واشنطن وحليفاتها والعراق خلال عام 2004؟

بقلم: نصر شمالي

على مدى عام 2004، كشف المأزق الأميركي في العراق أن الولايات المتحدة لم تنجح في معالجة بعض مشكلات تحديث قواتها العسكرية، على الرغم من أنها خصصت مبلغ أربعمائة مليار دولار لموازنة الدفاع! لقد بدت غير قادرة، بكل بساطة، على تطبيق خططها بصدد الانتشار والجاهزية وتحديث القوات، كما ورد في تقرير "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" الأميركي، فهي تواجه صعوبات كبيرة في تمويل وتحديث القوات الجوية وتوابعها، كما أنها لم توقف بعد التخفيضات المستمرة في أعداد سفنها الحربية، وفي فرض أعباء متزايدة تحدّ من تحديث قوات المارينز، وإذا كانت قد أحرزت تقدّماً في ميدان الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع فقد عجزت عن ترجمة هذا التقدّم إلى خطط ميدانية فاعلة، وبكلمة واحدة فإن الولايات المتحدة لم تملك بعد خطة كاملة وواضحة ومموّلة لإعادة هيكلة بنية قواتها المسلحة بما يتفق مع المستجدات التي طرأت على أوضاع العالم خلال الأعوام القليلة الماضية، أما حلفاؤها الأوروبيون فإنهم يعانون من مشاكل تحديث قواتهم المسلحة معاناة مزمنة، بدأت منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وما زالت مستمرة، وبينما تبدو الولايات المتحدة قادرة على التحرك، من حيث المبدأ، لمواجهة هذا النوع من المشاكل، فإن حلفاءها لا يبدون كذلك، لأسباب تتعلق بقصورهم التقاني قياساً بالولايات المتحدة واليابان، وبهيكلية اقتصاداتهم التي لا تتيح لهم مجال ركوب هذه المخاطرة: مخاطرة تحديث القوات المسلحة بنفقاتها الباهظة، من دون ضمان اللحاق بالسوية الأميركية!

الفريسة مذنبة لأنها تقاوم!

لقد أذنب العراقيون حين صعقوا القوات الأميركية بمقاومتهم الفعالة، فأربكوها وجعلوها تتعثر في خطواتها وتعجز عن الإمساك بناصيتهم والتهامهم بالراحة، من دون مقاومة! لقد كان ذلك عملاً غادراً أقدم عليه العراقيون، بعد أن منّاها بعض الخونة بنزهة احتلالية عسكرية ممتعة، تنتهي خلال أيام بوضع اليد على أرض العراق ونفطه، فتتدفق المليارات أضعافاً مضاعفة قياساً بالنفقات، وبعد امتلاء خزائن الاحتكاريين الممولين للحرب يفيض ما يكفي لتمويل مواصلة النزهة الرابحة في أرجاء الشرق الأوسط الكبير!

لقد عجزت الولايات المتحدة، على مدى العام 2004، عن امتصاص صدمة المقاومة العراقية، وبالتالي عن التكيّف مع ما أفرزته من مفاجآت مذهلة، أبرزها عدم تمكين الأميركيين من استرداد تكاليف الحرب على الأقل، بكل ما ترتب على ذلك من صراخ وعويل وضغوط المموّلين الذين ذعروا لاحتمال خسارة توظيفاتهم، فأربكوها بدورهم، وجعلوا خطواتها تتعثّر أكثر فأكثر، ناهيكم عن الحلفاء الذين أحجموا إلى حدّ كبير عن المشاركة في الحرب، الأمر الذي جعل الإدارة الأميركية تذكّرهم تكراراً أنها تخوض في العراق حرباً تهمّ النظام العالمي الغربي برمته، وأنها إذا كانت قد أخطأت في البداية، بتجاهلهم واحتقارهم، فذلك لا يعني تخليّهم عن مسؤولياتهم التاريخية في ضبط أوضاع جنوب العالم وإخضاعه لصالح الغرب!

أخطار أخرى لا يمكن تجاهلها!

لقد حاولت الولايات المتحدة تلافي الأخطار المستجدة، التي نجمت عن "خيانة" العراقيين، بعدم إذعانهم للافتراس طوعاً من دون مقاومة! فسعت إلى توسيع دور الحلف الأطلسي والقوات العسكرية الأوروبية في الشرق الأوسط الكبير، بعد أن ظهرت الحاجة الماسة إلى تحالفات تخوض الحرب إلى جانبها ابتداء من أول عام 2004، خاصة بعد أن وجدت نفسها عرضة لثلاثة مخاطر محتملة، من خارج أوروبا والشرق الأوسط الكبير، وهي:

أولاً، التحدّي الكوري الذي لا يبدو قابلاً للتوقف، وإن بدا قابلاً للتعاطي الدبلوماسي، فكوريا الشمالية تبقى من وجهة نظر واشنطن خطراً ماثلاً يهدّد بانتشار الأسلحة النووية من جهة، وبوقوع حدث ما طارئ لا تحمد عقباه من جهة ثانية.

ثانياً، اكتشفت إدارة بوش أن النزعات التايوانية الانفصالية تهدّد الاستقرار أكثر من تطلع الصين إلى استرداد تايوان! فالعلاقات مع الصين تبدو جيدة عموماً، ولا مصلحة للإدارة الأميركية في تقويضها، لكن الانفصاليين التايوانيين يمكن أن يقلبوا الموقف رأساً على عقب!

ثالثاً، إن الاتجاهات السياسية في أميركا اللاتينية تبدو قوية ومتعاظمة نحو تحرير اقتصادياتها من النفوذ الأميركي، ونحو توحيد صفوفها والنهوض بأوضاع شعوبها المتدنية إلى درجة البؤس والشقاء، وقد برزت هذه الاتجاهات اللاتينية طوال العام 2004 بكل ما تمثله من خطر على الهيمنة الأميركية!

وبصدد ذلك كله، وبينما هي غارقة في المأزق العراقي، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى مزيد من القوات البرية، بل إلى إعادة تنظيم شاملة لقواتها المسلحة، تلبّي حاجتها الماسة للانتشار السريع وخوض الحروب المتفاوتة، لكن العام 2004 مضى من دون أن تنطلق هذه العملية التغييرية الشاملة بالصورة المطلوبة، وهي ما زالت تراوح في بداياتها، مما يدلّ على أن الولايات المتحدة ليست جاهزة بعد للانطلاق، علماً أن موازنة السنة المالية 2005 هي رابع موازنة دفاعية تعدّها إدارة بوش، لكنها لن تكون مختلفة كثيراً عن الميزانية الأولى، بل ستتضمن تخفيضات كبيرة وإجراءات تقشفية عديدة في ميدان التحديث العسكري، وذلك انصياعاً لضرورات قاهرة لم يستطع بوش التغلب عليها!

المعضلة الأمنية الأوروبية المستعصية!

إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إنفاق أكثر من 3.5% من إجمالي ناتجها القومي على الدفاع فإن حلفاءها الأوروبيين لا يستطيعون ذلك، حيث تنفق 18 دولة أوروبية حوالي 140 مليار دولار فقط في حلف الأطلسي، وتساهم بحوالي 3% فقط من أصل حوالي مليون وأربعمائة ألف رجل وامرأة يعملون في قوات الحلف، فأوروبا لا تستطيع مجاراة الولايات المتحدة في تقدمها العسكري، بل لا تملك إمكانية تحقيق ذلك، وهي في معظمها مهتمة بالأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وبمستقبل الوحدة الأوروبية والاتحاد الأوروبي، أكثر من اهتمامها بالاستراتيجيا العسكرية والإنفاق على الدفاع، وسواء أكانت محقة، أم تتظاهر أنها محقة، كي تغطي النقص في دفاعاتها قياساً بالولايات المتحدة، فقد أعلنت دولها الرئيسة منذ البداية أن مغامرة الحرب ضدّ العراق لم تكن ضرورية، وأنه كان بالإمكان تحقيق ما يراد من العراق من دون احتلاله، ناهيكم عن التزام ألمانيا سياسياً بخفض إنفاقها العسكري، على تواضعه الشديد قياساً بحليفاتها!

لقد كانت الولايات المتحدة تتوقع أن يسهم الاتحاد الأوروبي بزج ستين ألف جندي في الحرب خلال العام 2004، غير أن ذلك لم يتحقق، الأمر الذي أشار إلى افتقار الأهداف العسكرية الأوروبية للصدقية على الصعيد العالمي، وإلى صعوبة تحقيق أهداف الحلف الأطلسي، حتى الأهداف الأكثر محدودية، الأمر الذي جعل الأميركيين يتميزون غيظاً، ويتمتمون أن ما يستطيعه الاتحاد الأوروبي هو فقط ممارسة الخداع على الورق!

www.snurl.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1