التورط الأميركي في العراق يستمر ويتفاقم !

بقلم: نصر شمالي

هاهو الاحتلال الأميركي للعراق وقد أوشك أن يتم عامه الثاني، فماذا كانت دوافعه، وكيف جرى تنفيذه، وما التطورات التي طرأت عليه، وأين وضعته هذه التطورات اليوم ؟

لقد كانت الدوافع الرئيسة لاحتلال العراق هي: الاستيلاء المباشر على نفطه، والسيطرة المباشرة على أرضه وشعبه، الأمر الذي يعني تلقائياً السقوط الكامل المباشر لمنطقة الخليج العربي في قبضة الأميركيين، نفطاً وأرضاً وسكاناً، ويعني تحقيق ما عجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه، وهو أن تشمل السيطرة الأميركية الصهيونية المباشرة ما بين النيل والفرات ! وبالطبع فإن المغرب العربي لن يكون خارج دائرة مثل هذه السيطرة، فإذا سارت أمورهم على ما يرام، وهم اعتقدوا أنها ستسير على ما يرام، فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير، من أندونيسيا وماليزيا الى المملكة المغربية وموريتانيا، سوف يكون تحصيل حاصل !

الأزمة العالمية واحتلال العراق !

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما حاجة الولايات المتحدة الى الاحتلال المباشر والإدارة المباشرة لمنطقة تقع في نطاق سيطرتها منذ أواخر أربعينات القرن الماضي، وأصبحت أكثر طواعية لها، بل بلغت طواعية معظمها الحد الأقصى، منذ نهاية سبعيناته ؟ إن النفط العربي في معظمه تحت تصرفها طوال الوقت، والأموال العربية في معظمها تودع في مصارفها وتنفق بمعرفتها ولصالحها، والعالم عموماً استقرّ منذ الحرب العالمية الثانية على حالة من الانقسام المروّع، حيث خمس سكانه صاروا يستأثرون بأربعة أخماس الإنتاج والاستهلاك العالمي، وحيث الولايات المتحدة لوحدها تستأثر بخمسة وعشرين بالمائة من الأخماس الأربعة، أما ما تبقى وهو خمس المنتوج والاستهلاك العالمي، الذي يفترض أن يكون لأربعة أخماس سكان العالم، فإن الدول الاحتكارية الربوية تسترد معظمه بتواطؤ ومشاركة الأوساط الحاكمة في بلدان الجنوب !

إذاً لماذا اللجوء الى الاحتلال العسكري المباشر ؟ الجواب هو أن النظام الاحتكاري الربوي العالمي دخل منذ حوالي ثلاثة عقود في مرحلة الأزمة النوعية المستعصية على أي حل سياسي ! إن الزيادة الكبرى في تعداد سكان العالم يقابلها تبديد هائل لمجمل موارد بلدانه، وعذاب وهلاك لمعظم مجتمعاته، وذلك كي تحافظ البلدان الثرية على طراز ومستوى الحياة فيها ! بل إن الإدارة الأميركية صارت مهتمة بالمحافظة على مركزها العالمي، وعلى طراز ومستوى حياتها، ولو على حساب حليفاتها، وقد رأينا كيف أن عملية احتلال العراق واستكمال السيطرة على الخليج العربي تحققت على حساب الحلفاء الذين لم تأبه واشنطن لاعتراضاتهم ولمظاهر غضبهم ! وهكذا يمكن أن نرى في الهجمة العسكرية الأميركية ضدّ بلادنا وضدّ مجمل بلدان العالم عملاً دفاعياً استئثارياً أميركياً تقوده إدارة عنصرية، لامنطقية، مستبدة في الداخل والخارج، أنتجتها موضوعياً أزمة النظام الربوي العالمي النوعية المستعصية، فهي تتصرف وكأن العالم بمجمله ملكها وحدها !

الاستئثار على حساب الحلفاء !

إن الخطاب الأميركي، الموجه الى الداخل والخارج، يتضمن إشارات ومعان غامضة، تثير قلق ورهبة الكثيرين، بينما هو يبشر بالحرية والتحرير والديمقراطية وحقوق الإنسان ! إنه خطاب مشبع بالسموم الخرافية العنصرية التلمودية ! أما برنامج العمليات الأميركية قيد التنفيذ فهو مسلسل الحروب الاستباقية، بالإقدام على ضرب أية دولة باسم الدفاع عن الحرية وعن الأمن القومي الأميركي وعن الأمن الدولي، من دون أن يتوفر سبب مقنع، ومن دون العودة الى أية مرجعية قانونية ! وعندما يكون الخطاب والبرنامج كذلك فلا بد وأنهما انعكاس لأزمة مستعصية لا ينفع معها المنطق، ولا بد انهما تعبير عن إرادة الاستحواذ الخرساء العمياء، التي تريد أن تتحقق بالقهر والاستبداد والقسر !

إن الإدارة الأميركية تعمل اليوم من أجل تمركز الثروات والقرارات الدولية في أيدي أقلية ضئيلة متعددة الجنسيات وتابعة لها ! إن هذه الأقلية سوف تقتصر على خمس الخمس من سكان العالم المرفهين، أما الأكثرية الساحقة من الأمم فلتذهب الى الجحيم ! إن هذا ما يمكن أن يفسر لنا خلوّ خطاب الإدارة الأميركية من المنطق تماماً، وافتقار برنامج عملياتها الميدانية لأي مبرر !

إن واشنطن تختلف اليوم مع حليفاتها على لائحة من القضايا طويلة جداً، منها: حرب العراق، سجن غوانتينامو، فلسطين، إيران، كوريا الشمالية، كوبا، الصين، حلف الأطلسي، التغيير المناخي والبيئة واتفاقية كيوتو، المحكمة الجنائية الدولية، برامج الفضاء، الثقافة والإعلام، الزراعة، الطيران التجاري، ثم الدولار واليورو والاحتياطي النقدي العالمي، وغير ذلك من القضايا التي تستمر الخلافات الحادة حولها منذ سنوات من دون أن تبدو في الأفق أية إمكانية للتسوية !

غير أن ذلك كله لا يعني الاختلاف بين الولايات المتحدة وحليفاتها حول الثوابت التاريخية، مثل تراكم وتمركز رأس المال العالمي في العواصم الغربية، وكذلك تمركز عمليات الإنتاج الأساسية، وتمركز القرارات الدولية الاستراتيجية ! إنهم هنا يجمّدون خلافاتهم الكثيرة على خطورتها من أجل الحفاظ على النظام الربوي العالمي الذي تأسس قبل خمسة قرون، والذي يخصهم جميعاً، فهم يدافعون عنه بحزم ضدّ أية محاولة انعتاق جنوبية، فزمام أمم الجنوب يجب أن يبقى في قبضة قيادات الشمال، بغضّ النظر عن أي اعتبار !

التورط المستمر بلا نتائج حاسمة !

إذاً، تلك هي دوافع الهجمة العسكرية الأميركية، وذلك هو تفسير المواقف الأوروبية الغاضبة من جهة والمترددة المتقلبة من جهة أخرى، فكيف جرى تنفيذ عملية احتلال العراق في هذه الظروف وكواحدة من ابرز العمليات العسكرية الأميركية، وما هي التطورات التي طرأت على العملية، وكيف أصبحت أوضاع الاحتلال اليوم ؟

يقول أحد دهاقنة السياسة الأميركية، زبيغنيو بريجنسكي، أن احتلال العراق اعتمد على تقديرين خاطئين: الأول هو الزعم بوجود أسلحة دمار شامل، ربما بناء على معلومات كاذبة أعطيت عن قصد، فاعتبرت أساساً للعمل العسكري الذي انفردت به الولايات المتحدة، والثاني هو التنبؤات المستهترة التي توقعت الترحيب بالأميركيين في العراق كمحررين ! يتابع بريجنسكي: لقد جرت المقارنة في أعلى مستويات الدولة بين دخول العراق وبين تحرير فرنسا عام 1944! ثم يضيف: غير أن العراقيين لم يروا الأمر كذلك، وأنا لم أفاجأ بموقفهم ! أما عن الخطر الأكبر الذي تتعرض له الولايات المتحدة في العراق فقد لخصه بريجنسكي بالقول: إنه التورط المستمر من دون تحقيق نتائج حاسمة واضحة !

لقد دخل الأميركيون العراق بقوات لا تصلح أبداً لخوض المعارك مع المقاومة التي لم يحسبوا لها حساباً، والتي اصطدموا بها منذ الأيام الأولى، وقضوا الفترة مابين ربيع وخريف 2003 بأسوأ حالاتهم في مواجهتها، وفي ذلك الخريف كان عليهم أن يبدلوا جذرياً خططهم العسكرية وأن يتراجعوا عن كثير من قناعاتهم المسبقة، وأن يجمّدوا الى أجل غير مسمى عدداً من العمليات الإقليمية، حول العراق، التي كانوا أعلنوا عنها مسبقاً !

لقد اضطربت أوضاعهم أشد الاضطراب، فقاموا باستبدال الكثير من قواتهم التي تصلح للاستعراضات أكثر مما تصلح لقتال المقاومة، وجاؤوا بقوات المارينز لتبدأ عمليات القتل والتدمير الشامل التي بلغت ذروتها في الفلوجة ! إن المفكر الأميركي تشومسكي يعتبر ما وقع في الفلوجة من جرائم كافياً للحكم على الرئيس بوش بالإعدام كمجرم حرب ! غير أن المقاومة تصاعدت على طريقة المتواليات الهندسية، و كلما أوغل الأميركيون في جرائمهم تصاعدت أكثر، واليوم لا يجرؤ أميركي أياً كان موقعه أن يتكهن بإمكانية إلحاق الهزيمة بالمقاومة، ولذلك رأينا الإدارة الأميركية تغطي فشلها العسكري بنشاطات سياسية لا قيمة لها في الحسابات الجدّية النهائية، ورأيناها تتوجه الى فلسطين مصطنعة التهدئة لخلق أجواء عربية وإسلامية ودولية تساعدها في ورطتها العراقية، ثم رأيناها تفتعل التصعيد مع لبنان وسورية كي تبعد الأنظار عن فشلها في العراق، وكي تحافظ على مكانتها الدولية بانتصارات وهمية خلبية ! لكنها على الرغم من كل التطورات التي تبدو في غير صالحها تواصل تشبثها بالمخالب والأنياب، وتتمسك بتوجهها الاستئثاري الاحتكاري، وبخطابها الاستبدادي التلمودي، وببرنامج عملياتها الحربية الاستباقية غير المبرّرة وغير القانونية، فإلى أين سيقودها ذلك ؟!

www.snurl.com/375h

Hosted by www.Geocities.ws

1