيد الطريق أمام سيطرة واشنطن والبنك الدولي، غير أن مستقبل هذه الحرب الإبادية العالمية صار متوقفاً على وعي وأداء مقاومين أشدّاء لا يبدو اصطيادهم ممكناً، بل على العكس، هم من صار يصطاد المرتزقة واللصوص والعملاء، وهم من سوف يضع حداً لهذه المأساة البشرية العامة التي آن لها أن تتوقف، وإن بغداد تقدّم اليوم، على مدار الساعة، الدليل القاطع الذي يؤكد إمكانية تحقيق ذلك.

www.snurl.com/375h            

 

Hosted by www.Geocities.ws

1