الديمقراطية الإسرائيلية ليبرالية فاشية، ومضبوطة مشروطة!

بقلم: نصر شمالي

تتوفر لكل من يريد دلائل كثيرة وحاسمة تؤكد كم هو عقيم وضار ذلك الاتجاه في التحليل والدراسة، الذي يتناول السياسة الإسرائيلية بمعزل عن السياسة الأميركية. إن عهود الليكود في الحكم هي من أبرز الدلائل على ذلك. غير أن ذلك لا يعني أنه يتوجب علينا قراءة السياسة الأميركية فقط واعتبارها تغني عن قراءة السياسة الإسرائيلية، بل يتوجب علينا أن نتعرف على السياسة العدوانية الأم في منابعها ومصادرها الأساسية وأن نتعرف عليها أيضاً في قنواتها ومصباتها، وفي أشكالها التنفيذية المخاتلة المخادعة، التي يشكل الكيان الصهيوني أحد أهم ميادينها.

إن للسياسة الأميركية الدولية طرائق كثيرة مضللّة، والسياسة الإسرائيلية هي أكثر هذه الطرائق الأميركية تضليلاً، وكيف لا والكيان الصهيوني تأسس أصلاً على الخداع والتضليل الذي لم يستهدف الرأي العام العالمي فحسب بل استهدف أيضاً الكتل الاجتماعية اليهودية في جميع أنحاء العالم، وبالدرجة الأولى!

ما هي مهمة الأحزاب الإسرائيلية؟

تبرهن الوقائع المعاشة أن الأحزاب الإسرائيلية، خاصة الرئيسي منها، هي جزء أساسي من شبكة الترتيبات المعقّدة الموضوعة لخدمة النظام الاحتكاري الربوي العالمي، وتنحصر مهمة هذه الأحزاب في القاعدة الصهيونية بخلق مناخ سياسي واجتماعي يجعل المستوطنين في وضع ملائم يمكنهم من القيام بمهماتهم في خدمة النظام العالمي، وباعتبارهم جمعوا وحشدوا في فلسطين المحتلة أساساً لهذا الغرض، وإنها في الواقع مهمة صعبة ومعقدة تلك المهمة التي أنيطت بالأحزاب الإسرائيلية، إذ يتوجب عليها أن تنجح على الدوام في السيطرة "الطوعية" على جميع الاتجاهات التي تضم ما بين الخرافات التلمودية والتوجهات الليبرالية والاشتراكية، وأن تبقيها دائماً كتلة عنصرية فاشية محاربة، أي أن تكون قادرة على إبراز الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كأنما هي اتجاهات طبيعية أصيلة، وعلى إفراغها من مضمونها في الوقت نفسه، وإلغاء تناقضاتها الطبيعية، لصالح الحرب العنصرية الفاشية المفتوحة على اللانهاية! إن مهمة الأحزاب الإسرائيلية هي ضبط المجتمع الاستيطاني بتناقضاته المفترضة واتجاهاته المختلفة، وجعله باستمرار كتلة واحدة في خدمة النظام العالمي، في فترات الحرب وفترات الهدنة. تلك هي القاعدة، أما إذا كانت ثمة استثناءات بين هذه الأحزاب فهي لن تكون مؤثرة في أي يوم من الأيام، فلا مستقبل لأي اتجاه إنساني (إن وجد) في  الكيان الصهيوني أياً كان مذهبه المعلن!

ديمقراطية فاشية، منضبطة ومشروطة!

في الكيان الصهيوني تتعايش العنصرية الفاشية والديمقراطية الليبرالية جنباً الى جنب! وطوال الوقت تبقى الفصائل المتطرفة محتفظة بمواقعها المؤثرة وبامتيازاتها المدهشة المرعية محلياً ودولياً، سواء في عهود حزب العمل (المعراخ) أم في عهود حزب التجمع (الليكود) وقد حدث أن عقد في فيينا ذات مرة "مؤتمر التقدميين الدولي"، فحاول المستشار النمساوي الراحل برونو كرايسكي (يهودي) الفصل بين سياسة "إسرائيل" في ظل حكومة الليكود وبين سياستها في ظل حكومة حزب العمل، لكن الإسرائيلي الدكتور إسرائيل شاهاك (داعية حقوق الإنسان بإخلاص) أصرّ على أن المؤسسة الصهيونية، سواء تمثلت بالليكود أو بالمعراخ: " ذات موقف عنصري ثابت ضدّ الفلسطينيين، وأن هذه الدولة هي نازية وعنصرية ولا إنسانية"!

بل لقد ذهب شاهاك الى أبعد من ذلك فقال: "إنني أقارن نظرياً هذه المرحلة بما حدث للدول الإمبريالية في بداية القرن العشرين، حيث كانت تتعاظم في تلك الدول الروح العنصرية مع تقدم معطيات الديمقراطية، وهذا ما يحصل في إسرائيل"!

لنلاحظ هذا الربط الصائب – حسب شاهاك – بين تقدم معطيات الديمقراطية الإمبريالية والصهيونية وبين تعاظم الروح الفاشية العنصرية، حيث مما لا شك فيه أن جانباً واحداً من جوانب الحياة في مجتمع ما لا يمكن أن يفهم بمعزل عن فهم الجوانب الأخرى، وحيث لا يمكن فهم طبيعة اللعبة الديمقراطية الإسرائيلية، كلعبة الانتخابات مثلاً، بمعزل عن فهم السياسات العدوانية المبيتّة ضدّ العرب سواء في فلسطين المحتلة أم في الأقطار العربية الأخرى، وكم كانت مهمة إشارة الدكتور شاهاك الى الجذور الفاشية لحزب حيروت الذي يقود الليكود، والى علاقة وجوده في الحكم بالتطورات السلبية التي تطرأ على أوضاع النظام العالمي، وخاصة بالنزوع الفاشي القوي الذي يبرز أكثر فأكثر في سياسات الولايات المتحدة الأميركية!

كيف تتعايش الديمقراطية والفاشية؟!

إن الكيان الصهيوني ديمقراطية ليبرالية حقاً، تبدو كأنما هي تضاهي أحياناً في مظاهرها أكثر الديمقراطيات الغربية عراقة، ولكن كيف تتعايش هكذا ديمقراطية مع كل هذا القدر من العنصرية التي تمارس ضدّ العرب في جميع المناطق الفلسطينية المحتلة، في مناطق عام 1948 أم في مناطق عام 1967؟ بل كيف نوفّق بين الروح الديمقراطية العالية وبين العمليات الإرهابية التي تمارس ضدّ بعض الطوائف اليهودية أيضاً، داخل الكيان الصهيوني وفي أنحاء العالم؟ وكيف نوفّق بين ذلك التعصب العرقي التلمودي المفرط لما سمّي (الجنس) اليهودي، مع أنه لا وجود لمثل هذا الجنس أو العرق، وبين تلك السهولة التي يقدم بها الإسرائيليون على قتل أبناء جلدتهم بواسطة المتفجرات لإرغامهم على الهجرة الى فلسطين المحتلة، وقد حدث هذا في العراق وفي عدد من الدول الأوروبية والأميركية الجنوبية، ومازال يحدث، وهو ينسب غالباً، إذا لم ينكشف، الى منظمات وهمية معادية للسامية، أي لليهود؟!  وكيف نوفّق أيضاً بين تظاهرهم بالحرص على استرداد جثة جندي سقط في الحرب وبين تحريضهم الديكتاتوريات العالمية على ذبح اليهود أو التضييق الشديد عليهم لإرغامهم على الهجرة؟! ناهيكم عن التمييز العنصري الصارخ في جميع الميادين بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين؟!

لقد زار اسحق رابين الأرجنتين ذات مرة، بدعوة من قيادة الجيش هناك، حيث دارت المفاوضات حول تزويد الأرجنتين بالسلاح الإسرائيلي مقابل الضغط على يهود الأرجنتين، وسجنهم وتعذيبهم، كي يرغموا على الهجرة الى فلسطين المحتلة، حيث كانت في الأرجنتين أعداد مهمة من اليهود الذين لا يؤمنون بالصهيونية ويعادون النظام في الأرجنتين!

الاعتبار الأول للقلعة الصهيونية!

وهكذا فإنها ديمقراطية مشروطة لا يتمتع بها اليهودي إلا بعد انضمامه للمجتمع الإسرائيلي المحارب وانخراطه في مؤسساته العدوانية المختلفة! إنها نوع من الديمقراطية الضرورية عملياً وميدانياً لمجتمع مصطنع يقوم على اضطهاد وقتل الفلسطينيين، وعلى العدوان المستمر ضدّ الأقطار المجاورة، وعلى حراسة المصالح الاستعمارية في المنطقة العربية، وخاصة طرق النفط!

إن الديمقراطية الإسرائيلية ضرورية بمقدار ضرورة تدمير العرب واستعبادهم، وكلما أوغل الكيان الصهيوني في عدوانيته أوغل بالمقدار نفسه في ديمقراطيته! إنها ديمقراطية تحمل طابع المكافأة، والامتياز الذي لا بد وأن يحظى به مجتمع يهب حياته للحروب العدوانية، ويعرضها طوال الوقت لخطر الموت!

إن الاعتبار الأول هو للقلعة الصهيونية (الدولة) ويصبح اليهودي مهماً فقط عندما ينصهر في بوتقة هذا الكيان، وعندئذ يغدو الحرص الشديد على استعادة جثته بأي شكل حرصاً على "الدولة" التي يجب أن تبقى متماسكة بقوة، مادياً ومعنوياً بأي ثمن!

وكيف لا يكون من حق مجتمع محارب، مجتمع "إسبارطي" عبودي الجوهر، أن يمارس الديمقراطية على أوسع نطاق طالما أنه جاهز على الدوام للقيام بجميع الواجبات الحربية، وتنفيذ جميع عمليات القمع والاضطهاد والتدمير الشامل والإبادة ضدّ المجتمعات الأخرى ؟! ولكن، لنتصور توقف عمليات القمع والحرب نتيجة تبدّل موازين القوى، ولنتصور توقف مصادر التمويل عن الدفع والإمداد، عندئذ سوف تتبخر الديمقراطية في طرفة عين، بل إن الدولة المصطنعة سوف تتلاشى!

الثروات عربية والإدارة صهيونية!

يقول الصهيوني الأعظم ونستون تشرشل في مذكراته ما يلي:"كانت مشكلة فلسطين من أعقد المشاكل التي واجهتها بريطانيا، وكنت منذ صدور وعد بلفور عام 1917 من أخلص أنصار القضية الصهيونية ومؤيديها، ولم أشعر قط أن البلاد العربية جنت منا إلا العدل في معاملتها (يقصد ما تستحق كجنس أدنى) فالعرب مدينون لبريطانيا وبريطانيا وحدها في وجودهم كدول (يقصد تجزئتهم طبعاً) فنحن خلقنا هذه الدول، والأموال البريطانية والمستشارون البريطانيون ما دفع بها سريعاً على طريق التقدم، وكانت الأسلحة البريطانية هي التي تتولى حمايتهم (حمايتهم ممن؟!) وكان لنا ومازال كما آمل عدد من الأصدقاء الأوفياء الشجعان في المنطقة (عدّد بعض أسمائهم) ومن سوء الحظ أن هؤلاء الرجال كانوا من الشواذ! هناك أمر واضح هو أن الشرف والحكمة يتطلبان بقاء دولة إسرائيل والحفاظ عليها، والسماح لهذا الشعب أن يعيش في سلام مع جيرانه، ففي وسع هذا الشعب أن يأتي إلى المنطقة بإسهام لا يقدّر بثمن من المعرفة العلمية، والعمل والإنتاج، ومن الواجب إعطاؤه هذه الفرصة لمصلحة الشرق الأوسط كله"!

هكذا تحدث تشرشل، ممثل أعظم وأعرق ديمقراطية غربية، فكشف بجلاء تام كيف أن الكيان الصهيوني هو من صنع بريطانيا الديمقراطية، وكيف أن الديمقراطية الإسرائيلية هي من صنع الديمقراطية البريطانية، وكيف أن مثل هذه "الديمقراطية"، سواء الكبرى أم الصغرى، هي عنصرية فاشية في تعاملها مع الأمم الأخرى، فالعرب محكوم عليهم مسبقاً بالإعدام كجنس أدنى، ومن حق الديمقراطيات أن تدير شؤونهم نيابة عنهم، بل من حقها تجزيئهم وتأديبهم وإبادتهم إذا اقتضت مصلحة الديمقراطية ذلك! أما الأصدقاء الذين تعتمدهم من العرب فهم أولئك الذين يسيرون في ركابها ولا يترددون في تدمير مجتمعاتهم لصالحها، وبالفعل أعلن أحد الحكام العرب ذات مرة عن إيمانه بضرورة تكامل الثروات العربية والعبقرية الإدارية الصهيونية!

اليوم تقوم الولايات المتحدة الأميركية برعاية "الواحة الديمقراطية" الصهيونية نيابة عن بريطانيا، حسب مقتضيات "الشرف والحكمة" التي أشار إليها تشرشل والتي يبدو أن بريطانيا فقدتها! وبما أن الديمقراطية الصهيونية عجزت عن القيام بمهام إشاعة المعرفة العلمية والعمل والإنتاج في هذه المزرعة الشاسعة التي يطلقون عليها اسم "الشرق الأوسط" وتفرغت لقتل أطفال فلسطين واقتلاع أشجارهم وتدمير بيوتهم، فقد جاءت الولايات المتحدة بنفسها الى المنطقة لتقديم إسهامها "الذي لا يقدّر بثمن" حسب تشرشل، فنزلت الى العراق، وبدأت عمليات هائلة لإفراغه من محتواه المادي والبشري المتخلف تمهيداً لإقامة الديمقراطية على أنقاضه! 

www.snurl.com/375h

     

 

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1