الميدان النووي يفضح ارتباك السياسة الأميركية!

بقلم: نصر شمالي

يكثر الحديث في الولايات المتحدة عن الخطر النووي، وعن القواعد النووية الثابتة، القائمة والمحتملة، وعن القنابل النووية التي يمكن حملها ونقلها في حقائب، والتي تستطيع واحدة منها قتل ليس ثلاثة آلاف شخص بل ثلاثمائة ألف! ويؤكد غراهام أليسون في كتابه " الإرهاب النووي" أن وقوع هجوم نووي أصبح أمراً محتماً، إذا لم يتغيّر أي شيء! إن عشرات بل مئات المقالات والكتب تركّز على هذا الموضوع، وتبدي مخاوف لا حدود لها يصعب التأكد من مدى أمانتها وجديتها، خاصة وأنها لا تشير أبداً إلى الترسانات النووية الأميركية والإسرائيلية، ولا إلى أن الأميركيين هم أول وآخر من استخدم هذا السلاح الرهيب وقتل بواسطته حقاً، وبطرفة عين، مئات الألوف من المدنيين اليابانيين! بل إن التركيز ينصب على العرب والمسلمين بالدرجة الأولى إن لم نقل حصراً، وقد أعلن وزير الخارجية الأميركي قبل أيام قليلة أن العالم بأسره، بما فيه "إسرائيل"، يريد مخرجاً للنزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني، وتجاهل تماماً الترسانة النووية الإسرائيلية التي أنشئت في حينه لقصف الاتحاد السوفييتي خصم الولايات المتحدة، وليس مصر أو سورية العدوتين المباشرتين للكيان الصهيوني، أو إيران العدوة في ما بعد!

معايير سياسية غير أخلاقية!

من الواضح تماماً أن التعبئة الأميركية ضدّ الاستخدامات النووية، السلمية أو الحربية، تحكمها دائماً معايير سياسية تتعلق بمقدار الولاء أو العداء للولايات المتحدة، وقد ورد في مجلة "نيوزويك" ما يؤكد ذلك حين قالت:" بعد كارثة العراق من المستبعد أن تحظى الدعوات لتغيير النظام الإيراني بالكثير من الجاذبية إذا لم تتوفر دلائل مادية قوية على وجود أسلحة دمار شامل"! أي أن وجود مثل هذه الأسلحة هو ذريعة لتغيير النظام المقرر بوجودها أو من دونه!

إن إيران تؤكد وتكرر كل يوم أن نشاطها النووي مكرس لأغراض سلمية، علماً أن معاهدة حظر الانتشار النووي لم تتضمن مطلقاً حظر تخصيب اليورانيوم، ومع ذلك قررت الولايات المتحدة، ومعها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، التصويت على قرار يعتبر تخصيب اليورانيوم كأنما هو محظور مسبقاً، حيث اتخذ القرار في أواسط أيلول/ سبتمبر الماضي من قبل مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونصّ على مطالبة إيران بالتوقف كلياً عن عمليات تخصيب اليورانيوم!

والأغرب أننا إذا لم نتوقف عند ضعف الحزم الأميركي في الموقف من كوريا الشمالية، التي تعلن عن برنامجها الحربي النووي، مع أنها مصنفة في "محور الأشرار"، فإن البرازيل كما يقال تسير قدماً في برنامج نووي حربي طموح قطعت منه شوطاً بعيداً، لكن واشنطن لا تشير إلى ذلك من قريب أو بعيد!

العمل العسكري ضدّ إيران؟

إن الأميركيين والإسرائيليين يردّدون طوال الوقت أن طهران تستغل ثغرات في نصوص معاهدة حظر الانتشار النووي، وأنها حالياً على بعد نحو سنة من امتلاك تكنولوجيا إنتاج أسلحة نووية، غير أنهم لا يستطيعون إثبات ذلك بالطبع، ومع ذلك يتحدثون عن عمل عسكري محتمل رغم فوات الأوان، بسبب فشل عملية احتلال العراق في تحقيق أهدافها الأساسية، وهو الفشل الذي اعتبرته مجلة نيوزويك "كارثة العراق"! بل إن مسؤولاً إسرائيلياً بارزاً اقترح قائلاً:" يجب أن نبدأ بالتسليم باحتمال حصول إيران على القنبلة، وأن نبحث عن الوسائل التي تمكننا من التأكد أن لا تكون أصابع الملالي هي التي تتحكم بالمقداح"! وهكذا يبدو واضحاً المعيار السياسي وإن جاء مخالفاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي الدولية!

لقد أعلن رئيس أركان القوات الجوية الإسرائيلية، الجنرال إليعازر شكيداي، أنه في حال قررت الحكومة الإسرائيلية أن الوضع الإيراني يقتضي حلاً عسكرياً فإن على الجيش توفير الحل! لكن خبراء عسكريون أميركيون يشككون في احتمال نجاح الإسرائيليين في ذلك، لأن المنشآت الإيرانية تقع في مناطق نائية جداً بالنسبة للطائرات الإسرائيلية المهاجمة، كما أنها منتشرة وموزعة على نطاق واسع، ومتمركزة في معظمها عميقاً تحت سطح الأرض، وبالتالي فإن الأميركيين هم الأقدر على تنفيذ مثل هذه المهمة، وهي فكرة حازت على بعض الاهتمام الجدّي، حيث تستطيع القوات الأميركية تخريب البنية التحتية النووية الإيرانية، لكن السؤال الذي يطرحه الأميركيون هو: ماذا بعد ذلك؟ أي أن المعيار، مرة أخرى وأخرى، يتعلق بالمصير السياسي لإيران، سواء امتلكت سلاحاً نووياً أم لم تمتلك!

اللجوء إلى الأساليب الغامضة!

تقول مجلة نيوزويك أنها علمت بأن الاستخبارات المركزية الأميركية درست العواقب المحتملة لضربة "وقائية استباقية" ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، وأن أحداً لم يستحسن النتيجة، وهكذا تحوّل التركيز بالدرجة الأولى إلى الخيار الآخر وهو: تغيير النظام في طهران عبر الوسائل السرية والطرق الخفية، فهذا هو الأسلوب الأفضل، لكن ذلك لا يعني عدم اللجوء إلى السلاح في حال الضرورة! وبالفعل بدأ إعداد المذكرات حول هذا الموضوع، متضمنة خططاً لإسقاط النظام الإيراني، والإسراع بتشكيل حكومة موالية لواشنطن، وانتزاع تعهد من النظام الجديد بالتخلي عن أية طموحات نووية، ثم الانسحاب! أي تكرار تجربة العراق إنما من دون أخطاء! غير أن هذه الخطة تبدو متهورة ومرعبة في نظر القيادة العسكرية الأميركية، وليس هناك حتى الآن مايدلّ على أنها تحظى بدعم وزارة الدفاع!

من المؤكد أن فشل الإسرائيليين في كسر إرادة الشعب الفلسطيني رغم كل ما ارتكبوه من جرائم حربية لا سابقة لها، وفشل الاحتلال الأميركي للعراق وتصاعد المقاومة ضدّه بجميع أشكالها وعلى أوسع نطاق، هو الذي أربك مشاريع العمليات العدوانية ضدّ إيران وسورية، وقد نقلت إحدى الصحف الأميركية عن شخصية أميركية جمهورية طاعن في السن قوله باشمئزاز:" يجب على الإدارة الأميركية أن تدرك بأن خياراتها في إيران صارت حالياً محدودة، بسبب حالة الفوضى التي باتت الآن متجاوزة للعراق"!

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1