الانتخابات الأميركية تجدّد للفساد والاستبداد!

بقلم: نصر شمالي

يعتقد محللون أميركيون على مستوى رفيع في الإدارات العليا أن ولاية بوش الأولى شكلت خطراً كبيراً على الأمن القومي الأميركي، وأنها فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الحرب ضدّ العراق التي هي، من وجهة النظر العسكرية الصرفة، كارثة محققة للولايات المتحدة! لقد قالوا وكتبوا أن إدارة الرئيس بوش أخفقت في القيام بأي مجهود يستحق الذكر لتحديد الوضع السياسي النهائي الذي سعت إلى تحقيقه بعد احتلال العراق، وأن هذا الإخفاق جعل من المستحيل تحديد النجاح العسكري على المدى البعيد، وذلك من شأنه أن يجعل وضع استراتيجية معقولة لخروج القوات الأميركية من العراق أمراً مستحيلاً أيضاً! ويضيف هؤلاء المحللون أنه، مثلما كان الحال في فيتنام، أصبح العسكريون مطالبين بلملمة أشلاء سياسة خارجية فاشلة أغرقت الولايات المتحدة حتى النخاع في حالة من المواجهة المستمرة مع المقاومة!

نتيجتان كارثيتان لا ثالث لهما!

لقد نشرت بعض الصحف الأميركية مثل هذه التحليلات في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أي عشية الانتخابات الرئاسية، وجاء فيها أيضاً أن المواطنين الأميركيين يصدّقون ما تقوله لهم حكومتهم في شبكات التلفزة حول ما يجري في العراق مع أنه مخالف للحقائق الميدانية، حيث ثلثي القوات الأميركية المقاتلة أصبحت الآن غارقة في مستنقع الحرب العراقية، وحيث لا يمكن تحقيق النصر في هذه الحرب ضمن الظروف الراهنة! وقد حذّر هؤلاء المحلّلون من أنه، إذا ما أعيد انتخاب جورج بوش، فسوف تترتب على ذلك إحدى نتيجتين لا ثالث لهما:

الأولى: أن القوات الأميركية سوف تخسر خلال الأربع سنوات القادمة خمسة آلاف جندي، إضافة إلى الجرحى، وإضافة إلى عدد غير معروف من القتلى العراقيين، وأن تكاليف الحرب سوف تبلغ في ولاية بوش الثانية نحو تريليون دولار، ومع ذلك فلن تكون الولايات المتحدة أقرب إلى كسب الحرب مما هي عليه الآن!

الثانية: أن تنسحب القوات الأميركية من العراق الذي تحوّلت أرضه إلى مفرخة للمتمردين، الأمر الذي سوف يعني ظهور تهديد للولايات المتحدة أكبر من التهديد الذي كان قبل الاحتلال!

استراتيجية غبية وغطرسة مكلفة!

ويتابع هؤلاء المحللون أنه، لمعرفة حقيقة الوضع في العراق، ينبغي على الأميركيين إلقاء نظرة متعمقة تتجاوز المعلومات الرسمية المحرّفة، وسوف يرون أن هذه الحرب تجسيد لغباء شديد وغطرسة مكلفة أدت حتى الآن إلى مصرع أكثر من 1000 جندي أميركي، وشتتت انتباه أميركا وبدّدت مواردها الثمينة بعيداً عن الخطر الحقيقي (القاعدة) ومع ذلك فإن إدارة بوش تصرّ، بوقاحة تثير الدهشة، على أن الطريقة الوحيدة لإصلاح الأوضاع في العراق هي أن يبقى في السلطة الأشخاص أنفسهم الذين كانوا سبباً في خلق هذا الكابوس! ويضيفون أن نجاح بوش في الانتخابات سوف يعني استمرار تطبيق استراتيجيته الغبية المتغطرسة، الأمر الذي يمهّد لمأساة أكبر وهجمات أشدّ تدميراً يتعرض لها الأميركيون، إضافة إلى ظهور أوضاع جديدة تجعل من المستحيل على الولايات المتحدة التصدّي لما يستجدّ من تهديدات جسيمة ضدّ مصالحها الاستراتيجية الحيوية، لأن سياسات إدارة بوش في العراق تشلّ الاستعدادات الأميركية العسكرية على نطاق العالم!

الانتخابات في قفص الشركات!

لقد كان طبيعياً أن تتمحور الانتخابات الرئاسية الأخيرة حول السياسة الخارجية والحرب العراقية، علماً أن الأميركيين عموماً لا يأبهون لشؤون العالم إلا نادراً، في لحظات الخوف على مصالحهم المعيشية وعلى مصير أبنائهم في ميادين الحروب، ولكن على الرغم من المخاوف العميقة التي سببتها إدارة بوش الفاسدة المتواطئة مع كبار الأثرياء، وعلى الرغم من كوارث الحرب العراقية التي أصابتهم، فقد صوّتت أغلبية الناخبين لصالح بوش، ومكنته من الفوز بولاية ثانية، وما كادت تعلن النتيجة حتى انبرى يتحدث عن مواصلة الحرب ضدّ العراق والعرب والمسلمين، وعن استعداده لتوزيع قسم من الغنائم على الحلفاء (تحت عنوان إعادة إعمار العراق) إذا وافقوا على مؤازرته في الحرب بقواتهم! فكيف نفهم أن الأميركيين جدّدوا لرئيس جرّبوه، وهو يعدهم بمواصلة عين ما يخافونه؟!

إن أول ما يجب علينا تذكره هو أن التصويت على القرارات في الهيئات التمثيلية، وكذلك التصويت في الانتخابات العامة، لا يعني أن الأغلبية التي تقرر النتائج تكون دائماً على حق، وأن قراراتها تأتي دائماً صائبة، بل كثيراً ما يحدث العكس حتى في ظل ظروف وشروط طبيعية نزيهة، فكيف يكون الحال عندما تنعدم مثل هذه الظروف والشروط، وعندما يجري تنظيم عمليات الاقتراع داخل قفص مموّه مخادع أحكمت الشركات الربوية صنعه؟ كيف يكون الحال عندما يعتقد الناخب نفسه حرّاً بينما هو أسيراً سدّت في وجهه جميع السبل إلا ما فتح منها، فهو لا يستطيع اختيار سوى ما أريد له مسبقاً أن يختاره؟ وهكذا فإن الناخب الأميركي، سواء أعطى صوته لكيري أم لبوش، كان ينفّذ ما هو مطلوب منه ومفروض عليه مسبقاً، بينما هو يتوهّم أنه يعطي من تلقاء ذاته ويختار بملء إرادته وحريته!

الاستبداد في إهاب الديمقراطية!

لقد كانت نسبة الناخبين، كما قيل، حوالي 60% اقترع أكثر من نصفهم بقليل لصالح بوش وأقل من نصفهم بقليل لصالح كيري، فهل هذا يعكس حقاً موقف الشعب الأميركي الذي سمعنا أن 70% منه غير موافقة على معظم سياسات بوش وكيري؟

بالنسبة إلينا فإنها لمأساة أن لا نكتشف الاستبداد متخفيّاً في إهاب الديمقراطية على الطريقة الأميركية، فهذه الديمقراطية تتضمن خلاصة الاستبداد الظالم في تطوره عبر جميع العصور في جميع القارات! ويحضرني هنا مشهد الإمام علي بن أبي طالب وهو يتمثل في خطابه، بعد موقعة صفين، هذه الأبيات لدريد بن الصمّة: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى/ فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد/ فلما عصوني كنت منهم وقد أرى/ غوايتهم أو أنني غير مهتدي/ وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت/ غويت وإن ترشد غزيّة أرشد؟!

لنتأمل في معاني هذه الأبيات التي تمثّل بها الخليفة الراشدي الرابع قبل حوالي ألف وأربعمائة عام، ولنقارن بين دلالاتها الشوروية وبين ممارسات بوش وأمثاله للعملية الديمقراطية!

www.snurl.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1