الأمين العام للمؤتمر القومي العربي

الأخ العزيز الأستاذ معن بشور

تحية عربية وبعد:

دمشق 31/10/2003

المصدر: نصر شمالي – عضو الأمانة العامة – دمشق

الموضوع: تصوّر عن إمكانية وضع برنامج لدعم ونصرة كل من سورية ولبنان، تنفيذاً لما أقرته الأمانة العامة خلال اجتماعاتها في بيروت (12- 13/9/2003).

 

-             إن وضع التصوّر المطلوب يقتضي بداية الإنطلاق من حقيقتين كبيرتين قائمتين:

الأولى، أن نصف العرب في منطقة شرق المتوسط – بلاد الرافدين وبلاد الشام تحديداً – صاروا بعد احتلال العراق في قبضة الاستعمار الأميركي الصهيوني المباشر، وهذا النصف يعدّ حوالي ثلاثين مليونا من أصل حوالي  ستين مليوناً، أما النصف الثاني، موضوع البحث، فهو محاصر عسكرياً من الشرق والغرب، ومحاصر سياسياً على الأقل من الشمال والجنوب.

الثانية، هي أن المؤتمر لا يملك المعطيات الكافية بصدد التوجهات الستراتيجية لحكومتي سورية ولبنان، كي يضع برنامج الدعم والمناصرة بما يتفق مع توجهاتهما.

-     إن احتمال سقوط منطقة شرق المتوسط العربية بكاملها في قبضة العدو صار احتمالاً واقعياً ومباشراً بعد احتلال العراق، بغض النظر عن نسبة نجاحه أو فشله، ولا تقلل من واقعيته وجدّيته بسالة المقاومة في كل من فلسطين والعراق، ونجاحها في تكبيد العدو خسائر فادحة، وفي إرباك عملياته ومنعه إلى حدّ كبير من قطف ثمار جهده الحربي. كذلك لا يقلّل من واقعيته وجدّيته أن الظروف والمواقف الدولية غير مواتية له بل مناهضة، وأن معارضة عملياته الحربية تتعاظم وتتسع في الولايات المتحدة بالذات، فنحن نعرف أن المشاريع الاستعمارية الصهيونية تحدّثت منذ القرن التاسع عشر عن استيطان سورية الطبيعية بكاملها، وليس فلسطين فقط، وأن ترتيبات سايكس/ بيكو الجغرافية والديمغرافية، المفروضة علينا حتى اليوم، أبقت الطريق سالكة أمام تجدّد انطلاق مشاريع الاحتلال والاستيطان، واحتلال العراق يشكل اليوم خطوة واسعة في هذا الاتجاه.

-     وهكذا، فالأوضاع المستجدّة أكبر من مجرّد ارتجال برنامج لنصرة ودعم سورية ولبنان، والثقة بصلابة ومناعة أمتنا يجب أن لا تجعلنا ننسى ولو للحظة واحدة، خاصة بعد احتلال العراق، تلك الثوابت الخمسة التي رافقت التاريخ الأميركي في كل محطاته، وهي:

1.    المعنى الإسرائيلي لقيام الولايات المتحدة الأميركية ووجودها.

2.  عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي التي يعتنقها قادة أميركا، والتي عبّر عنها صراحة جميع الرؤساء، وآخرهم بوش الابن.

3.    الدور الخلاصي التوراتي للعالم على أيدي الأنجلوسكسون البيوريتان، حسبما يعتقدون.

4.  قدرهم كما يزعمون أو يتوهمون في التوسع اللانهائي، حيث الولايات المتحدة لم تعيّن حدودها مثلما هو حال الكيان الصهيوني، فهي مفتوحة على اللانهاية.

5.    حقهم في التضحية بالآخر، عن عقيدة، إذا ما اقتضت مصالحهم ذلك.

إن هذه الثوابت الخمسة التي ظلت معتمدة ومعمولاً بها، والتي نرى تطبيقها ميدانياً على أرض فلسطين والعراق وغيرهما، لا تترك لنا خياراً سوى المقاومة وحدها، وإلا فالفناء من دون مقاومة.

 

- إن البرنامج المطلوب لدعم سورية ولبنان يفترض أن يأتي في نطاق ستراتيجية المقاومة ذات الاتجاهين:

1- توفير جميع الأسباب الكفيلة بالدفاع المجدي عن ما هو تحت سيطرتنا من بلادنا.

2- توفير جميع الأسباب الكفيلة بالهجوم المجدي من أجل استرداد ما سلب منا.

غير أن الوضع الذي نواجهه كمؤتمر قومي في كل من سورية ولبنان لا يبدو محسوماً وواضحاً، بل معقداً وشائكاً، والخوض فيه يحتاج إلى توفّر معطيات كثيرة منها:

1- ما هي برامج العمل السورية/ اللبنانية المقرّرة رسمياً للدفاع عن البلدين ضدّ الإجتياحات الأميركية الصهيونية التي أصبحت احتمالاً واقعياً ملموساً بعد احتلال العراق؟

2- ما هي برامج العمل المقررة للهجوم من أجل استرداد الأراضي والحقوق المغتصبة؟

إن توفير المعطيات حول هاتين المسألتين هو الذي يجعل المؤتمر قادراً من خلالها على تحديد دوره، بالتعاون مع الإدارات المسؤولة في البلدين طبعاً.

 

-     والحال أن الستراتيجية المعلنة لكل من سورية ولبنان هي ستراتيجية السلام القائم على العدل، والسعي لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن الدولي، وتوفير المساندة والدعم لتحقيق ذلك من الدول الشقيقة والصديقة. إنها الستراتيجية التي ما زالت معمولاً بها منذ ثلاثة عقود. ولا يغيّر في الأمر وجود المقاومة الإسلامية الباسلة في لبنان التي بقيت بحاجة إلى التوسع والانتشار جغرافياً وسياسياً واجتماعياً ومذهبياً، أي أنها بقيت مقتصرة على نطاقات محدّدة لم تتجاوزها بعد، فإذا كان المؤتمر يرى أن هذه الستراتيجية، التي ليست بمجملها وفي أساسياتها ستراتيجية مقاومة، كافية لمواجهة الأخطار الجدّية الماثلة ولاسترداد الحقوق المغتصبة فإنه يستطيع تشكيل لجنة من أعضائه، كفؤة في هذا الميدان، تنسّق مع وزيري خارجية الدولتين، وتقترح على المؤتمر دوره الذي سوف ينحصر قطعاً في التذكير المستمر بشتى الوسائل بشرعة الأمم المتحدة التي تمنع العدوان، وبقراراتها التي تنص على إعادة الحقوق المغتصبة، وبالطبع فإن مثل هذا الدور يستدعي بداهة استدرار عطف الولايات المتحدة من أجل الامتناع عن العدوان، ومن أجل الضغط على الكيان الصهيوني لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.

 

-     أما إذا رأى المؤتمر أن ستراتيجية المقاومة هي الخيار الوحيد العملي والواقعي، وأنها الطريق الإجبارية لاسترداد الحقوق والدفاع عن الوجود، فإن من واجبه عندئذ التحرك في اتجاهين:

1.  استكمال معرفته بالظروف الدولية والعربية، الخارجية والداخلية، للتأكد بالملموس من إمكانية التزام ستراتيجية المقاومة ووضعها موضع التنفيذ.

2.  استكمال معرفته بالتوجهات الحقيقية لحكومتي كل من سورية ولبنان بعد احتلال العراق، وعلى أي من الستراتيجيتين سوف تستندان.

-             وفي معرض التعرف على الوضع الإجمالي الراهن نستطيع على الفور ملاحظة ما يلي:

1.  إن العدو الصهيوني مدعوم بالكامل عسكرياً وسياسياً من قبل الولايات المتحدة، ولذلك فهو متفوق تفوقاً كاسحاً في ميادين القتال وفي مجلس الأمن، ناهيكم عن أن الولايات المتحدة دخلت علناً كطرف مباشر في الصراع سواء في العراق أم في فلسطين أم في مجلس الأمن، ولا يغيّر في هذه الحقيقة أن الشعب الفلسطيني الباسل نجح في كشف حقيقة الكيان الصهيوني باعتباره مجرّد ثكنة عسكرية أميركية، وأنه ليس شعباً ولا دولة ولا وطناً، وهذه هزيمة تاريخية منكرة للمشروع الصهيوني.

2.  إن العدو الصهيوني اليهودي تحديداً متفوق على سورية ولبنان: اقتصادياً بنسبة 5 إلى 1، وعسكرياً بنسبة 3 إلى 1، وقيادة وتنظيماً وتدريباً  بنسبة 2 إلى 1، إضافة إلى امتلاكه أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن يستخدمها في حالات بالغة الندرة، لكنه لا يستطيع استخدامها غالباً وعموماً، بسبب تلاصق الأرض وتداخلها، وبسبب وحدة مصادر المياه الجوفية والسطحية، وبسبب حركة الرياح في مجال جوي ضيق نسبياً، ومع ذلك فإن تحييد أسلحته المدمرة الإبادية هذه بصورة نهائية يقتضي أن تمتلك الدولتان أسلحة معادلة لها.

3.  إن تفوق سورية ولبنان يمكن أن يكون محققاً من ناحية العمق البشري العربي والإسلامي، ومن ناحية الوضع الجغرافي المحيط بالعدو. إنهما عاملان قابلان للتطوير ولتعديل الخلل في الموازين العسكرية والسياسية التي هي الآن في صالح العدو، إضافة إلى أن الدولتين في حدّ ذاتهما تتفوقان بشرياً بنسبة 5 إلى 1، وأنهما تملكان الحق المشروع في الدفاع عن النفس من جهة، وفي العمل المناسب من أجل استعادة أراضيهما المحتلة من جهة أخرى.

 

-     إن الاستنتاج المنطقي يقول بأن المقاومة خيار ستراتيجي إجباري وحيد، وأن هذه الستراتيجية ممكنة وإن كانت مكلفة، علماً أن عدم اعتمادها مكلف أكثر بما لا يقاس، فإذا كان هذا رأي المؤتمر وقناعته، وهو رأيه وقناعته فعلاً من حيث المبدأ، يصبح من الواجب والضروري التوجه إلى رئيسي الدولتين للإطلاع على قناعاتهما وتوجهاتهما، فإذا كانت ستراتيجية المقاومة خيارهما توجّب البدء على الفور في تعزيز وتطوير نسب تفوّقنا على العدوّ، وتخفيض نسب تفوّقه علينا، فهذا هو المدخل الرئيسي العملي لإقناع شعبنا في كلا البلدين بجدّية التوجّه.

-             ويفترض بالدولتين، في حال اعتمادهما ستراتيجية المقاومة، التوجه كما يلي:

1- مواصلة التأكيد على خيار السلام في سياستهما الدولية، ومواصلة العمل الدبلوماسي الدؤوب للإستفادة من أي جهد دولي صديق أو منصف.

2- اعتماد المرونة إلى أقصى حدّ ممكن في التعامل مع الولايات المتحدة نظراً لوضعها الاستثنائي الدولي والتاريخي.

3- الرد على الاعتداءات الإسرائيلية ضدّ سورية أو لبنان فور وقوعها، ولو بالحدّ الأدنى الممكن.

4- تطوير الجهد العربي والإسلامي المشترك في جميع المجالات.

 

- وطالما أن المؤتمر جادّ في وضع برنامج عملي لدعم ونصرة سورية ولبنان في جميع الأحوال، فإنه لا ريب معني بأوضاعهما، ويتوجب عليه أخذها بعين الإعتبار كي يأتي برنامجه قابلاً للتنفيذ ومجدياً، ويمكننا على الفور تسجيل الملاحظات التالية بصدد أوضاع البلدين:

1- إن لأوضاع لبنان خصوصيتها التي يجب أن تؤخذ بالإعتبار، وإن له مصالحه الخاصة التي يجب أن تراعى كأولوية أثناء وضع عمليات التنسيق السياسي والإقتصادي والعسكري، فيكون التنسيق في حدود إمكانيات لبنان، ويكون التكافؤ نسبياً لصالحه.

2- وإن في سورية أوضاعاً داخلية معلقة آن لها أن تتحرك. فلابد من صدور عفو سياسي عام، ولا بد من إنصاف السوريين (واللبنانيين أيضاً) الذين أصابهم الضيم والضرر ظلماً.

3- يجب البدء على الفور بأخذ المطالب العامة للسوريين بعين الإعتبار، ووضعها موضع الدرس الجدّي والتنفيذ العملي، وخاصة منها ما يتعلّق بتعديل الدستور، وإصدار قانون الأحزاب، من أجل تحقيق تطور يرتقي بالوحدة الوطنية وبالعلاقات الداخلية وبالأداء السياسي والعسكري إلى مستوى ما استجدّ من أحداث ووقائع خطيرة في المنطقة، ناهيكم عن أنه يعطي الناس حقوقهم المشروعة.

4- لقد تأخّر كثيراً ظهور حركة تحرير الجولان،علماً أن عدد النازحين من أبناء الجولان يفوق النصف مليون بكثير، ولا ندري ما الذي يحول دون نضالهم من أجل العودة إلى بيوتهم ومزارعهم، فمن حق هذا الشتات الضخم في المنفى الداخلي أن يتجمع ويندفع لاستعادة أراضيه المغتصبة. ويتوجب على القوات المسلحة السورية أن ترعى حركة تحرير الجولان وترفدها وتدعمها.

5- إن ستراتيجية المقاومة تقتضي رفع مستوى التدريب والتأهيل العسكري النظامي إلى ما يوازي مستوى الجيوش الحديثة، مادياً ومعنوياً، وأن تتخذ من أجل تحقيق ذلك جميع الإجراءات الضرورية، بدءاً بالرواتب وانتهاء بالمعاملة التي يجب أن لا تميّز بين مقرّب من السلطة وبعيد عنها، وهذا ما يتوجب أن يتحقق فوراً، في سورية خاصة، حيث الرواتب عموماً متدنية جداً قياساً بالاحتياجات الواقعية الضرورية لأبناء الشعب، وحيث الحاجة ماسة إلى وضع حدّ للفساد والسرقة، وإلى توفير تكافؤ الفرص أمام الجميع، وإلى إعادة هيكلة الدولة.

 

-     الخلاصة: إن وضع برنامج عملي، لا شكلي، لنصرة ودعم سورية ولبنان يقتضي القيام بالإجراءات التمهيدية التي أشرنا إليها، ونجملها في مايلي:

1- استكمال معلوماتنا حول الوضع الدولي والإقليمي، وامتلاك المعطيات اللازمة والكافية عن الوضع الداخلي لكل من سورية ولبنان، وعن توجهاتهما الستراتيجية الأساسية.

2- في حال التأكد من أن حكومتي القطرين سوف تعتمدان خيار المقاومة، وبعد مبادرة المسؤولين لتوفير الشروط الداخلية الضرورية التي لا تتحقق المقاومة من دون توفيرها، فإن المؤتمر لن يتلكأ في وضع كل إمكانياته تحت تصرفهما، وفي وضع البرنامج العملي الداعم للمقاومة بالتنسيق مع قيادتيهما.

3- أما في حال التأكد من أن ستراتيجية البلدين سوف تستمر على ماهي عليه منذ عقود، فإن المؤتمر سوف يستمر بدوره على ما هو عليه، فيصدر البيانات ويدعو إلى المظاهرات كلما اقتضت الأحوال ذلك، وهذا أضعف الإيمان.

عضو الأمانة العامة

نصر شمالي

 

Hosted by www.Geocities.ws

1