تناوب الإبادة بالسيف والإبادة بالسياسة!

بقلم: نصر شمالي

عشية انعقاد اجتماع شرم الشيخ الأخير صرح إسحاق هرتزوغ وزير الإسكان الصهيوني بما يلي: " يمكننا أن نعيش الى مالا نهاية بقوة السيف، ولكن يمكننا أيضاً البحث عن تسوية مع الفلسطينيين"! كان هرتزوغ يحث على دعم العملية السلمية باعتبارها قابلة لتحقيق الأهداف الصهيونية ذاتها، وذلكم هو الفارق بين الحمائم والصقور في الكيان الصهيوني وفي واشنطن، حيث الصقور يفضلون السيف في جميع الحالات!

الأمة الحاضرة، الغائبة!

لقد أعطى الإنكليز والأميركيون أنفسهم حق الوصاية على البلاد العربية وتقرير مصيرها انطلاقاً من ذريعة" ملء الفراغ الحضاري والسكاني"! وهم أقاموا الكيان الصهيوني على أرض فلسطين باعتبارها أرضاً فارغة حضارياً وسكانياً، وهذا هو موقفهم الثابت الذي لم يتزحزحوا عنه في أداءهم العملي حتى يومنا هذا!

ومن دون أن نسارع الى الرد بغضب أنه لا فراغ حضاري أو سكاني، نكتفي بعرض موقفهم الآخر المناقض، المعلن سياسياً من حين لآخر. فعبر حروبهم ضدنا لم يترددوا في وصف العرب بأنهم أمة كبيرة مترابطة، متفوقة وغنية، تحاصر "إسرائيل" الصغيرة المسكينة، الخائفة والمهددة! بل هم يذهبون الى أبعد من ذلك بكثير، فيهملون نظرية"ملء الفراغ الحضاري والسكاني" ويتحدثون علناً عن مجتمعات عربية متقدمة تشكل الطبقة العاملة فيها قوة هائلة قادرة على إنجاز الثورة الاجتماعية الطبقية التي تهدد النظام الرأسمالي العالمي، وتستدعي تدخل لندن وباريس وواشنطن لدرء الخطر عن الرأسمالية العالمية!

وهكذا، فإن الأمة العربية- في سياساتهم- قوية متفوقة ومتحضرة موحدة في زمن العمليات العسكرية، ومجرد مجتمعات بدائية مبعثرة متنافرة ومتناحرة في زمن العمليات السياسية! إن الإنكليز والأميركيين والإسرائيليين يقولون ويفعلون ذلك طوال الوقت دون أن يأبهوا لتناقضهم الصارخ!

الثوابت السياسية الصهيونية!

هاهما شارون المتطرف وهرتزوغ المتساهل يبديان قبولاً بالمفاوضات السياسية في شرم الشيخ، لكنهما قطعاً يلتزمان بهذه الخطوط العريضة الثابتة:

أولاً: لم تعتقد الإدارة الصهيونية أبداً، في أي يوم من الأيام، اعتقاداً جدياً بأن الأنظمة العربية تهدد وجود الكيان الصهيوني، وقد سمعنا هرتزوغ يقول: " يمكننا أن نعيش الى مالا نهاية بقوة السيف"! طبعاً هو يقصد في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية الراهنة. والحال أنه، منذ حرب عام 1948، كان التهديد العربي الرسمي أسطورة من اختراع الصهاينة، والأنظمة لا تستطيع نفي ذلك لأسباب داخلية، بينما هي تخشى طوال الوقت استعداد الصهاينة لشن الحرب!

ثانياً: دأبت الإدارة الصهيونية على فعل كل ما من شأنه دفع الدول العربية نحو مجابهات عسكرية معها، حيث هي كانت واثقة دائماً ومسبقاً من كسب الحرب، وترى في تلك المواجهات ما يمكنها من التحول الى قوة عسكرية كبرى مطلقة اليد في مجمل ما يسمى بالشرق الأوسط!

ثالثاً: من أجل تحقيق هدفها الاستراتيجي دأبت الإدارة الصهيونية على ممارسة الإرهاب والقتل ضد المدنيين الفلسطينيين داخل خطوط الهدنة وخارجها، فهي كانت تريد جعل الأنظمة العربية تتململ من عبء اللاجئين وجعل اللاجئين يتململون من تقصير الأنظمة، بكل ما يعنيه ذلك من اضطرابات في صفوف العرب، وكانت تفتعل المعارك على الحدود لتقويض معنويات الجنود العرب ولإشاعة عدم الاستقرار السياسي في البلدان العربية، إضافة الى قيامها بعمليات التجسس والإرهاب في العمق العربي لإشاعة التوتر والاضطراب وعدم الثقة!

رابعاً: إن تحقيق الهدف الاستراتيجي الصهيوني ( السيطرة على ما يسمى بالشرق الأوسط) كان يستدعي مواصلة احتلال أراض عربية جديدة، وتمييع ونسف جميع المطالب العربية لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وتخريب وتمزيق العلاقات العربية/العربية، وإلحاق الهزائم بالحركات الوطنية العربية، والمساعدة على خلق أنظمة تدور في الفلك الصهيوني!

رفض الاتفاقات الأمنية!

منذ عام 1948 وحتى اجتماع شرم الشيخ الأخير مازالت هذه الأسس معتمدة في السياسة الإسرائيلية ومن خلفها الإنكليزية والأميركية، وهي أسس تقوم على ضرورة استمرار حالة الحرب المفتوحة بين الصهاينة والعرب، تتخللها من حين لآخر عمليات عسكرية نوعية، الى أن تحسم مسألة التسليم بالقيادة الصهيونية للمنطقة العربية، أي الى أن تضمحل الأمة وتبلغ حد الغياب الأشبه بالزوال! وعلى سبيل المثال، أوضح رئيس الأركان الأسبق موشي دايان، في أيار/مايو 1955، سبب الحاجة الصهيونية الماسة لرفض أية اتفاقات أمنية حدودية عرضتها بعض الدول العربية المجاورة أو الأمم المتحدة، فقال أن مثل هذه الاتفاقات توثق أيدي "إسرائيل" ولا تمكنها من شن الغارات عبر خطوط الهدنة! وجدير بالذكر أن الصهاينة دأبوا في جميع المراحل على وصف تلك الغارات بالأعمال الدفاعية والانتقامية، بينما هي كانت كما وصفها دايان بالحرف: " شرياننا الحيوي، وضرورية للإبقاء على توتر عال بين سكاننا وفي الجيش، وضرورية لإقناع شبابنا أننا في خطر"!

ولم تكن المسألة مقتصرة على دايان وعصابته، بل كانت الإدارة الأميركية دائماً على علم تام بتلك الخطط، ففي مذكراته يقول موشي شاريت، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، أنه حاول إقناع وزير دفاعه لافون بسخافة وحمق الأعمال الانتقامية قياساً بأهدافها المعلنة، وكيف أنه يمكن الوصول الى الأهداف ذاتها بوسائل أخرى! فابتسم لافون باستخفاف، وفهم شاريت أن لافون يعكس التوجه الأميركي، فهو مقرب من مراكز القرار في واشنطن بينما شاريت لم يكن مقرباً بالمستوى نفسه! وهكذا فقد كان لافون ودايان ومن ورائهما الأميركيين يعتقدون أن سياسة " الانتقام" من الثوابت الضرورية لتأجيج التوترات في المنطقة، ولإضعاف معنويات عرب فلسطين، ولإشاعة الارتباك وعدم الاستقرار في العواصم العربية! إننا على هذا الأساس نستطيع اليوم فهم موقف الصهاينة من إعلان مؤتمر قمة بيروت الداعي الى الصلح الشامل مع الكيان الصهيوني. إن موقفهم هو: التجاهل التام!

السائل اللمفاوي الصهيوني!

يقول موشي دايان: " إننا لا نواجه أي خطر من القوة العسكرية العربية، وبالمقابل فالأعمال الانتقامية هي سائلنا اللمفاوي الحيوي، فمن دونها سوف نتوقف عن كوننا شعباً محارباً، وقد يترك المستوطنون المستوطنات، ولذلك يجب أن نخبر المستوطنين أن الولايات المتحدة وبريطانيا ترغبان في أخذ النقب منا، فمن الضروري إقناع شعبنا أننا في خطر"!

لكن الأميركيين والإنكليز والصهاينة يواجهون اليوم خطر المقاومة في العراق وفلسطين، القابلة للحياة والاستمرار والتصاعد، والكفيلة وحدها بالتمهيد لتبديل موازين القوى الإقليمية، إن لم نقل الدولية، في غير صالحهم، ولذلك تراهم يتحولون الى العمل السياسي بأمل القضاء على المقاومة قبل استفحال خطرها، ومن ثم العودة الى ثوابتهم التي عرضنا جانباً منها! 

www.snurl.com/375h

       

Hosted by www.Geocities.ws

1