الأهداف الاستراتيجية الثابتة والذرائع الآنية الواهية!

بقلم: نصر شمالي

في جميع الأزمنة والأمكنة يحاول الإنكليز والأميركيون والصهاينة اليهود استغفال العقل الجمعي للبشرية وتضليله، وهذا أمر طبيعي متوقع من قوى تقوم أنظمتها على التمييز والاحتكار والبراغماتية، إنما غير الطبيعي أن يساهم بعضنا، بحسن نية أو بسوء نية، في إنجاح عملية استغفال وتضليل الناس، وفي إشغالهم عن الأخطار الأنكلوأميركية الصهيونية الاستئصالية بشؤون تبقى ثانوية مهما عظمت قياساً بخطر الاستئصال!

وعلى سبيل المثال، فقد أوردت مجلة "فورين أفيرز" الفصلية المتخصصة (في عام 1994) أن القوات الأميركية متواجدة في جميع أنحاء العالم لحماية السلام! أما ماهية هذا "السلام" فقد أوضح جانباً من طبيعتها وارن كريستوفر وزير الخارجية الأميركية حينئذ، حيث صرّح أثناء وجوده في منطقة الخليج العربي بما يلي:" إن مطالبنا هي تسهيلات عسكرية لقواتنا سريعة الانتشار ذات الكفاءة العالية والتقنية المتقدمة"! أي أن التسهيلات المطلوبة هي للمساعدة في انتشارها، فأين ستنتشر؟ لقد كان الهدف الذي لم يعلن في ذلك الوقت هو الانتشار في العراق طبعاً، حيث العراق كان خاضعاً للحصار المحكم منذ مطلع التسعينات، علماً أن قوات الانتشار السريع بدأ تشكيلها منذ مطلع الثمانينات، فكيف يمكن الفصل بين هذه المقدمات المبكرة وبين الاحتلال الذي وقع بعد حوالي عشرين سنة من تشكيل هذه القوات وبعد حوالي عشر سنوات من بدء الحصار ضدّ العراق؟ وهل نأخذ بالحجج والذرائع الآنية الواهية ونهمل الاستراتيجية التاريخية الثابتة؟!

توجيه الضربات وخلع الأنظمة!

في تلك الفترة (1994) كان الرئيس الأميركي بيل كلينتون يتجوّل في منطقة جنوب شرق آسيا، ويطرح على الحكام مطالب من النوع الذي طرحه كريستوفر في الخليج، وها هم اليوم يغتنمون فرصة كارثة الزلزال لنشر قواتهم في مناطق النفط فوق جثث الضحايا وأنقاض المدن! أما في الخليج فإن الوثائق تثبت أن واشنطن أبلغت دول الخليج عن قرارها نشر قوات برية وجوية وبحرية قوامها ثلاث فرق عسكرية، وخمسة عشر سرباً مقاتلاً، وحاملة طائرات، على أن تقوم دول الخليج العربية بتمويل العملية! وبالفعل تأسس صندوق للتمويل، وقدّرت التكاليف المبدئية بعشرة مليارات دولار، كل هذا من دون إعلان الهدف الأساسي الذي هو احتلال العراق! لقد راحوا يعلنون أهدافاً إنسانية وأمنية غير مفهومة ولا محدّدة، لكن روبرت بلليترو، مساعد وزير الخارجية الأميركي، كان أكثر وضوحاً وتحديداً، ففي اجتماع عقد في أرلنجتون بولاية فيرجينيا للجنة التعاون المشترك الأميركية الخليجية قال أن الأهداف في الخليج متعدّدة: هناك الأهمية المتزايدة للشراكة الاقتصادية مع دول الخليج، وهناك المصالح القوية للشركات الأميركية التي تتولى إقامة الصناعات والبنية الأساسية، وهناك حماية الأصدقاء (؟!) والمصالح الحيوية، والتأكيد على أن الولايات المتحدة مستعدّة للتصرف بحزم عند اللزوم!

غير أن تصريحات مستشار الرئيس الأسبق ريغان كانت أوضح، حيث أعلن ما يلي:" إن منطقة الشرق الأوسط، بما فيها الخليج، هي من المناطق التي يطلق عليها وصف "المنطقة المفتاح"، أي أنها أساسية في السياسة الخارجية الأميركية لأسباب لا تخفى على أحد، ولذلك فإن واشنطن على استعداد لتوجيه الضربات ولخلع أي نظام يقف في وجه مصالحها!

النفط العراقي والاحتلال الأميركي!

تقول التقديرات أن احتياطي العراق من النفط في حدود 110 مليار برميل، أي أنه يحتل المرتبة الثانية في العالم بعد السعودية، وأن هناك احتمال أن تحتوي أرض العراق على 200 مليار برميل أخرى إضافية وأن الطاقة الإنتاجية يمكن رفعها إلى 10.5 مليون برميل يومياً، علماً أن حقول النفط العراقية المكتشفة هي في حدود 80 حقلاً، لم يتم تطوير وتشغيل سوى 21 منها، وأن 70% من الإنتاج يتم استخراجه من ثلاثة حقول فقط! فإذا أضفنا إلى ذلك أن تكلفة إنتاج البرميل الواحد في العراق هي أقل من دولار واحد، بينما تكلفة إنتاج مثيله في بحر الشمال، مثلاً، تتجاوز 18 دولاراً، أدركنا أحد أهم الأسباب التي جعلت العراق هدفاً ثابتاً للاحتلال منذ القديم، حيث النفط العراقي مرشح لاحتلال نقطة الارتكاز الأولى في السوق الدولية!

وهكذا، ما أن وضع الجنود الإنكليز والأميركيون أقدامهم على أرض العراق حتى راحوا يطلقون على أوائل معسكراتهم أسماء شركات نفطية أميركية وإنكليزية: معسكر إيكسون.. معسكر شل.. الخ! غير أن الإدارة الأنكلوسكسونية في لندن وواشنطن واصلت خطابها المضلل حول المهام الإنسانية لقواتها التي تقتصر على إنهاء الاستبداد وإشاعة الديمقراطية، وهي التي لم تتورع، وما زالت، عن دعم أي نظام يحمي مصالحها، سواء أكان مركزياً مستبداً أم ديمقراطياً متحللاً!

الهدف تسعة آلاف مليار دولار!

لقد بلغ سعر برميل النفط خمسة وخمسين دولاراً، وهو مقبل غالباً على مزيد من الارتفاع، وبينما تحاول الحكومة الأميركية، التي يقودها أصحاب شركات النفط، وضع يدها على الاحتياطي الأهم في البلاد العربية والإسلامية، يندفع موظفو الشركات إلى خليج المكسيك وفنزويلا والبرازيل وبلدان غرب أفريقيا والقطب الشمالي لاكتشاف أي مستودع نفطي طبيعي يستحق الجهد، بل يندفعون أيضاً إلى المناطق المهملة في الولايات المتحدة بالذات، حيث يعيش أصحاب البلاد الأصليين في ألبرتا مثلاً، بينما يصرّح ديك تشيني، نائب الرئيس، قائلاً:" نحن تحت رحمة أسعار النفط الدولية لأننا منعنا التنقيب والتطوير في أجزاء كبيرة من  البلاد"! غير أن تشيني لا يقول الحقيقة، وهي أن المناطق المهملة من بلاده، التي فيها أثر للنفط، استبعدت بسبب التكاليف الباهظة والنوعية غير الجيدة، وأن قرب استنفاد النفط الجيد والرخيص في البلاد العربية والإسلامية هو الذي يدفع للعودة إلى المناطق المهملة، ففي المحصلة ما الذي يزعج تشيني وأمثاله إذا ما ارتفع سعر النفط؟ فهم سيجنون الأرباح الفاحشة في جميع الأحوال، وخبراء تشيني يقدّرون أن ما مجموعه ثلاثة مليارات برميل يمكن استخراجها من القطب الشمالي بكلفة تصل إلى عشرين دولاراً للبرميل الواحد، فإذا كانت الأسعار ترتفع فماذا يضير الشركات أن ترتفع التكلفة؟

إن الأوروبيين المستبعدين يعتقدون أن تشكيل حكومة عراقية، يتم اختيار أعضائها في واشنطن ولندن، سوف يجعل الشركات الأميركية والبريطانية تجني أرباحاً تصل إلى تسعة آلاف مليار دولار خلال الخمسين سنة القادمة، من النفط العراقي فقط (تسعة تريليونات دولار!) غير أن الأميركيين والإنكليز يصرّون على أنهم احتلوا العراق من أجل سعادة الشعب العراقي وجعله يستمتع بالحرية والديمقراطية، فيشاركهم بعضنا في إشاعة هذه التبريرات السخيفة الساقطة التي لم تنطل على أطفال العراق!

www.snurl.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1