الجدّة الإنكليزية، والإبنة الأميركية، والحفيدة الإسرائيلية!

بقلم:نصرشمالي

ليست الطامة الكبرى في أن يصفنا أعداؤنا وقتلتنا بالإرهابيين، بل بانهماكنا في نفي التهمة، وفي دعوتنا لأمتنا المثخنة بالجراح أن توقف نضالها كي يقتنعوا أنها ليست أمة إرهابية! وهل يعقل أن تضع الضحية نفسها في قفص الاتهام، وتعطي المجرم القاتل الحق في اعتلاء منصة الحكم؟! ثم أليس غريباً ومعيباً إلى حدّ موجع نسياننا أن تهمة "إرهابي، ومخرّب، ومغتصب مستبد" وصف بها محمد علي باشا وأحمد عرابي وجمال عبد الناصر، وعبد القادر الجزائري، وعبد الكريم الخطابي، والإمام المهدي، وعمر المختار، وأمين الحسيني وياسر عرفات، ويوسف العظمة وسعيد العاص وعز الدين القسام ومأمون البيطار، وجميع قادتنا الأحرار وشهدائنا الأبرار في جميع أقطارنا على مدى قرنين من الزمان؟ وبماذا تتوقعون أن يصف المعتدي الظالم من يقاوم عدوانه؟ بماذا تتوقعون أن يصف قادة وشهداء ثورة العشرين وأحفادهم في العراق؟ بالمناضلين؟ بالمجاهدين؟ أصحاب الحق؟ إذن فتكون المشكلة منتهية، وما على المعتدي إلا الانسجام مع وصفه، والانسحاب إلى بلاده خلف المحيطات من تلقاء نفسه!

هل هذا معقول؟ هل أصيب بعض مثقفينا ومفكرينا وسياسيينا بالجنون، فينخرطون بمعظم جهودهم في سجال عقيم مرهق، لإقناع الأعداء أن أمتهم ليست إرهابية؟!

أسرى المركزية الأوروبية الأميركية!

لقد أصدرت واشنطن مؤخراً قانوناً تتهم فيه الأمم الأخرى، خاصة العرب والمسلمين، بمعاداة السامية، أي بمعاداة اليهود، وتوعّدت بتعقب ومعاقبة كل من تثبت عليه التهمة، وسرعان ما دخل بعضنا في السجال العقيم المحزن، يحاولون إقناع واشنطن أن العرب أيضاً ساميون! ويحاولون إقناعها ( لمصلحتها!) أن لا تنحاز كلياً إلى الإسرائيليين ضدّ العرب! ولكن الإنكليز والأميركيين والإسرائيليين حلقة واحدة مغلقة! إنهم الجدّة والابنة والحفيدة، وهم عندما يبالغون في توجيه التهم وتوزيع الصفات ضدّ العرب خاصة باعتبارهم اليوم خط المواجهة الأول، وضدّ الأمم الأخرى من غير الأنكلوسكسون اللوثريين واليهود الصهاينة، فإن ذلك يعني أمراً واحداً هو: أن المقاومة ضدّهم فعالة ومتصاعدة وواسعة، وأن عليهم الإكثار من توجيه الاتهامات والتهديدات كي يربكوها ويشتتوا انتباهها ويزعزعوا صفوفها!

إن الإنكليز والأميركيين يتوقعون لخطاباتهم الاتهامية المهدّدة أن تكون فعالة بسبب اطمئنانهم أن بعض المثقفين والمفكرين والسياسيين في بلادنا وفي العالم عموماً، وهم كثر للأسف الشديد، ينضوون تحت لواء المركزية الأوروبية الأميركية، الثقافية والفكرية والسياسية، فهم أسرى في قفصها، يحفظون تاريخ بلادهم وتاريخ العالم كما صاغته، ويريدون خوض النضال وإحراز التقدم بصياغاتها وبأسلحتها وبأساليبها، أي من داخل قفصها المغلق على عقولهم وعلى سلوكهم بإحكام، وبالطبع فإن هذا غير ممكن، حيث يستمر الدوران داخل القفص، ويتواصل الضياع والعذاب، ويستحيل إحراز أي تقدم على طريق الخلاص!

أرض الميعاد الأميركية العبرانية!

هل يعقل أن لا ندرك حتى اليوم طبيعة الحلقة الواحدة المغلقة، التي تشكلت منذ القرن السادس عشر، والمكوّنة من الجدّة الإنكليزية وابنتها الأميركية وحفيدتها الإسرائيلية، هذه الحلقة التي تمسك اليوم بخناق العالم أجمع حتى لتكاد تزهق أنفاسه؟ إذن، فإليكم بعض اللمحات المقتضبة الموثّقة، التي يسمح بها المجال هنا، والتي تلقي بعض الضوء على قضية فلسطين، قضية العرب والمسلمين، حيث إن هلكت فلسطين هلكوا وإن نجت نجوا:

أولاً، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، عبر اللوثريون الإنكليز المحيط الأطلسي، واعتبروه يعادل سيناء التوراتية، واعتبروا أنفسهم العبرانيون الجدد، يهود الروح وليس الدم! ووضعوا أقدامهم على أرض أميركا الشمالية باعتبارهم شعب الله المختار الجديد وباعتبارها أرض الميعاد التوراتية الجديدة، وانقضّوا على شعوبها بحماسة مقدسة، يبيدونها بلا تردّد ولا هوادة باعتبارها شعوباً كنعانية! لقد أقنعوا الدهماء أن الإبادة التامة لشعوب تلك البلاد ترضي الرب (يهوه) وتستجيب لإرادته! إن "عيد الشكر" الأميركي هو عيد الاحتفال بإبادة شعوب أميركا!

ثانياً، ما أن استتب لهم الأمر في أميركا حتى التفتوا إلى فلسطين في آسيا! وبسبب تجربة الحروب الصليبية الفاشلة قرروا استخدام اليهود في استيطان فلسطين وإبادة شعبها، فصدر في لندن عام 1649 (أي قبل أكثر من ثلاثة قرون ونصف) إعلاناً تضمن ما يلي:" إن أمة إنكلترا وسكان هولندا (اللوثريين) سيكونون أول الناس وأكثرهم استعداداً لنقل أبناء وبنات إسرائيل على سفنهم إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم لتكون ميراثاً لهم إلى الأبد"! وفي ما بعد، أوضح الإنكليزي جيمس نيل قائلاً:" إن احتمال أن يتمكن الإنكليز من استيطان فلسطين بالنجاح نفسه الذي استوطنوا به أميركا الشمالية بعيد جداً، بسبب حرارة الجوّ، والصعوبات التي يقيمها العرب، والافتقار إلى حماية فعالة، وكثير غير ذلك"! لقد كان يبرر استخدام اليهود.

الابنة الأميركية تلد في فلسطين!

ثالثاً، في عام 1840 توجه الأميركي أورسون هايد إلى القدس من أجل العمل على "تسهيل نبؤة بعث إسرائيل" ومعه كتاب توصية من وزير الخارجية وآخر من حاكم ولاية الينوى! وفي عام 1850 أسس القنصل الأميركي وارد كريسون مستوطنة زراعية في منطقة القدس، وتحوّل عن ديانته (المسيحية) اللوثرية إلى اليهودية! لقد انطلق منذ ذلك التاريخ نشاط الابنة الأميركية متقدماً الجدّة البريطانية!

رابعاً، في عام 1845 قال الإنكليزي ميتفورد:" إن إقامة دولة يهودية في فلسطين ستضع إدارة مواصلاتنا في أيدينا بالكامل، وستوفر لنا في المشرق مركز سيطرة يردع الأعداء السافرين"! ودعا تشارلز هنري تشرشل إلى:" التحرير المبكر لسورية وفلسطين ووضعهما تحت الحماية البريطانية، وأن يقوم اليهود بدور المستوطنين الحماة للمصالح البريطانية"!

خامساً، كتب الصهيوني الأعظم ونستون تشرشل في مذكراته:" إذا أتيح لنا في حياتنا – وهو ما سيقع حتماً – أن نشهد مولد دولة يهودية، لا في فلسطين وحدها بل على ضفتي نهر الأردن معاً، تقوم تحت حماية التاج البريطاني وتضم نحو ثلاثة أو أربعة ملايين يهودي، فإننا سنشهد بذلك وقوع حادث يتفق تمام الاتفاق مع المطامح الحيوية البريطانية"! لقد كان تشرشل ينتظر ولادة الحفيدة الإسرائيلية!

سادساً، في عام 1918، قال الرئيس الأميركي تودور ويلسون:" أعتقد أن الأمم الحليفة قررت وضع حجر الأساس للدولة اليهودية في فلسطين بتأييد تام من حكومتنا وشعبنا"! لقد كانت الابنة الأميركية على وشك ولادة الحفيدة الإسرائيلية!

سابعاً، في عام 1942 نطق الجنين في الرحم، فصرّح ديفيد بن غوريون في أميركا أنه "لم يعد باستطاعة اليهود الاعتماد على الإدارة البريطانية في تسهيل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين"!

وهكذا، فلماذا لا نبدأ بالخروج من قفص المركزية الأوروبية الأميركية الصهيونية، ونعيد النظر بمعارفنا عن تاريخ بلادنا والعالم، خلال القرون الخمسة الماضية على الأقل، لنكتشف وحدة هذا النظام الربوي العالمي الذي تعاقبت على قيادته (منذ القرن السابع عشر) لندن الجدّة، ثم واشنطن الابنة، التي أنجبت الحفيدة الإسرائيلية وأقطعتها إمارة فلسطين والمنطقة العربية؟!

www.snurl.com/375h

Hosted by www.Geocities.ws

1