عام الأوهام والخيبات الأميركية في العراق!

بقلم: نصر شمالي

قبل حوالي عام من الآن كان الرئيس الأميركي يكرر شروحاته حول الاستراتيجية الأميركية التقدمية من أجل الحرية في الشرق الأوسط الأكبر! لقد أعلن مراراً وتكراراً أن العراق يقع في القلب من هذه الاستراتيجية، وأن إقامة عراق ديمقراطي حر تشكل المنعطف الأساس، أما فشل تحقيق الديمقراطية في العراق فسوف يشجع الإرهابيين حول العالم، ويزيد من المخاطر على الشعب الأميركي، ويبدّد آمال الملايين في منطقة الشرق الأوسط! بل ذهب الرئيس بوش إلى أبعد من ذلك حين قال: يظن العدو في العراق أن الولايات المتحدة سوف تهرب، و لهذا يقتلون المدنيين الأبرياء وعمال الإغاثة وجنود التحالف الدولي! أضاف الرئيس الأميركي: الولايات المتحدة لن تهرب أبداً، بل ستفعل ما هو ضروري!

بديهي أن مصير استراتيجية الإدارة الأميركية، كما يتضح من كلام بوش، يتوقف على إلحاق الهزيمة الحاسمة بالشعب العراقي، وإرغامه على الإذعان، وتنظيم حياته الداخلية بما يتفق مع مصالح الولايات المتحدة في السيطرة على الأرض والنفط، وهذا التنظيم للحياة الداخلية العراقية هو ما يلخصونه بإحلال الديمقراطية وشيوع الحرية، وقد لاحظنا أن الرئيس الأميركي، عبر أحاديثه قبل حوالي عام، أكّد على أن الولايات المتحدة لن تهرب من العراق، بل ستفعل ما هو ضروري، فما هو هذا "الضروري"؟ وهل فعلته خلال العام الماضي؟

أربع مبادرات لإخضاع الشرق الأوسط!

لقد أطلقت الإدارة الأميركية، منذ ما قبل حوالي عام، أربع مبادرات رئيسية استراتيجية، رأت أنها كفيلة بإحلال الديمقراطية في العراق، وبإشاعة الحرية في مجمل الشرق الأوسط الأكبر، والمبادرات الأربع هي:

أولاً، تعزيز مطرد لوجود حلف الأطلسي أمنياً في أفغانستان خلال العام 2004، وإنشاء قيادة موحّدة للحلف هناك، ومحاربة حركة طالبان، ومن ثم تحمّل مسؤولية إرساء السلام وبناء الدولة الأفغانية، بعد إلحاق الهزيمة بطالبان والقاعدة.

ثانياً، تغيير الوضع العسكري في العراق عبر إنشاء قيادة أطلسية ترأسها واشنطن، بهدف توفير النصح، والمساعدة الأمنية بعد نقل السلطة في عام 2004، وإطلاق عملية سياسية واقتصادية بإشراف الأمم المتحدة، ومساهمة دول حلف الأطلسي في نفقات نشر القوات العسكرية في العراق، والحلول محلّ الفرقتين العسكريتين الدوليتين: الفرقة التي تقودها بولندا والفرقة البريطانية.

ثالثاً، إعادة هيكلة وضعية القوات الأميركية المنتشرة في أوروبا كي تتلاءم مع مهمة فرض النفوذ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وفي العراق أولاً بالطبع، وخفض الوجود الأميركي في بعض البلدان الأوروبية مثل ألمانيا، وبناء منشآت وقواعد عسكرية جديدة لفرض النفوذ في أوروبا الشرقية والجنوبية.

رابعاً، الانتقال من وضع إمكانات عامة جداً لفرض النفوذ في إطار الحلف الأطلسي إلى نشر فعلي للقوات العسكرية يركّز على الشرق الأوسط الأكبر!

تلك كانت مبادرات واشنطن، التي كان من المفترض تحقيقها في العام 2004، وقد جرى تخفيض لعدد القوات الأميركية في أوروبا، ومازالت المعارك مستمرة في أفغانستان، ولكن ما الذي حلّ بالأساسي من هذه المبادرات؟

 

الأمنيات الأميركية تتبدّد في العراق!

من الواضح أن الأمنيات الأربع، التي تطلعت واشنطن إلى تحقيقها خلال العام 2004، تتمحور جميعها حول نقطتين: تعاون دول حلف الأطلسي، وإلحاق الهزيمة بالمقاومة العراقية! غير أن هذه الأمنيات سرعان ما تكشفت عن أوهام، حيث تبدّد الوهم الأول المتعلق بالنقطة الأولى عندما رفضت دول حلف الأطلسي الكبرى إرسال قواتها إلى العراق للحلول محل القوات الأميركية أو لمساعدتها! لقد كانت وزارة الدفاع الأميركية تأمل في إضافة فرقتين دوليتين أثناء تناوب القوات الأميركية، غير أن ذلك لم يحدث، لأن الحلفاء رفضوا المشاركة في نتائج حرب لم يؤيدوها أصلاً! أما الوهم المتعلق بالنقطة الثانية فقد تبدّد بدوره، حين فشلت الإدارة الأميركية في تشكيل قوات عراقية كافية للحلول محل قواتها، وقد حدث هذا على الرغم من المحاولات المستميتة لحمل العبء العسكري عن كاهل الأميركيين وإلقائه على كاهل العراقيين، وذلك تحت دعاوى نقل السيادة إلى سلطة عراقية! أي أن كل حديث أميركي عن السيادة والانتخابات والديمقراطية في العراق ينطلق تحت إلحاح هاجس رئيسي هو التخلص من أعباء القتال وخسائره، بشرياً ومادياً، بإلقائها على عاتق العراقيين الديمقراطيين الأحرار المنتخبين.. الخ! وكان رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي قد أعلن منذ البداية أن نمواً سريعاً في بناء القوات الأمنية والعسكرية يتحقق في العراق، وأنه يجب نقل المسؤولية إلى العراقيين: إنها بلادهم، ونحن لن نتولى مسؤولية نشر الأمن في بلادهم لفترة طويلة!

الإخفاق في العراق كارثة!

ولكن رقعة التمرد والفلتان الأمني – حسب التعابير الأميركية – اتسعت كثيراً جداً خلال العام 2004، وبدلاً من زيادة حجم القوات الأميركية عمدت واشنطن إلى تسريع عشوائي لوتيرة تجنيد العراقيين إلى أن بلغ العدد حوالي مائة ألف، غير أن الأوضاع ازدادت سوءاً وتردّياً، فلماذا لم تلجأ واشنطن منذ البداية إلى زيادة عدد قواتها، وهو ما فعلته أواخر العام 2004، حيث أرسلت إلى العراق حوالي عشرين ألف جندي أميركي إضافي؟ السبب هو أن الانفاقات الضخمة في العراق، التي كانوا يعوّلون على استرداد أضعافها مضاعفة في حال إخضاعه، لا يمكن زيادتها قبل الاطمئنان إلى تحقق بداية الإمساك بناصية العراق، وهو ما حرمتهم المقاومة من تحقيقه حتى يومنا هذا، إضافة إلى أن حرب العراق أظهرت أن الولايات المتحدة تواجه ضغوطاً خطيرة عندما تكون الحرب طويلة وغير مكثفة، وذلك لأنها لا تستطيع خوض مثل هذه الحرب بالهيكلية الحالية لقواتها المسلحة، وإذا كان ثمة تغييرات أساسية تؤهلها لخوض حروب من هذا الطراز فهي ما زالت في بداياتها حيث هي ليست جاهزة بعد لإطلاق عملية تغيير شاملة في قواتها تتلاءم مع استراتيجيتها للسيطرة على الشرق الأوسط الأكبر، ومن هنا يأتي توجهها إلى الحلفاء، وإلحاحها مؤخراً على أن مهمة إخضاع العراق، كحلقة رئيسة مركزية، هي مهمة غربية وليست أميركية فقط! أي يتوقف على نجاحها أو فشلها مصير النظام العالمي بمجمله!

لقد تعهد الرئيس بوش علناً، قبل حوالي عام، بأن إدارته لن تسحب القوات الأميركية من العراق قبل إرساء الديمقراطية، أي قبل إخضاع العراق بالكامل للمخططات الأميركية، غير أن الأداء العسكري الحربي لا يبدو حتى اليوم متفقاً مع هذا التعهد، بينما يقول أميركيون كبار أن الإخفاق في العراق سيكون كارثة استراتيجية أسوأ من انسحاب فيتنام قبل ثلاثين عاماً، ويلحوّن على أن استراتيجيا الخروج المقبولة هي النصر، أي أن يقوم العراقيون الديمقراطيون، الناخبون والمنتخبون، بإخضاع أنفسهم بأنفسهم للمصالح الأميركية!

www.snurl.com/375h

Hosted by www.Geocities.ws

1