أية هاوية عميقة أعدّوها للعرب؟

بقلم: نصر شمالي

ثمة هاوية عميقة، سحيقة، أعدّت للأمة العربية بجميع مكوّناتها، الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية والشعبية. إن الجميع يبدون كأنما هم يحثّون الخطا نحوها باستقامة، ويظهر الكثيرون عبر أقوالهم وأفعالهم ما يمكن أن يشير إلى أنهم لا يرون الهوّة القادمة المتربصة، أو لا يستشعرون خطرها المهلك، فالحوارات والصراعات تدور وتحتدم حول ما لا يحتل أولوية ولا يشكل ضرورة حاسمة في اللحظة التاريخية الراهنة، بينما يبدو الصمت شبه مطبق والسكون شبه سائد في المواقع والمواقف الضرورية المصيرية التي تقتضي أقوالاً وأفعالاً ملائمة!

أوهام الحكام العرب ومواقفهم!

على الصعيد السياسي الرسمي انشغل الحكام العرب بإسرائيل الصغرى عن إسرائيل الكبرى، ويالها من مأساة مروّعة! إن هاجسهم شبه الوحيد هو كيفية التعامل مع إسرائيل الصغرى للحفاظ على مواقعهم ومصالحهم وذلك بممالأة وموالاة واشنطن. وليت الأمر اقتصر على انشغالهم بالفرع وليس بالأصل، أي بذيل الأفعى وليس برأسها، وليتهم انهمكوا في الإعداد لمواجهة جدّية منطقية مع إسرائيل الصغرى، أو في الدعم الجدّي المنطقي للشعب الفلسطيني الذي يواجهها، بل حدث أنهم انشغلوا بإعداد مشروع قرار رئيسي جمعي يعرض استعدادهم مرة أخرى وأخرى للصلح والتعايش مع إسرائيل الصغرى، دون أن يقرنوا قرارهم بخيار آخر، أي بالتصدي العربي الجمعي لعدوانها في حال رفضها عرضهم، أو بخيار دعم الشعب الفلسطيني الباسل في مواجهته المؤثرة لها!

ليس هذا فحسب! لقد أظهر الحكام العرب أنهم لا يأبهون لضياع فلسطين، فكأنما خطر التدمير والإبادة والابتلاع يقتصر عليها وحدها، أو كأنهم يأملون، بعناية واشنطن، أن يتوقف الزحف التدميري الإبادي عند حدودها، مغفلين المعاني والمدلولات المستجدة لما يجري في العراق، ومبرهنين أنهم يتوهمون أنفسهم طرفاً رابعاً، إزاء الفلسطينيين والعراقيين أولاً، ثم الإسرائيليين ثانياً، فالأميركيين ثالثاً، ويالها من أوهام كافية كتمهيد لأعظم الكوارث!

إبادة أوبيك وإفقار الأمة!

لكن البلاد العربية والأمة العربية، من وجهة نظر إسرائيل الكبرى، هي النفط بالدرجة الأولى (وليست فلسطين سوى ضحية النفط بالدرجة الأولى) وها هي الوثائق الأميركية تؤكد بما لا يقبل الجدل أن حكومة واشنطن، المكوّنة من تجار النفط، وضعت خطط الحرب لاحتلال العراق قبل أحداث أيلول/ سبتمبر من أجل الاستيلاء على نفط العراق، وأن تلك الخطط تضمنت استخدام النفط العراقي لتدمير منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبيك"، التي هي منظمة العرب في المقام الأول، وذلك برفع الإنتاج النفطي العراقي، بعد السيطرة عليه وامتلاكه بالكامل، إلى مستويات ضخمة تفوق حصص منظمة أوبيك، هذا من جهة، ومن جهة ثانية،بعد أن نجحوا في احتلال العراق وإن لم ينجحوا في السيطرة على عمليات إنتاج نفطه، فإن القادة الأميركيين الذين خططوا للاحتلال، سواء أكانوا يهوداً أم غير يهود، انتقلوا اليوم إلى مواقع قيادية عالمية أخرى لمتابعة عمليات ما بعد احتلال العراق، وهي العمليات التي لن تقتصر على تدمير منظمة أوبيك وتحويل الدول العربية النفطية إلى دول فقيرة، بل سوف تسعى للهبوط بسوية حياة شعوب الأمة العربية عموماً إلى الدرك الأسفل من البؤس الروحي والنفسي والعقلي والجسدي، تحت عناوين برّاقة ظاهرها الشفقة والعون وباطنها الدمار والموت! إنهم يريدون إعادة تربية أمتنا وتحقيق تحضّرها، وذلك بإلزامها طوعاً أو كرهاً بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فماذا يقصدون بالضبط؟

وولفويتز هو شايلوك المعاصر!

لقد ندبوا بول وولفويتز، نائب وزير الحرب الأميركي، لاحتلال منصب رئيس البنك الدولي، وهو المخطط الرئيس لاحتلال العراق، حيث من موقعه القيادي العالمي الجديد سوف يتمكن من تنظيم اتجاه برامج تمويل التنمية العالمية تنظيماً حربياً يتكفّل بتدمير الشعوب عموماً والعرب خصوصاً! فمن المعروف تاريخياً أن البنك الدولي في تعامله مع الأمم يشترط على زبائنه، دائماً وبحزم، التحرّر من السياسات الوطنية، وإطلاق الحرية الكاملة لاقتصاد السوق، ورفع الدعم الحكومي عن قطاعات التموين والصحة والتربية والتعليم خاصة، وإفساح المجال على أوسع نطاق لخبرائه يستطلعون البلد من جميع النواحي المادية والبشرية، من حيث ثرواته المستخرجة والكامنة، ومن حيث قواه العاملة العضلية والفكرية، على أن يتحقق ذلك كله في مناخ من التعدّدية والحرية والديمقراطية على الطريقة الأميركية، أي في مناخ من الفلتان الذي لا ضابط له، فتهبط الأمة بسرعة رهيبة إلى هاوية من البؤس والخبل لا قاع لها، مثلما هو حال بعض الدول العربية اليوم، وإنها لمهمة تليق حقاً بالصهيوني بول وولفويتز، شايلوك المعاصر!

نواقص فادحة وآمال عريضة!

بينما الحكام العرب في مواقفهم الرسمية على هذا الحال، وكذلك مواقف القوى والمؤسسات شبه الرسمية، المعنية بمصالحها الضيقة والدائرة في فلك الحكام، فإن مواقف بعض القوى والمؤسسات والهيئات غير الرسمية يبدو متقاطعاً ومتناغماً معها في المحصلة، وإن هو بدا كأنه يناقضها في الخطاب السياسي، حيث هذا البعض منشغل بكليته، وياللعجب، في الكيفية التي تمكنه من ترتيب البيت الداخلي ديمقراطياً، مديراً ظهره لخطر الدمار الشامل والإبادة العامة والمقاومة الباسلة، أي أنه سرعان ما سيلتقي في نقطة ما قادمة ببول وولفويتز، شاء أم أبى وأحبّ أم كره!

تبقى القوى والهيئات والمؤسسات المنخرطة في المقاومة، لكنها، مع الاحترام العميق والانحياز الطبيعي لها، لا تزال تظهر نقصاً في الإلمام بحجم الحرب التاريخية التي تخوضها، فهي لا تعبّر بما يكفي عن رؤيتها لخمسة قرون من السيادة الأوروبية الأميركية العالمية، وهي تبدو كأنها لا تأخذ بالاعتبار شبكة النظام العالمي المتكاملة المسيطرة عالمياً منذ قرون، وهذه النواقص الأساسية الفادحة وغيرها تعبّر عن نفسها في الخطابات السياسية والعمليات العسكرية التي تبدو مفتقرة للبعد الإنساني الأممي، وإن توفر البعد الوطني القومي، فالانتصار المطلوب والمرجو من أمتنا بالذات يفترض أن يأتي فعلياً حقيقياً لا شكلياً صورياً، الأمر الذي يشترط أداءً إنسانياً وخطاباً أممياً، بحيث يجد فيه كل إنسان منصف، حتى الإنسان الإنكليزي واليهودي، ما يعنيه وما يناسبه، ويجد المكان الذي يصبو إليه سواء في مقاومتنا اليوم أم في نصرنا غداً.

www.snurl.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1