من أغنية الشيطان الى أغاني المقاومة !

بقلم: نصر شمالي

هل يعقل أن هناك من لم يكتشف بعد حجم وعمق التناقض بين الخطاب الأميركي والأداء الأميركي، ولم يكتشف بعد الإنفصام الخطير في الشخصية السياسية الأميركية ؟ هل يعقل أن هناك من لا يزال يجهل تاريخ الولايات المتحدة الذي يفسّر ذلك، وكيف دأب حكامها منذ تأسيسها على  اعتبار أن من حقهم انتقاد الغير وليس من حق الغير انتقادهم، ومن حقهم التصرف بممتلكات الغير وخصوصياته وليس من حقه الاعتراض، ومن حقهم شنّ الحرب ضد الشعوب الأخرى وليس من حقها مقاومتهم ؟ إن تاريخ الولايات المتحدة مكتظّ بالأمثلة التي تؤكد أن الآخرين إذا ما فعلوا ذلك، إذا انتقدوها أو اعترضوا على إجراءاتها أو قاوموها، فإن أفعالهم سرعان ما تتحول الى اتهامات إضافية ضدهم، والى ذنوب إضافية تستدعي المزيد من التشهير والتنكيل بهم، علماً أن ذنبهم الأصلي لا يعدو رفض الإملاءات الأميركية ورفض التفريط بالأوطان !

إن البدايات التي أسست لنهوض الولايات المتحدة تعطينا صورة شديدة القتامة عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الأنكلوسكسون في تعاملهم مع الآخرين، إذا ما انفردوا بهم في ظروف مواتية، فقد كان ذنب السكان الأصليين المنعزلين في قارتهم، والمتخلفين تقانياً، يتلخص في مجرد وجودهم أحياء على أرض أوطانهم ! مثل الفلسطينيين ! إنها ليست مبالغة، فالشعار الذي رفعه الأنكلوسكسون اللوثريون في طول البلاد وعرضها هو: " الهندي الطيب هو الهندي الميت " ! لقد توجّب على صاحب البلاد الأصلي أن ينمحق ويتلاشى ذاتياً، من تلقاء نفسه، كي يعتبره المستوطنون طيباً ! وبما أنه لا يستطيع تحقيق رغبتهم، حتى لو أراد، فقد تكفلت سموم المستوطنين المحتلين وأوبئتهم وبنادقهم بجعله "طيباً" !

ليذهب الآخرون الى الجحيم !

صحيح أن تكرار التجربة الإبادية التأسيسية بحذافيرها وبحجمها لم يعد ممكناً أبداً، لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تخرج قيد أنملة عن جوهر هذه السياسة في مختلف المراحل اللاحقة لمرحلة التأسيس وحتى يومنا هذا، ففي تعاملها مع الأمم الأخرى صار الشعار الأميركي غير الرسمي، إنما الواقعي المعمول به، هو: " ليبارك الله أميركا وليذهب الآخرون الى الجحيم " !

إن صفة " الآخرين، أو الأغيار، أو الغوييم " حسب المصطلحات التلمودية التي يعتنقها الأنكلوسكسون اللوثريون بتعصّب مفرط لا تستثني حتى الحلفاء الأوروبيين من الأعراق والمذاهب المسيحية الأخرى، وقد ظهر هذا واضحاً حين تشكلت " عصبة الأمم " بعد الحرب العالمية الأولى، حيث سارع الأميركيون الى تحجيمها وإضعافها وإهمالها لأنها أعطت الآخرين، من الحلفاء وليس من غيرهم، حق التعامل معهم ندّاً لندّ على قدم المساواة، بينما هم يريدون الحلفاء أتباعاً لا أنداداً، ثم انتظروا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية لصياغة " هيئة الأمم " على هواهم هذه المرة، فجعلوها تبدأ عهدها بارتكاب جريمة العصر، جريمة اغتصاب فلسطين وتدمير شعبها، وجعلها قاعدة عدوانية ثابتة ضدّ العرب خصوصاً، والآسيويين والأفريقيين بل والأوروبيين عموماً!

غير أن التطورات الدولية والأممية، السياسية والبنيوية، جعلت هيئة الأمم تتململ وتتمرد أخيراً، وإذا بالإدارة الأميركية تدير ظهرها لها في أكثر من مناسبة، ثم ترسل جيوشها لاحتلال العراق من دون الرجوع إليها، بل خلافاً لإرادة حلفائها الكبار الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فكان ذلك تأكيداً آخر على المعايير الاحتكارية العنصرية التي نهضت الولايات المتحدة على أساسها !

الإعلام يردّد أغنية الشيطان !

    مؤخراً وصف الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز السياسة الأميركية بالجنون، وبأنها الخطر الحقيقي الذي يهدد العالم أجمع، وقال أن الجنود الأميركيين ينكّلون بالأبرياء في العراق ويقتلونهم دون وازع، وأنهم يستخدمون في عملياتهم ضد العراقيين قنابل النابالم وغاز الخردل، باعتراف أحد موظفي وزارة الصحة الأميركية ! غير أن الإعلام الدولي في معظمه لم يعط تصريح الرئيس شافيز الاهتمام الذي يستحقه، وواصلت أجهزته المختلفة، التابعة والمتواطئة والخائفة، ممالأتها للخطاب الأميركي الذي يجعل الضحية معتدياً والمعتدي ضحية !

لقد فرضت الديمقراطية الأميركية على أجهزة الإعلام، بصدد فلسطين والعراق وغيرهما من الضحايا، ركوب طريق الشيطان التي هي طريق أولها مثل آخرها وآخرها مثل أولها ! وفي جنبات هذه الطريق تتردد طوال الوقت أغنية شيطانية مؤلفة من كلمتين: "محاربة الإرهاب" ! إن هاتين الكلمتين اللتين لا علاقة لهما أبداً بالأسباب الحقيقية لمعاناة الشعوب تتكرران على مدار الساعة، مثل أسطوانة مشروخة ! إنهما أغنية الشيطان التي تصمّ آذان مليارات البشر بمختلف اللغات، فتشغل الشعوب عن واجباتها الحقيقية من دون أن تقنعها بشيء ! وبالطبع فإن في هذا الكفاية، حيث لا يطمع الأميركيون في إقناع الشعوب بل يطمحون الى مجرّد تعطيل فعالياتها، ويتوجّب الاعتراف بأن أغنيتهم الرهيبة حققت الهدف، وإن في حدود والى حين فقط.

تبرئة المعتدي وإدانة الضحية !

لقد أقدم الأميركيون ومن تواطأ معهم على احتلال العراق بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل ودعمه للإرهاب، ثم انهارت الحجج وانكشفت الأكاذيب، فهل تراجع الأميركيون ؟ وهل أدانتهم أجهزة الإعلام والمؤسسات الدولية ؟ على العكس، لقد أضيفت تهمة جديدة ضد الشعب العراقي هي تهمة الإرهاب، حيث مقاومته المشروعة التي انبثقت بعد الاحتلال غير الشرعي وضعته على لائحة الإرهاب الأميركية، بينما واصلت أجهزة الإعلام ترديد أغنية الشيطان !

يقول الرئيس شافيز أن واشنطن تغوص في المستنقع العراقي ! ويعبّر أحد القادة الفيتناميين عن قناعته بأن فعالية المقاومة العراقية تدل على التفاف الشعب حولها ! لكن الإعلام الدولي في معظمه، وقد أرغم على ركوب طريق الشيطان، مازال يردد الأغنية اللعينة، ومازال يصرّ على أن المقاومة هي المتهمة وهي المعتدية !

لكن التناقض بين الخطاب الأميركي والأداء الأميركي تجاوز جميع حدود المعقول والمفهوم، حيث الديمقراطية الأميركية لم تعد تكتفي بفرض رؤيتها ورأيها، بل صارت تلجأ الى القتل لإرغام أجهزة الأعلام على حجب وتحريف الأخبار والوقائع الميدانية التي يستحيل حجبها أو تحريفها لمدة طويلة. إن التناقض بين الخطاب والأداء، بين الدعاية والواقع، سوف يتعمّق ويتّسع بسرعة كلما غاصت واشنطن أكثر في مستنقع الحرب العراقية. والأسطوانة المشروخة سرعان ما سوف تنكسر ويتوقف ترديد أغنية الشيطان.

قريباً سوف تتعالى أناشيد المقاومة المظفّرة المفهومة بجميع اللغات، مبشّرة بعالم نظيف من الاحتكار الربوي والتمييز العنصري الصهيوني.

www.snurl.com/375h       

Hosted by www.Geocities.ws

1