الأنكلوسكسون يصنعون الوحش ويفقدون السيطرة عليه!

بقلم: نصر شمالي

سيطر اليهود البريطانيون على حزب المحافظين الذي يستعد لاستلام الحكم في انتخابات العام الحالي 2005، ففي الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2003 جرى اختيار اليهودي البريطاني مايكل هوارد رئيساً له، وقد تم الاختيار بالتزكية بعدما انحصرت المنافسة بينه وبين يهودي آخر هو أوليفر ليتوين، وبعد أن انسحب جميع المرشحين لصالح هوارد، وبعد أيام قليلة، في الحادي عشر من الشهر نفسه أعلن الرئيس الجديد للحزب عن تشكيل حكومة ظل جاء ربعها من اليهود البريطانيين، وتسلم اليهودي ليتوين، المنافس على الرئاسة، حقيبة وزير الداخلية، بينما جرى تعيين الملياردير البريطاني اليهودي موريس ساعتلي (من أصل عراقي) رئيساً مشاركاً باعتباره من البارزين في ميدان الدعاية والإعلام، وباعتباره من كبار ممولي الحزب منذ أكثر من ربع قرن، فهو كان أحد أبرز المساهمين بأموالهم لفوز مارغريت تاتشر في انتخابات عام 1979!

إن حزب المحافظين البريطاني العريق، الذي يعود تاريخ تأسيسه الى ما قبل حوالي ثلاثمائة عام، والذي مثّل دائماً أهم نتائج الثورة البرجوازية اللوثرية الأنكلوسكسونية وجسّد مبادئها وتقاليدها وسياساتها، هذا الحزب وقع أخيراً في قبضة اليهود البريطانيين الصهاينة اللذين تشكلت منهم القوة الرئيسة التي سوف تقوده منذ الآن ولسنوات قد تطول وقد تقصر! وإذا كان مما يستحق التوقف والاستغراب أن اليهود في حزب المحافظين يشكلون أقلية ضئيلة جداً فإن ما يستحق التوقف والاستغراب أكثر أن عدد اليهود البريطانيين عموماً، حسب إحصاءات المجلس اليهودي العالمي عام2000، لا يزيد عن ثلاثمائة ألف نسمة من أصل عدد سكان المملكة المتحدة الذي ينوف عن ستين مليوناً! ولكن، سواء تحدثنا عن النفوذ اليهودي في حزب المحافظين البريطاني، أم في بريطانيا عموماً، فإن ما يجب أن يكون واضحاً هو أن هذا النفوذ بدأ يظهر بعد الحرب العالمية الثانية وليس قبلها، مترافقاً مع صعود واشنطن الى موقع القيادة العليا للنظام الاحتكاري الربوي العالمي، أما قبل ذلك، وعلى مدى مئات السنين، فقد كان العكس هو الصحيح، أي أن اللوثريين الأنكلوسكسون البريطانيين هم من كان لهم النفوذ الحاسم في أوساط اليهود!

لقد كانت الصهيونية غير اليهودية، اللوثرية الأنكلوسكسونية البريطانية، هي التي أسست عنوة وقسراً للصهيونية اليهودية، خلافاً لإرادة عموم اليهود وأولهم يهود بريطانيا، غير أن الزمن دار دورته المذهلة، وأصبح الصانع أسيراً لصنيعته المشوّهة الخطيرة! بل إن اليهود، اللذين باتوا يسيطرون اليوم على حزب المحافظين، ليسوا من أصول بريطانية قديمة، فالرئيس الجديد للحزب، مايكل هوارد، من أصل روماني هاجرت أ سرته الى بريطانيا في ثلاثينات القرن العشرين، وكذلك حال الآخرين!

الرئيس اليهودي والملكة اللوثرية!

غير أننا يجب أن نسارع الى القول أن حزب العمال البريطاني الحاكم ليس حالة مختلفة، بل جرى عليه ما جرى على حزب المحافظين إن لم يكن أكثر، ففي حزب العمال أيضاً يلعب اللورد البريطاني اليهودي مايكل ابراهام ليفي الدور الرئيسي في صياغة سياسات الحزب والحكومة، خاصة ما يتعلق منها بفلسطين والمنطقة العربية، ومنذ زمن طويل توجد في حزب العمال " لجنة أصدقاء إسرائيل " التي يوجد مثلها بالضبط في حزب المحافظين! إن اليهود الصهاينة يتوزعون على كلا الحزبين الحاكمين بالتناوب، ويمولونهما كليهما، حيث الممولون صاروا يتحكمون بسياسات الأحزاب في بريطانيا وغيرها من الدول الرأسمالية، بغضّ النظر عن خلفيات هؤلاء الممولين وعن مدى نظافة أموالهم!

إن حزب المحافظين مرشح للنجاح في انتخابات هذا العام، وفي حال نجاحه وتوليه الحكم فإن مايكل هوارد سوف يتولى رئاسة الحكومة، الأمر الذي أثار قلقاً واسعاً في بريطانيا، لأن رئيس الوزراء يملك حق " تقديم النصح " للملكة بما في ذلك ما يتعلق بالتعيينات الكنسية الرسمية، فالملكة هي رأس الكنيسة الأنجليكانية ( مركزها يعادل البابا ) ولندن هي مركز هذه الكنيسة (يعادل الفاتيكان) فكيف يسمح لرئيس وزراء يهودي بتقديم النصح للملكة ( أي توجيهها وإلزامها ) وهو غير المؤهل لذلك حسب التقاليد الكنسية البريطانية؟! وتجدر الإشارة هنا الى أن الكنيسة الانجليكانية ظلت حتى عام 1858 تحرّم ترشيح اليهود لعضوية البرلمان فما بالكم بعضوية الحكومة! أما اليوم فإن في البرلمان البريطاني أكثر من مئتي نائب، من كلا الحزبين الكبيرين، يتصرفون كأنهم أعضاء في الكنيست الإسرائيلي!

اللوثريون يكرهون اليهود، ويحتضنونهم!

ابتداءً من أواسط القرن السابع عشر، منذ عهد أوليفر كرومويل، قنعت الصهيونية الإنكليزية اللوثرية ( غير اليهودية ) بمجرد طوح فكرة الكيان الصهيوني اليهودي في فلسطين، وبمجرد البدء بخلق حركة صهيونية يهودية تحقق هذه الفكرة، وقد حدث ذلك في وقت لم يكن يوجد في بريطانيا ولا يهودي واحد، حيث كانت منذ قرون " نظيفة " تماماً من اليهود حسب التعبير الأوروبي، فصدر في لندن أول بيان يتحدث عن وطن لليهود في فلسطين من قبل أناس غير يهود ولا صلة مباشرة لهم باليهود، وجاء في البيان: " إن أمة إنكلترا وسكان هولندا مستعدون لحمل أبناء وبنات إسرائيل على سفنهم الخاصة الى الأرض التي وعد بها أجدادهم لتكون ميراثاً لهم الى الأبد "! لقد صدر هذا البيان عام 1649 أي قبل ثلاثة قرون ونصف!

كانت لندن اللوثرية ترى حينئذ أنها لا تستطيع القيام بدور أساسي في تحقيق مشروع الكيان الصهيوني إلا بعد السماح لليهود بالعودة الى إنكلترا أولاً، وبعد أن تستكمل شكلها الإمبراطوري العالمي ثانياً، وقد اقتضى ذلك التحضير والانتظار حتى أواخر القرن التاسع عشر كي ينعقد المؤتمر الصهيوني اليهودي الأول، الذي جاء انعقاده متوافقاً تماماً مع بلوغ كل من بريطانيا والولايات المتحدة مرحلة الإمبريالية!

منذ القرن السابع عشر بدأ استدراج اليهود للإقامة في إنكلترا، وتواصلت رعاية التأسيس لمشروع الكيان الصهيوني في أوساط اليهود، وعندما حل القرن التاسع عشر ظهر اللورد الإنكليزي اللوثري شافتسبري (1801-1885) الذي احتل مكانة مرموقة في تاريخ الصهيونية غير اليهودية، فذلك اللورد ظل منهمكاً طوال الوقت في مشروع إقامة دولة يهودية في فلسطين، لكنه، ويا للعجب، كان يعارض بحزم في الوقت نفسه أية محاولة للتحرير المدني لليهود البريطانيين! كان يقول أنه لا يجوز السماح لليهود بعضوية البرلمان من دون حلف اليمين حسب العقيدة المسيحية الحقّة، وأن حدوث ذلك يعتبر انتهاكاً للمبادئ الدينية، من دون أن يكف عن النشاط المركّز من أجل: " إعادة هذه الأمة الى فلسطين "!

إن شافتسبري وأمثاله، بحجة الخرافات التلمودية التي تقول بحتمية عودة اليهود الى فلسطين تمهيداً لظهور السيد المسيح، كان يسعى للاحتفاظ باليهود جاهزين للاستخدام في منطقتنا ضدّ العرب ومجمل الآسيويين والأفريقيين، أي أنه ما كان ليسمح أبداً بذوبانهم في المجتمعات الأوروبية، وهو أخذ على عاتقه إقناع إخوانه اللوثريين الإنكليز بأن اليهود، وإن كانوا حسب وصفه يتّسمون بالعناد وسواد القلب والانغماس في الانحطاط الأخلاقي والجهل بالكتاب المقدّس ( أي بالعهد القديم! ) فإنهم حسب رأيه لا يستحقون الخلاص فحسب، بل أيضاً يمثلون شيئاً حيوياً بالنسبة لأمل المسيحيين بالخلاص! أما حقيقة الخلاص الذي عناه اللورد وأمثاله فهو، من دون شك، استعباد الأمم!

اليهود اللذين عارضوا الصهيونية !

في عام 1917 صدر وعد بلفور بعد تبادل الرسائل بين بلفور الإنكليزي وولسون الأميركي للاتفاق على صيغته النهائية التي سوف تذاع من لندن بشأن " الوطن القومي اليهودي "، وقد وافق الرئيس الأميركي على مشروع التصريح سراً، وظلت الموافقة الأميركية طيّ الكتمان بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى، وعندما تأكدت هزيمة تركيا أعلن الرئيس الأميركي ولسن ما يلي: " أعتقد أن الأمم الحليفة قررت وضع حجر الأساس للدولة اليهودية في فلسطين بتأييد تام من حكومتنا ومن شعبنا "!

غير أن اليهود غير الصهاينة عموماً والبريطانيين منهم خصوصاً كانوا متشددين في معارضتهم للصهيونية بوجهيها اليهودي وغير اليهودي، وبالتالي لوعد بلفور، وقد ظل قادتهم في لندن حتى آخر لحظة يحاولون منع صدور ذلك الوعد !

يقول أستاذ القانون الأميركي ماليسون موضحاً الخلاف بين يهود بريطانيا وبين الحكومة البريطانية، وذلك قبيل صدور وعد بلفور، أنه: عند بداية المفاوضات ساورت اليهود غير الصهاينة شكوك عميقة بخصوص الأهداف السياسية الصهيونية، وبعد الكشف عن مسودّات تصريح بلفور أصبح هؤلاء اليهود أشد التزاماً بموقف مناوئ للمنظمة الصهيونية التي كانت تفاوض الحكومة البريطانية. لقد كانت معارضة لا لبس فيها هدفها الحفاظ على القيم اليهودية الأساسية ! وقد تلخص موقف اليهود البريطانيين المعارضين بالنقاط التالية:

أولاً: إن المبدأ الذي يقوم عليه التصريح المقترح ( وعد بلفور ) يفترض ويتضمن أن اليهود عموماً يؤلفون قومية، ومثل هذا التضمين يلحق أفدح الأضرار بالمصالح اليهودية، كما أنه يثير اشمئزاز عدد ضخم من اليهود.

ثانياً: إن التصريح يحرم عرب فلسطين من حقهم في وطنهم، ويعرضهم للطرد والتشريد، وهو موقف غير إنساني ومرفوض، وقد طرح مونتياجو هذا الرأي في مذكرة شديدة اللهجة رفعها الى الحكومة البريطانية وجاء فيها أن وعد بلفور يعني بأن على المسلمين والمسيحيين إخلاء المكان لليهود، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا بطرد السكان الحاليين.

ثالثاً: إن الوطن القومي اليهودي المقترح سوف يحوّل فلسطين الى " غيتو " كبير، وسوف يتعرض اليهود فيه الى خطر كبير في يوم من الأيام.

رابعاً: إن الوطن اليهودي المقترح سيلحق الضرر بمصالح أتباع الديانة اليهودية في جميع أرجاء العالم، حيث أنه يقوم على الفرضية الخاطئة بأن اليهود يشكلون قومية واحدة، وأن فلسطين وطن لليهود، وهو أمر ستنتج عنه أوهام اليهود غير الإسرائيليين بالولاء المزدوج، وسيدفع أوطانهم الى النظر إليهم نظرة شك، وسوف يؤدي الى حرمانهم من حقوق المواطنة الطبيعية..الخ !

غير أن أولئك اليهود المعارضين للصهيونية نظروا الى المسألة من جانبها البسيط ولم يتناولوا جوانبها الأهم والأخطر، ففي ذلك العام ( 1917 ) أثناء تبادل المذكرات بين لندن وواشنطن حول وعد بلفور، جاء في إحدى الوثائق البريطانية ما يلي: "مما لا شك فيه أن تركيا ستفقد جميع الممتلكات التي يطلق عليها بصورة عامة صفة البلاد العربية، كما أنها ستفقد أهم أجزاء وادي دجلة والفرات، وستفقد أيضاً إستامبول وسورية وأرمينيا، أما الأجزاء الجنوبية من آسيا الصغرى فإنها ستقع ربما تحت سيطرة الحلفاء، هذا إن لم يضمها الحلفاء الى غنائمهم" !

وهكذا، فإن الكيان الصهيوني جاء كركن أساسي من أركان مشروع صهيوني إنكليزي أميركي شمل المنطقة بمجملها، ولا يمكن فصله أبداً عن مصير تركيا وغيرها، ولا عن اتفاقيات سايكس/بيكو ‍‍! وعلى أية حال، هاهي الجدّة البريطانية تعاني اليوم من جحود وممارسات إبنتها الأميركية وحفيدتها الإسرائيلية ! بل إن جميع اللذين ساهموا في صنع الكيان الصهيوني، بالصورة المشوّهة المرعبة التي خرج بها، يعانون من جرائم صنيعتهم التي فقدوا السيطرة عليها، والتي يستحيل أن يفهم أحد عنها ماذا تريد بالضبط، فكأنما وظيفتها هي التدمير والتعذيب المفتوح لجميع الأمم!

www.snurl.com/375h

      

      

Hosted by www.Geocities.ws

1