مصيرنا ومصير العالم بموجب عقيدة بوش !

بقلم: نصر شمالي

تتوالى المؤتمرات والندوات، والمقالات والبيانات، التي تنشط جميعها بموجب عقيدة بوش (حسب تعبير نتنياهو) وهي العقيدة التي لم يخترعها الرئيس بوش، بل يعتنقها ويعمل على تطبيقها عالمياً. إنها العقيدة الأنكلوسكسونية اللوثرية التي بموجبها قامت الولايات المتحدة على أنقاض وأشلاء الشعوب الأصلية، والتي بموجبها يعتبر الأنكلوأميركان الصهاينة العالم أجمع مجالاً حيوياً لنشاطاتهم ومصالحهم، فلا حدود جغرافية وسياسية للولايات المتحدة، ولا للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وعلى جميع الأمم التسليم بذلك طوعاً أو كرهاً، وهذه الدعوة إلى التسليم تطلق تحت عناوين الالتزام بالليبرالية والديمقراطية، مدعومة بأسلحة الفتك والدمار الشامل الجاهزة لإرغام من لا يستجيب!

إن حرباً عالمية ضارية تدور رحاها بين العاملين بموجب عقيدة بوش وبين مئات الملايين من الأحرار والمستضعفين الذين يتطلعون إلى علاقات أممية ودولية عادلة، وعلى نتائج هذه الحرب يتوقف مصير العالم عموماً لقرون تالية من السنين، ولن يفهم شيئاً على الإطلاق ذاك الذي لا يرى بلادنا العربية والإسلامية باعتبارها الخطوط الأمامية المشتعلة في هذه الحرب، حيث هناك من العرب والمسلمين من يعقد المؤتمرات والندوات ويدبّج المقالات ويصدر البيانات لصالح عقيدة بوش الليبرالية الديمقراطية، وضدّ الأحرار والمستضعفين "المتخلّفين"!

الذئب يريح الضحية بالتهامها!

لم يقتصر ما شهدناه من مؤتمرات وندوات، وبيانات ومقالات، على البلاد العربية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، ولا على بعض الكتاب والناشطين العرب فقط، بل حدث مثلها في فلسطين المحتلة، حيث انعقد مؤتمر هرتسليا الصهيوني في فلسطين المحتلة، قبل حوالي أسبوعين، ليناقش مصير العرب والمسلمين، فوقف بنيامين نتنياهو خطيباً، وشرح أنه لا يكفي فقط وقف "الإرهاب" لأنه يستطيع أن يعود، ومن أجل ضمان أن لا يعود أبداً ينبغي حدوث تغيير ثقافي حقيقي داخل المجتمع الفلسطيني، كما في المجتمع الأفغاني والمجتمع العراقي! قال نتنياهو:" بموجب عقيدة بوش، يتوجب علينا تغيير النظام والحكم وحتى الثقافة لدى هذه الشعوب، وإنه لهدف هائل ينبغي أن يفهم كغاية، ولذلك رأينا بوش الإبن، بخلاف الأب، لم يكتف بإلحاق الهزيمة بالجيش العراقي، بل استبدل الحاكم، ولم يكتف بالاستبدال، بل هو يغرس أسلوباً لنقل الديمقراطية، وأعتقد أن علينا أن نطلب (من الفلسطينيين) أموراً ملموسة، أن نطلب إشاعة الديمقراطية، وتفكيك المنظمات الإرهابية، وعملاً مكثفاً لتفكيك مخيمات اللاجئين"! لكن نتنياهو أوضح بحزم، من جهة أخرى، تمسكه بمبدأين هما: أنهم لن ينسحبوا إلى حدود عام 1967، ولن يقبلوا بتقسيم القدس! وهكذا يتضح أن عقيدة بوش تتلخص في أن أفضل طريقة يتبعها الذئب الصهيوني لإراحة الضحية من المجاهدة هي التهامها!

هل يجوز التعصّب ضدّ التعصّب؟!

إذن، فلكي يتوقف عذاب الفلسطينيين والعراقيين، وعموم العرب والمسلمين، ويكفّوا عن الشكوى والصراخ والمقاومة، ينبغي التهامهم! وبالفعل، فقد غضب الأميركيون أشدّ الغضب حين صرّح أمين عام الأمم المتحدة أن احتلال العراق ليس شرعياً، وهاهم يعدّون لعزله من منصبه، وكذلك حال البرادعي المسؤول عن ملف الطاقة في إيران، وحال الأخضر الإبراهيمي أيضاً، الذي قال في منتدى دبي أن الولايات المتحدة لا تكترث بحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين! لقد كان على هؤلاء الموظفين، الكبار بمناصبهم في الأمم المتحدة، والذين اختيروا بخلفيتهم القومية لأسباب محض تضليلية، أن يقترحوا قتل الطفل كي يكفّ إلى الأبد عن البكاء المزعج!

غير أن ما يثير الاستغراب الشديد هو أن تستيقظ الحميّة الأخلاقية والقومية والإنسانية، وإن في حدود، عند عنان والبرادعي والإبراهيمي، فيعرّضون مناصبهم الذهبية لخطر جدّي مقابل كلمة حق مهذّبة، بينما يواصل آخرون لا مناصب ذهبية رسمية لهم، من أمثال العفيف الأخضر، نشاطهم المحموم بموجب عقيدة بوش الليبرالية الديمقراطية، فيمارسون في مقالاتهم وبياناتهم معظم ما انتقدوا الآخرين على ممارسته، وأوله تعصبهم الشديد لعقيدة بوش، حيث أعلنوا أن بوش يقع في خانة "القربة" الحضارية الأممية التي غالباً ما تتفوق على "القرابة" القومية! ولكن، أليس التعصّب الأعمى ضدّ التعصّب المذموم هو "تعصّباً" مذموماً بدوره؟! كيف يستطيع أن يكون إنساناً أممياً من أعماه الحقد ضدّ "تخلّف" أمته، بغض النظر عن أسباب تخلفها؟! وما الفرق من حيث الوقع، والأثر، بين خطاب ديني موتور وخطاب علماني موتور؟!

إنهم ينظرون إلينا كنفايات!

تقول مقالة في صحيفة "ايديعوت أحرونوت" الصهيونية (13/12/2004) أن عملاً صارماً وناجعاً ضدّ الإرهاب (أي المقاومة) لا يكفي. إن ما قوّض ثقة غالبية الإسرائيليين بنوايا الفلسطينيين كان تشبثهم بحق العودة! والمطلوب اليوم – حسب الصحيفة الصهيونية- أن تتوجه القيادة الفلسطينية إلى مخيمات اللاجئين، في غزة والضفة والأردن ولبنان وسورية، وتقول لسكانها بصورة قاطعة: عندما تقام دولة فلسطينية ستحصلون على جنسية فلسطينية، وسيتم بذل جهد لاستيعاب عدد ملموس من اللاجئين في فلسطين المستقلة، لكنكم لن تعودوا إلى "إسرائيل"! إنهم ينظرون إلينا كنفايات! إنها عقيدة بوش الأنكلوأميركية اللوثرية، التي تنصح بالتهام الضحية كي تتوقف عن الصراخ والمقاومة!وإنها العقيدة التي اعتنقها وانخرط في الحرب من أجل تطبيقها أمثال العفيف الأخضر! ولكن، بينما يتبرأ هؤلاء من "أبناء جلدتهم" ويسخرون من "قرابة الدم" ويؤكدون انتماءهم إلى "القربة الحضارية الأممية"، بموجب عقيدة بوش الصهيونية، يواصل إخوتهم وأبناء عمومتهم "المتخلفين" التمسك بقوة بثقافتهم القومية التي خانها المثقفون وشوهوها، والتشبث عميقاً في تربة أوطانهم ومثوى أجدادهم التي تخلّى عنها بعض قادتهم!

الأنفاق للتشبث بجذور الأرض !

في فلسطين العربية المحتلة، ومنذ عام 2001، بدأت عمليات حفر الأنفاق الحربية كأنما للتشبث بجذور الأرض! لقد بدأ "المخربون الإرهابيون" –حسب صحافة العدو- حفر الأنفاق الحربية، أولاً تحت موقع ترميت العسكري الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، وزرعوا فيه 100 كغم من المواد المتفجرة، فكان انفجاراً هائلاً ألحق إصابات بالغة بجنود العدو. تلك كانت البداية، ثم توالى الحفر: الأيدي العارية، المجهّزة بأدوات بدائية، كانت تحفر بمعّدل متر واحد في اليوم، ثم صارت تحفر بمعدّل عشرة أمتار في اليوم! وفي حزيران/ يونيو الماضي نجحت الأيدي "المتخلّفة"، التي يمقتها اخوتنا الديمقراطيون الليبراليون، في حفر نفق طوله بضع مئات من الأمتار "تحت أنف جنود غفعاتي المرابطين في موقع أورجين"، حسب تعبير ايديعوت احرونوت! لقد جرى الحفر على عمق 15-20 متراً، وزرع نصف طن من المتفجرات تحت الموقع المذكور الذي جرى تفجيره! وهكذا، خلال الأشهر السبعة الماضية، انهمك جيش العدو في محاولات لا تتوقف لرصد الأنفاق واكتشافها ونسفها، فكانت غالباً ما تتفجر بجنوده وضباطه! وقد أرسلت قيادة جيش العدو طواقم من الخبراء إلى الولايات المتحدة وبلدان أخرى لتأهيلهم في خوض حرب الأنفاق! أما الاستخبارات الصهيونية – حسب قول ضابط صهيوني كبير- فهي عاجزة عن ضمان إحباط الحرب الفلسطينية عبر الأنفاق! وهنا يأتي دور "القربة الحضارية"، حيث يفترض أن ينجح الديمقراطيون الليبراليون الأمميون في احتواء "المتخلّفين" الذين يحفرون الأنفاق، وإقناعهم بالكف عن هذا العبث المخجل، والإذعان حتى الموت!

www.snurl.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1