الصهاينة ليسوا ساميين، وكوستلر يردّ اعتبارهم كآريين!

 

بقلم: نصر شمالي

كانت تلك القبائل الخزرية، التي تهوّدت في القرن الثامن بعد الميلاد، والتي أقامت "دولة" يهودية تبدّدت على سواحل بحر الخزر في القرن الثاني عشر، حدثاً ثانوياً جداً لم يلفت ظهوره وتبدّده انتباه العالم ، لكن تشكيلته التي تبعثرت في وسط وشمال وشرق أوروبا صارت في القرنين الأخيرين أهم مصادر بناء المشروع الصهيوني في فلسطين، حيث شكل اليهود الأشكينازيم أربعة أخماس يهود العالم المعاصرين تقريباً ، وهؤلاء هم الذين يجوبون منطقتنا العربية اليوم ، ويعلنون أنهم شركاء فيها إن لم يكونوا أصحابها بالرغم من خزريتهم وحداثة تهوّدهم، وعدم وجود أية صلة عرقية أو روحية أو جغرافية أو تاريخية تربطهم بالمنطقة العربية وأهلها !

لقد أجمع المؤرخون على أن عدد الخزر اليهود في أيام دولتهم كان في حدود خمسمائة ألف نسمة ، ويقول ابن فضلان وهو شاهد عيان زار تلك المنطقة على سواحل بحر الخزر ، أن عدد خيام بلغار الفولغا يقدّر بخمسين ألف خيمة، وهذا يعني منطقياً عددأ من السكان يتراوح مابين 300 – 400 ألف نسمة، أي ما يساوي تقريباً عدد المقيمين في تلك الدولة، حيث هذه الأرقام لا تعني عدد اليهود في خزاريا، بل تشمل غير اليهود أيضاً .

فرقة مسلمة في الجيش الخزري!

يقول المؤرخ المسعودي أن الجيش الملكي الخزري كان يضم فرقة عسكرية مسلمة ، ويقول ابن حوقل أن تلك الفرقة كانت تتألف من 12 ألف جندي ، ويقول المسعودي أن تلك الفرقة العربية المسلمة كانت تقف على الحياد عندما تشتبك خزاريا في حرب مع جهات إسلامية " لأنهم لا يحاربون أناساً من أبناء عقيدتهم نفسها " ! ولنا أن نتصور، بناء على ذلك ، أوضاع ذلك الجيش "اليهودي" وطبيعة تلك "الدولة" اليهودية ! بل أن المسعودي يروي وقائع حادث بالغ الأهمية والدلالة ، و هو أن الروس طلبوا من ملك الخزر أن يسمح لسفنهم بعبور البوغاز الى بحر الخزر مقابل إعطائه نصف ما سيحصلون عليه من غنائم، فمنحهم الإذن : " و سفك الروس الدماء،  وقتلوا النساء و الأطفال، وسلبوا الغنائم ، وعلم الجنود المسلمون في جيش الخزر وغيرهم من المسلمين الذين يعيشون في خازاريا بمكان الروس، وقالوا لملك الخزر: دعنا نحارب هؤلاء القوم، فقد أغاروا على بلاد المسلمين من إخواننا، وسفكوا الدماء، واسترقّوا النساء و الأطفال ! ولم يستطع ملك الخزر أن ينكر عليهم ذلك، فوافق لكنه أرسل الى الروس ينذرهم بعزم المسلمين على قتالهم ! يضيف المسعودي و تجمع مسلمو خازاريا و اتجهوا قدماً لملاقاة الروس ، وعندما صار الجيشان على مرمى البصر من بعضهما ، ترجّل الروس ونظموا صفوفهم لقتال المسلمين الذين كانت تصحبهم أعداد من المسيحيين المقيمين في أتل (عاصمة خازاريا) فبلغ عددهم 15 ألف رجل ، واستمر القتال ثلاثة أيام ، ونصر الله المسلمين على الروس!

قائد مسيحي في جيش خازاريا!

أما المؤرخ البيزنطي سيدرينوس فيقول أن خازاريا تعرضت لغزو روسي – بيزنطي مشترك عام 1016 م وأن القائد الخازاري المهزوم كان يدعى جورجيوس تزول ، وجورجيوس اسم مسيحي طبعاً ، وهذا يعني أنه كان في جيش القاجان ( لقب ملك خازاريا ) مسيحيون كما كان فيه مسلمون !

مامعنى ذلك كله ، وأية " دولة خزرية يهودية " كانت تلك الدولة  ؟ إن الأخبار جميعها تؤكد أنها تشكيلة إنسانية تعيش مرحلة ما قبل تكامل البنية الاجتماعية و السياسية ، ويبدو أنه ، منذ الغزوة الروسية  البيزنطية ، فقدت خازاريا حتى ذلك الشكل البدائي الجنيني للدولة ، وغاب ذكرها ، وقد حدث ذلك عبر الانهيارات الكبرى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العالمية ، وأمام اجتياحات المغول العاصفة المتتابعة في أواسط أسيا وغربيها ، وحيث اتجه التيارالقوي من تلك الموجات الهوجاء الى مناطق الأقوام التركية و السلافية ليبلغ قلب روسيا وأوكرانيا فترتبت على ذلك حركة هجرات  عامة كبرى شملت معظم الأقوام القاطنة على طريق العواصف المغولية، ومن هذه الهجرات كانت هجرة يهود خازاريا نحو مناطق الانتعاش الاقتصادي الجديد في أوروبا الوسطى والشمالية مخلفين وراءهم مناطق الاضطرابات و الانهيارات وما نجم عنها من خراب المدن المسيحية و الإسلامية، وهي المدن التي كانت الرئة التي يتنفس منها يهود خازاريا وتقوم معها علاقاتهم بمجملها .

اليهود يعّينون ملك بولندا!

غير أن آرثر كوسلتر في كتابه ( امبراطورية الخزروميراثها ) يمضي متحدثاً تحديداً عن الهجرة الخازارية و عن الأماكن الجديدة التي توضّع فيها يهود خازاريا مصّرا على إعطائهم حجماً لا يناسبهم و دوراً لا يستحقونه ! إنه يقول أن مناطق أوروبا الوسطى و الشرقية التي كفلت لمها جري خازاريا اليهود وطناً جديداً معلناً "بدأت تكتسب أهمية سياسية حوالي نهاية الألف الأولى للميلاد فقط " ثم يمضي شارحاً بلا تردّد و لاوجل كيف أنه في حوالي عام 962 م كوّنت عدة قبائل سلافية ، بقيادة البولان ( سكان الحقول ) وهي أقوى القبائل ، حلفاً أصبح نواة للدولة البولندية وكيف أن "التطلع البولندي الى التّقدم بدأ في الوقت نفسه الذي شهد انهيار خازاريا " ثم يضيف : "إنه لأمر ذو دلالة أن يلعب اليهود دوراً مهماً في واحدة من أقدم الأساطير البولندية التي تقول أنه عندما قررت القبائل البولندية المتحالفة انتخاب ملك يحكمها جميعها اختارت يهودياً يدعى ابراهام بروكونيك، لعله كان تاجراً خزرياً غنياً متعلماً تطلع سكان الغابات الخلفية السلاف الى الاستفادة من خبرته "! ويتابع كوسلتر أن ابراهام قلد التاج بتواضع نادر لمواطن بولندي فلاح يدعى بيلست وهو الذي أصبح بذلك مؤسس عائلة بيلست التاريخية التي حكمت بولندا منذ عام 962 م وحتى عام 1370م!

وهم من أسس المجتمعات الأوروبية!

إنه لواضح تماماً كيف تتحكم الضرورات العمياء بالتحليل و التفكير و السلوك الصهيوني فعندما كان هناك ما دعي بمملكة الخزر اليهودية صوّرها كوستلر على أنها "إمبراطورية " و "قوة عالمية ثالثة " تنهض ندّاً لبيزنطة، وتوقف زحف العرب الى أوروبا فتحميها من الاجتياح عن طريق الشرق، وهذا يقود الى الافتراض أنه كانت هناك " أوروبا " كما هو حالها اليوم، تستحق أن يدافع عنها، ولكن بعد أن تبدّدت دولة الخزر  وهاجر يهودها فإنهم في هجرتهم لم يجدوا "أوروبا" بل وجدوا "سكان الغابات الخلفية السلاف"! حيث الفراغ الحضاري التام، وحيث الغياب الكامل للدولة الأوروبية! وبعد ذلك، وبكل بساطة، وضع كوستلر الاستشهاد التالي: "يوافق الباحثون البولنديون على أن اليهود المهاجرين من دولة الخزر ومن روسيا هم الذين أسّسوا هذه المجتمعات (البولندية) الأقدم"! وهكذا نسمع من المصدر ذاته كيف أن المجتمعات التي يفترض أن دولة الخزر اليهودية حمتها من الزحف العربي الإسلامي عبر الشرق لم يكن لها وجود على الإطلاق قبل انهيار خازاريا، وقبل قيام المهاجرين اليهود بتأسيسها!

التاريخ هو المجرم المخادع!

يقول آرثر كوستلر: "وبينما تنبثق قصة إمبراطورية الخزر(؟!) من الماضي، فإن مصطلح معاداة السامية يصبح خالياً من المعنى، لأنه قائم على سوء الفهم الذي اشترك فيه كل من القتلة وضحاياهم (؟!) وتوشك قصة الخزر أن تبدو كما لو كانت أشدّ عمليات الخداع التي ارتكبها التاريخ قسوة حتى الآن"!

بمثل هذه الكلمات الغريبة، اللطيفة والمكثفة، يريح المفكر الصهيوني ضميره، ويعلن أن المذابح التي تعرض لها اليهود في أوروبا تقع مسؤوليتها على عاتق التاريخ القاسي المخادع! أما فلسطين، التي تقرر مصيرها ضمن عملية الخداع القاسي (على يد التاريخ طبعا!) فإن كوستلر لا يشير إلى أصحابها أبداً، فهم أقل بكثير في نظره من سكان الغابات الخلفية السلاف البدائيين! إنه لا يشير إليهم، لا من قريب ولا من بعيد، ويكتفي بالقول من دون أن يذكرهم بالاسم أن فلسطين أصبحت "دولة يهويدية" بقوة القانون الدولي، والتقادم، والأمر الواقع، وأنه لا يمكن إعادة النظر في ما حدث إلا بإبادة شعبها اليهودي! إنه يقول ذلك من دون أن يتنازل ويشير إلى الجهة التي يمكن أن تبيده! ثم يلحّ على أن كل إنسان "متحضر" يهودي أو غير يهودي، مسؤول عن أمن "إسرائيل" وحمايتها! والمقصود بالمتحضر هو الأوروبي والأميركي طبعاً، وليس الآسيوي والأفريقي!

اليهود يستردون اعتبارهم كآريين!

إن سوء الفهم الذي ترتب على لعبة التاريخ القاسية المخادعة يعود إلى اعتقاد اليهود ـ حسب كوستلر ـ أنهم ساميون، الأمر الذي استوجب اضطهادهم من قبل الأوروبيين، ويبدو كأنما ضربهم كان مشروعاً ومفهوماً، في رأي كوستلر، عندما كانوا يتوهّمون أنهم ساميون، أما الآن فهو يعلن براءتهم من تهمة الانتماء للسامية، التي تستوجب الاضطهاد والإبادة!

يقول كوستلر: "لقد قمت بتجميع الأدلة التاريخية التي تثبت أن الأغلبية العظمى من اليهود الشرقيين (الأوروبيين) ويهود العالم هي من أصل تركي خزري وليست من أصل سامي، حيث الدلائل المعروضة تدعم الحجة القوية التي قدمها المؤرخون المحدثون، سواء النمساويون أو الإسرائيليون أو البولنديون، والذين أثبتوا ـ مع استقلالهم عن بعضهم ـ أن الغالبية العظمى من اليهود المعاصرين ليسوا من أصل فلسطيني، بل من أصل قوقازي، وأن التيار الرئيسي للهجرات اليهودية لم ينطلق منبثقاً من حوض المتوسط متجهاً عبر فرنسا فالمانيا نحو الشرق ثم عائداً أدراجه ثانية، لكنه تحرّك في اتجاه ثابت ودائم نحو الغرب، بادئاً من القوقاز، عابراً أوكرانيا إلى بولندا، ومنها إلى وسط أوروبا! وعندما قام في بولندا ذلك الاستيطان الضخم الذي لم يسبق له نظير، لم يكن إلى جانبه في الغرب الأوروبي سوى عدد من اليهود غير كاف لأن يعتدّ به، بينما في الشرق الأوروبي كان شعب بأسره في سبيله إلى التحرك نحو حدود جديدة"!

وهكذا، فإذا كان يهود العالم المعاصر ينتمون في معظمهم، ما عدا أقلية لا يعتدّ بعددها، إلى العرق الآري، أي الأوروبي، حسبما استنتج كوستلر وأمثاله، أفلا يصبح مفهوماً اضطهاد اليهود "الآريين" للعرب "الساميين" ومحاولة إبادتهم التي مازالت قائمة؟ وإلا فكيف نفسّر كل هذا القدر من القسوة في التعامل مع أبناء عرقهم العرب في ما لوكان اليهود ينتمون إلى العرق السامي؟ بل إن هذه القسوة الإبادية تصبح مفهومة من جهة، ومشروعة من جهة أخرى، حسب العقيدة اللوثرية التي يعتنقها الأنكلوسكسون، في بريطانيا والولايات المتحدة خاصة، الذين يقفون خلف هذه التمثيلية الإبادية الصهيونية اليهودية!

www.snur1.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1