مصير العراق والمنطقة تحسمه القوى المحاربة !

بقلم: نصر شمالي

لم يجد الجنرال جون أبي زيد خبراً ساراً رئيسياً يزفّه إلى لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي سوى خبر الانتخابات التي أجريت في العراق، في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الماضي، والتي لم تتبلور نتائجها حتى يومنا هذا! لقد اعتبر قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية، الذي يدير الحرب ضدّ العراق، أن الولايات المتحدة عبرت في العراق منعطفاً سياسياً ناجحاً ومهماً!

غير أن القادة الأميركيين، سواء الذين تكلموا عن الإنجاز السياسي الديمقراطي أم الذين استمعوا إليه، يعرفون جميعهم أن هذه مجرّد أقوال تصلح لإشغال الناس عن الأفعال، ويعرفون جميعهم أن التشكيلات السياسية، والأطر السياسية، والبرامج السياسية، تشكّلها وتؤطرها وتبلورها فعالية المحاربين وليس غيرهم، وكذلك الأمر بالنسبة للحدود الجغرافية السياسية، حيث أقدام المحاربين هي من يحدّدها ويرسمها!

من يقرّر مصير العراق؟

في العراق توجد قوتان لا ثالث لهما، سوف تقرّر إحداهما مصير العراق الجغرافي والاجتماعي والسياسي: قوة الاحتلال الأميركية المحاربة، وقوة المقاومة العراقية المحاربة، وهاتان القوتان المتقابلتان المتحاربتان بلا كلل ولا هوادة، لم تبلغ أي منهما اللحظة التاريخية التي تسمح لها بتقرير مصير العراق، فإذا زعمت إحداهما أنها تمتلك مثل هذه اللحظة تكون كاذبة، ويكون زعمها ضرب من ضروب التغطية على قلقها واضطراب أوضاعها ليس إلا، وإن القيادة الأميركية هي من يزعم ذلك، وهي من نظّم عنوة وقسراً انتخابات لا قيمة فعلية ميدانية على الإطلاق للقوى التي أشركت فيها، وبالفعل فإن القادة العسكريين الأميركيين الميدانيين يأملون أن تصبح لانتخاباتهم قيمة فعلية ميدانية، في نهاية العام الحالي، إذا ما نجحوا بإعداد ما يكفي من القوات العسكرية والأمنية العراقية، المجهزة والمدربة، والقادرة على تولي العمليات الحربية ضدّ المقاومة بفعالية ونجاح، وهذا يعني، بكل بساطة، أنهم أعدوا الزريبة والعلف قبل أن يمتلكوا الحصان! فلو أن الانتخابات جاءت بعد نهوض قوات عراقية موالية لهم، وبعد أن تبرهن هذه القوات عن جدارتها وسيطرتها ميدانياً، في العاصمة على الأقل، إذن لجاءت انتخاباتهم الديمقراطية دليلاً على امتلاكهم للحظة التاريخية التي تسمح لهم بتقرير مصير العراق!

تشكيلات سياسية ديمقراطية دعائية!

والحال أن الانتخابات العراقية الديمقراطية في ظل الاحتلال الأميركي ليست الأولى، حيث الأميركيون فعلوا ذلك من قبل في فيتنام، ولو عدنا إلى تصريحات وصحف ووثائق تلك المرحلة لوجدناهم يكررون هنا ما قالوه وما فعلوه هناك، وتفسير مثل هذا السلوك العجيب يكمن في أن الإدارة الأميركية تقيم وزناً كبيراً ورئيسياً لكونها قيادة عالمية يتوجب عليها أن تعطي دائماً الدلائل لحلفائها وخصومها على أنها قوة لا تقهر، وعلى أن برنامجها محكم وناجح، والأغرب من ذلك هو أنها لا يضيرها الاعتراف الفوري، الصريح والعملي، بهزيمتها عندما تقتنع تماماً أن المضي في الحرب لم يعد رابحاً ولا مجدياً، عندئذ تعلن على رؤوس الأشهاد أنها خسرت في حربها المقدسة ضدّ الشرّ، وأن مثل هذه الخسارة هي خسارة للمثل العليا ولقضية الحرية، ثم يبدأ كهنة هوليوود الصهاينة بإعداد الروايات السينمائية الملحمية عن الملاك الأميركي والشيطان الأجنبي!

لقد أقرّ الجنرال أبو زيد أن هناك تقديرات متفاوتة بصدد إمكانية تشكيل القوات العراقية ونهوضها. وكما يقول السيد جورج غالاوي، النائب البريطاني الإنسان، قد يكون أبو زيد متأكداً مما يقول، وقد يكون مجرّد متنبئ، وقد يكون مخطئاً، أو كاذباً! إن الشهور القليلة القادمة سوف تعطينا الإجابة، غير أنه من الواضح تماماً أن للقوة المقابلة المحاربة (المقاومة العراقية) تأثيرها الفعال على الخطط والتنبؤات والآمال الأميركية، أي أن الأميركيين ليسوا طليقي اليدّ في تشكيل القوات العسكرية والأمنية المحاربة الموالية، ولا في تشكيل الهيئات السياسية أيضاً! إن المقاومة تبدي تصميمها على المضي قدماً في استراتيجيتها الكفاحية غير المرتدة، متجاوزة جميع الأحداث الآنية التي يفرزها الميدان، في طريقها الى لحظتها التاريخية التي تعتبرها قادمة لا محالة !

رامسفيلد القديم ورامسفيلد الجديد!

لقد توقعت الإدارة الأميركية أن العمليات الحربية في العراق سوف تنتهي بعد فترة قصيرة من احتلال بغداد، وافترضت تخفيض عدد جنودها إلى ثلاثين ألفاً بعد ستة أشهر فقط من بداية الاحتلال، غير أن المقاومة العراقية قلبت الموقف رأساً على عقب، وهي اليوم تفعل فعلها الهائل، ليس بصدد المعارك الدائرة على الأرض العراقية فحسب، بل بصدد ما سيكون عليه الجيش الأميركي في المستقبل، في المنطقة العربية وفي العالم عموماً! إن تغييرات كبرى يعد لها اليوم في وزارة الحرب الأميركية، من حيث حجم القوات وطبيعتها وأدائها، غير أن هذا التحوّل يجري ببطء شديد بسبب عدم استجابة واقع الحال الأميركي للمستجدات والمتطلبات، ولذلك رأينا القيادة الأميركية، تحت ضغط المقاومة العراقية، تتراجع بلا خجل ولا مواربة عن صلفها ووقاحتها في التعامل مع حلفائها الأوروبيين، وتدعوهم بكل بساطة لنجدتها في العراق بعد أن استبعدتهم وأهانتهم حين كانت تعتقد أن المنطقة العربية سوف تكون جميعها في قبضتها بعد ستة أشهر من بداية احتلال العراق!

إن المخططين الاستراتيجيين الأميركيين يقولون اليوم أن القوات الأجنبية ضرورية في أي حرب كبيرة تخوضها أميركا، وأن احتياجات الوضع في العراق وأفغانستان تستدعي مشاركة عدد من الدول الحليفة! وهكذا رأينا الإدارة الأميركية، منذ بداية العام الحالي، تعدّل لهجتها في مخاطبة الدول الأوروبية، وسمعنا رامسفيلد، وزير الحرب الأميركي، يتراجع علناً عن استهزائه بأوروبا القديمة (العجوز) ويقول للأوروبيين (بنبرة فكاهية) أنه يقف أمامهم بصفته رامسفيلد الجديد، المختلف عن رامسفيلد القديم الذي تحدث عن أوروبا القديمة قبل عامين..الخ! أما المحصلة فهي قبول دول حلف الأطلسي بتدريب وتجهيز القوات العراقية الموالية، التي سوف تحلّ محلّ القوات الأميركية، إذا ما نهضت وبرهنت عن جدارتها وفعاليتها الميدانية، والتي كان يجب أن تجري الانتخابات الديمقراطية بعد نهوضها وليس قبله!

لكن الإدارة الأميركية في مأزقها العراقي التاريخي لم تقف عند حدّ في محاولاتها تأكيد هيبتها وجدارتها إقليمياً ودولياً، من دون أن تأبه لتناقضاتها المثيرة للعجب والسخرية، فقد اندفعت محاولة الإيحاء بأن الانتخابات العراقية ليست إلا خطوة واحدة على طريق تحقيق واجبها الرسولي المقدس، وهو نشر الحرية والديمقراطية في المنطقة العربية وفي العالم عموماً، فتوجهت نحو لبنان وسورية على هذا الأساس، من دون أن تشير إلى الصفقة التي عقدتها مع الأوروبيين، بأن تتنازل لهم قليلاً هنا، كي يساعدوها كثيراً هناك!

نجمل فنقول أن القوى المحاربة هي من يقرر مصير البلدان، وليس غيرها أبداً، وأن التشكيلات السياسية لا يمكن أن يأتي دورها، سواء لصالح الأميركيين أم لصالح شعبنا، إلا بعد الحسم العسكري الذي يمكّن قوة محاربة واحدة من امتلاك لحظة التقرير التاريخية، وهذا لم يتحقق بعد في العراق حيث المعارك لا تزال على أشدّها، ولا يمكن أن يتحقق في لبنان أو فلسطين كما يريد الأميركيون وغيرهم من دون مواجهة مع القوة اللبنانية والفلسطينية المحاربة التي لا يمكن القفز من فوقها!

www.snurl.com/375h

Hosted by www.Geocities.ws

1