أبعاد الأحداث العظمى الدائرة في العراق !

بقلم: نصر شمالي

لو أن الأمور سارت كما خططت لها الإدارة الأميركية منذ عام 2000 لكانت صناعة النفط في العراق الآن مخصخصة تمتلكها الشركات الأميركية، شركات بوش وتشيني وأمثالهما، ولربما كان الإنتاج العراقي قد بلغ اليوم ما يقارب الإنتاج السعودي، ولو أن ذلك حدث لما اقتصر الأمر على دمار العراق بالكامل وزواله الواقعي من الوجود فحسب، بل كان يفترض أيضاً أن منظمة الدول المصدّرة للنفط أوبيك تنحدر الآن على طريق الدمار الشامل، أو أنها دمّرت وانتهى الأمر !

لقد كانت خصخصة النفط العراقي هدفاً رئيساً في برنامج صهاينة الإدارة الأميركية في العراق، وكانوا يأملون أن تنفصل صناعة النفط العراقية عن منظمة أوبيك بعد امتلاكها من قبلهم، وأن تضخ كميات ضخمة من النفط خارج سياسة المنظمة التي تحدد حصص إنتاج الدول المشاركة فيها، الأمر الذي يعني انهيار نظام الأسعار وبالتالي انهيار المنظمة، وربما دولها حسب مخططات عصابة البيت الأبيض !

الهدف الكبير والخيبة الكبرى !

لقد كان بول بريمر، الحاكم الأميركي الثاني في العراق المحتل، يؤكد على مبدأ عدم التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية، إلا بمقدار ما يكون التدخل ضرورياً لحفظ الأمن وحماية حقوق الملكية الشخصية، حتى لقد قيل أنه يتبنى نظام خصخصة الماء والهواء ! وبالطبع فإن تلك السياسة لم تكن شخصية من بنات أفكار بريمر، بل كانت السياسة الدولية للإدارة الأميركية، وهي الإدارة التي وقعت في قبضة الشركات الربوية مباشرة !

وكان الحاكم الأميركي الأول للعراق المحتل، غاي غارنر، قد شرح في حديث مع الإذاعة البريطانية أن وزارة الدفاع الأميركية حلت الجيش العراقي فوراً، ووضعت العراق في حالة فوضى واضطراب شاملة، لأنها كانت تخشى عودة مؤسسة بعثية كبيرة كالجيش، تشكّل عقبة في وجه الخصخصة الجذرية المعدّة للعراق ! أما بريمر فقد سمح للشركات الأجنبية، خاصة الأميركية، بشراء أية شركة عراقية من شركات القطاع العام، وسمح بترحيل الأرباح بصورة فورية !

غير أن قطاع النفط كان الجائزة الهائلة الموعودة التي حلم بها كبار المخططين للعدوان من ممثلي الشركات وأصحابها. إنها الجائزة التي لا يعني نيلها الثراء الفاحش للصوص والفقر المدقع للعراقيين، بل يعني أيضاً التحكم بسوق النفط الدولية، بل بالسياسة الدولية عموماً الى حد كبير، وإنه لمن الحماقة والجهل، إن لم نقل التواطؤ والخيانة، أن هناك من لا يرى الأهمية التاريخية العظمى لبطولات المقاومة العراقية التي أحبطت هذا التوجه الشرير، فلم تمكّن المحتلين من وضع اليد بالكامل وبالراحة على صناعة النفط العراقية، الأمر الذي جعل الموقف ينقلب رأساً على عقب في غير صالح الاحتلال !

يقول أحد المحللين الأميركيين أن مجلس الحكم العراقي المعين عام 2003 سارع الى تنفيذ الأوامر بتخفيض أسعار النفط، فأعطى بذلك الفرصة للمقاومة كي تهاجم على الفور خطوط النفط وتخفّض الإنتاج الى الحد الأدنى، ومكّنها من مخاطبة الشعب العراقي قائلة : انظروا، إنكم تفقدون بلادكم وثرواتكم لصالح مجموعة من المليارديرات الذين يريدون السيطرة عليكم ! وبالطبع، فإن الشعب العراقي لم يكن بحاجة لمن يخبره بذلك، والمقاومة لم تكن بحاجة لتحريض الشعب وإقناعه، فهو كان واعياُ تماماً لما يحدث، وهي كانت تحظى بتأييده منذ اليوم الأول لانطلاقتها.

الإدارة الأميركية تعتبرنا قطعاناً !

يستطيع قطاع النفط العراقي بإمكانياته الحالية إنتاج ثلاثة ملايين برميل يومياً، أي أكثر من ثلث الإنتاج السعودي، وبتطوير هذه الإمكانيات يستطيع رفع إنتاجه الى مستوى السعودية، ولقد كان الأميركيون يعوّلون على ذلك كثيراً، ويعتبرون تحقيقه من باب تحصيل الحاصل بعد سنوات الحصار الطويلة التي أنهكت العراق، والتي جعلتهم يعتقدون أنه أصبح جاهزاً للهزيمة الكاملة وللاستسلام التام بل قيد أو شرط، وإذا بالمقاومة الباسلة تضرب برنامجهم في الصميم، وهاهم اليوم ينتجون بصعوبة مليون برميل أو أكثر بقليل، فتتقلص بذلك العائدات بالمليارات، وتصبح غير كافية لتأمين جزء من نفقات الحرب، بينما كانوا يتوقعون تغطية نفقات الحرب بجزء من عائدات النفط العراقي، وتحويل الفائض الكبير من العائدات الى خزائنهم !

ولكي ندرك أكثر أبعاد الأحداث العظمى التي تدور في العراق نشير الى أن الإدارة الأميركية، التي وضعت خطة الحرب، أخذت بتحليلات ماكس بوت أحد أعضاء فريق المحافظين الجدد، وقد جاء في تلك التحليلات أن العرب (سماهم بالشرق أوسطيين) هم مجرد قرويين فقراء أميين، عديمي الوعي السياسي، مثل الفليبينيين ! وقد ثبت فيما بعد أن طاقم الإدارة الأميركية هو الجاهل بالمنطقة العربية وتاريخها، وبالتعبئة الشعبية الواسعة ضد الاحتكار النفطي منذ خمسينات القرن العشرين، ولذلك فإن عصابة البيت البيض لم تتوقع اندلاع حرب العصابات العراقية الطويلة الأمد، منذ اليوم الأول للاحتلال، بهذه الفاعلية المذهلة، وهم الذين كانوا ينظرون الى العرب بازدراء على طريقة اللوردات الإنكليز القدامى في عهد الاستعمار القديم ! وبالطبع، فقد ترتب على جهلهم وخطئهم في حساباتهم بصدد العراق بروز  جهلهم وخطئهم أيضاً في مخططاتهم ضد منظمة الدول المصدّرة للنفط أوبيك، فقد تأكّد أنهم لن يستطيعوا تدمير سياسة المنظمة حتى لو نجحوا في وضع يدهم بالراحة على نفط العراق ورفع إنتاجه الى أقصى حدّ ممكن !

حسابات الأميركيين وحسابات العراقيين !

ينتج العالم يومياً حوالي ثمانين مليون برميل من النفط، والدول المنتجة أنواع، بعضها لا يكفي إنتاجه لتأمين احتياجاته فيضطر للاستيراد، مثل الولايات المتحدة، وبعضها يتوازن إنتاجه مع احتياجاته، وبعضها يفيض إنتاجه بمعظمه عن حاجته، مثل السعودية ! وهكذا فإن الذي يستطيع التحكم بالأسعار الدولية للنفط هو الذي ينتج الكثير مما يفيض عن حاجته، أو الذي يتحكم بتسويق هذا الفائض ! إن السعودية، على سبيل المثال، تستطيع الآن لوحدها إنتاج أحد عشر مليون برميل يومياً، وفي المستقبل القريب 12 و 13 مليون برميل، بينما هي تنتج الآن حوالي سبعة ملايين برميل يومياً، الأمر الذي يجعل فائضها مؤثراً في تحديد الأسعار ! كذلك تستطيع السعودية، خلال ثلاثة أيام فقط، رفع إنتاجها من سبعة الى أحد عشر مليون برميل ( من أصل 80 مليون برميل عالمياً !) وتستطيع أيضاً بالطبع خفض إنتاجها كثيراً دون أن يضيرها ذلك، بفضل الفائض العظيم، وقد أرادت عصابة البيت الأبيض باستيلائها على العراق، وعلى إنتاجه العظيم بدوره من النفط، سلب السعودية ودول أوبيك الأخرى هذه الميزة، بل إفقارها وتدميرها إذا استدعت المصلحة الصهيونية ذلك، غير أن نجاح مثل هذه الخطة الشيطانية يقتضي عدم وجود الشعب العراقي على سطح الأرض، أي وجود النفط العراقي من دون الشعب العراقي ! وقد تصرّف الأميركيون كما لو كان الحال هو كذلك فعلاً، فلم يأخذوا بالحسبان 25 مليون عراقي، ولا أخذوا بالحسبان ظهور مقاومة عراقية على المستوى العالي من الوعي والفعالية، فكان أن فشلت أيضاً أهدافهم ضد   أوبيك وبالتالي بصدد السيطرة على السياسة النفطية الدولية !

إن العراق الذي تسمح جاهزية قطاعه النفطي الآن بإنتاج ثلاثة ملايين برميل يستطيع في الظروف الطبيعية رفع إنتاجه الى خمسة ملايين في غضون خمسة أعوام، ورفعه الى مستوى السعودية في غضون 15-20 عاماً، غير أن العراق بشعبه العظيم، وبانتمائه العضوي الى أمته العربية والإسلامية، لن يلعب لعبة الفائض الضخم ولعبة التحكم بالأسعار الدولية بعد انتصاره، بل سيوظّف إنتاجه وعائداته بما يحقق نهوضه، ونهوض أشقائه، ونهوض الأمم المتآخية مع أمته عبر العصور.

www.snurl.com/375h         

Hosted by www.Geocities.ws

1