ازدهار النمو يفاقم التخمة وينشر المجاعات!

بقلم: نصر شمالي

يواصل السفهاء الأشقياء، والجهلة السخفاء، إلقاء خطاباتهم المنمّقة المستعارة، التي تحاول إخفاء المأساة البشرية العظمى بحكايات ملفقة عن التحرير الديمقراطي الأميركي للعراق، وعن العرب والمسلمين الذين سينتشلهم الأميركيون (والإسرائيليون) من جحيم تخلّفهم إلى جنان الحضارة المعاصرة، وعن القرية العالمية السعيدة الساحرة التي مركزها واشنطن! غير أن هذا الهراء يتواصل بينما تقارير هيئة الأمم الصادرة قبل أيام تتحدث عن اتساع الفجوة بين سدس سكان العالم الأثرياء وبين خمسة أسداسه الفقراء، وعن تزايد النمو الاقتصادي في الشمال مترافقاً مع اتساع نطاق المجاعات والأوبئة وتزايد أعداد الهالكين في الجنوب!

تفسير مفارقة النمو والجوع!

لقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة، وحتى يومنا هذا، نجاحات كبيرة حققها النمو الاقتصادي، وتنظر الديكتاتورية الأميركية، وكذلك حلفاؤها الأقوياء وأتباعها التعساء، إلى هذا النمو باعتباره عالمياً، بينما هو ليس كذلك إلا إذا اعتبرنا العالم مقتصراً على دول الشمال وعلى سدس البشرية، واعتبرنا الجنوب وسكانه خارج العالم! وكمثال على ذلك نأخذ النمو في ميدان المنتوجات الحيوانية الذي حقق تقدماً، لكن تقرير هيئة الأمم يقول أن سدس سكان العالم الأثرياء قد زاد استهلاكهم من الألبان والأجبان واللحوم ليبلغ 80%، بينما انخفض بالمقابل استهلاك الأسداس الخمسة الفقيرة، وهكذا ارتفعت نسبة الإصابة بالتخمة في الشمال واشتدت فعالية المجاعات في الجنوب بفضل النجاحات التي حققها النمو!

إن مثال ازدهار النمو في المنتوجات الحيوانية، وما ترتّب عليه من تفاقم التخمة شمالاً والمجاعات جنوباً، يصلح لربطه بالقرية العالمية المزعومة، حيث القرية تعتمد على الحيوان بالدرجة الأولى، لكن ما يقوله تقرير هيئة الأمم يدلّ على أن هذه القرية العالمية ليست سوى حقل سخرة عالمي، بل سجناً عالمياً لمليارات من البشر! ومن حسن الحظ، وبفضل المقاومة الفلسطينية والعراقية، بات من المستحيل خداع الناس بعناوين العولمة وقريتها، والسوق واقتصادها، والرأسمالية واشتراكيتها، والشرق أوسطية وديمقراطيتها.. الخ! فمثل هذه اليافطات انكشفت للجميع على أنها محاولات لإخفاء المشاريع الحقيقية التي تتعهدها الديكتاتورية الأميركية ومؤسساتها الاحتكارية، وهي مشاريع تهدف إلى ضمان كنز المرابين لمعظم الكتلة المالية الدولية، واحتكارهم لمعظم عائدات الإنتاج والاستهلاك العالمي، بحيث لا يتركون لغالبية أمم القرية العالمية سوى فتات الموائد!

الانحدار في الوطن العربي!

إن استخدام تعبير فتات الموائد ليس مبالغة على الإطلاق، فعلى سبيل المثال كان وطننا العربي الكبير يوفّر ذاتياً حوالي 75% من حاجاته الغذائية في العام 1960، أما في العام 1998، في عصر القرية العالمية، فقد صار يؤمن ذاتياً حوالي 48% من هذه الحاجات! صدّقوا أو لا تصدّقوا! وما يقال عن العرب يقال عن غيرهم وأمثالهم، وقد حدث هذا الانحدار بفعل قادة القرية العالمية، عن سابق تصميم وتصور، فجرى تدمير شامل لقطاعات الاقتصاد الوطني في بلدان الجنوب، بالإملاءات الاقتصادية على الحكومات المذعنة، وبالمزاحمة التجارية في أسواق المنتجين المحليين، ليصبح الإنتاج الوطني عاجزاً عن المنافسة، ويخلي أسواقه إلى حد كبير لسلع الشمال المتخم، وهذه السياسة التدميرية سوف تتواصل لتزيد أزمات العرب الاقتصادية تفاقماً في ظل الشرق أوسطية وما شابهها!

وإذا كان الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية في الوطن العربي قد انخفض بما يعادل الثلث تقريباً ما بين العامين 1960- 1998، بينما المفروض أن يرتفع، فإنني لم أطلع على ما طرأ عليه بين العامين 1998- 2005، لكني أميل إلى الجزم أنه واصل انخفاضه، آخذاً بالاعتبار دمار بلادنا الصومالية والسودانية والعراقية وغيرها!

مكونات سعر ليتر البنزين!

وبما أننا ذكرنا السودان والصومال والعراق، فلابد أن نتوقف عند قطاع النفط باعتباره القطاع القائد في الاقتصاد العالمي، وأيضاً لأن مأساة هذه الأقطار ليست بالدرجة الأولى سوى نتاج النفط والسياسات النفطية الاحتكارية، وسوف نورد مثالاً نموذجياً عن آلية النهب في هذا القطاع العالمي الرئيس، يعطينا الأسباب الحقيقية لما يحدث في هذه البلدان العربية، ولما تتعرض له فنزويلا وغيرها من أخطار ماحقة.

في عام 1973 كان ليتر البنزين يباع للمستهلك في فرنسا بسعر 135 سنتيماً، فما هي مكونات هذا السعر؟ إنها كما وضعها أمثال بوش وتشيني ورامسفيلد من أباطرة النفط تتألف على النحو التالي:

1سنتيماً واحداً نفقات إنتاج.

9تسعة سنتيمات حصة حكومة البلد المنتج.

8 ثمانية سنتي مات تكاليف النقل.

13 ثلاثة عشر سنتيماً تكاليف التكرير.

14 أربعة عشر سنتيماً تكاليف التوزيع.

21 واحد وعشرون سنتيماً أرباح الشركات.

69 تسعة وستون سنتيماً ضريبة على استهلاك البنزين (في فرنسا)

135 سنتيماً المجموع!

والآن، بعد الاطلاع على مكونات سعر ليتر البنزين، فإن أول ما تتوجب علينا ملاحظته هو أن الاحتكار النفطي يسيطر على جميع العمليات التي تتوزع عليها مكونات السعر! وقد رأينا كيف أن تكاليف الإنتاج في الحقول، أي الأرض والموظفين والعمال، لا تتعدى بمجملها سنتيماً واحداً فقط لا غير! ورأينا كيف أن تكاليف أية عملية تلي عملية الإنتاج تفوق تكاليفها بما لا يقاس، بل تعادل وتفوق حصة البلد المنتج! إن تكاليف عملية النقل لوحدها (وهي قطاع فاحش الربح للاحتكاريين) تعادل تقريباً تكاليف الإنتاج وحصة البلد المنتج كلاهما معاً! أما العمليات الأخرى فتكاليف كل واحدة منها تتعدى ضعف بل أضعاف عملية الإنتاج وحصة البلد المنتج! ثم إن حصة البلد المنتج، على هزالها الشديد قياساً بغيرها، تكاد تكون وهمية، حيث يبقى معظمها في مصارف الاحتكاريين، وحيث تستردّ بالراحة عن طريق فرض سلع باهظة الأثمان على البلد المنتج، خاصة السلع الحربية التي تعزز قوة الاحتكاريين لا قوة المنتجين! ولنلاحظ أخيراً أن حصة دولة الاحتكار (وليس الشركات) أي الضريبة ومقدارها 69 سنتيماً، تعادل سبعة أضعاف حصة البلد المنتج! وهذا يعني تمكين هذه الدولة من تجنيد الطاقة البشرية والمادية في بلادها من أجل مواصلة قهر سكان البلدان المنتجة والسيطرة عليهم والاستيلاء على ثرواتهم!

غير أن السفهاء الأشقياء والجهلة السخفاء يواصلون إلقاء خطاباتهم لصالح ما يسمى بالحرب الأميركية ضدّ الإرهاب، ولشرح أبعاد التحرير الديمقراطي الأميركي للعراق، ولعرض مآثر مشروع الشرق الأوسط الكبير، وللتبشير بجنان القرية العالمية التي مركزها واشنطن!

www.snurl.com/375h

 

Hosted by www.Geocities.ws

1