الذين استقلالهم يعني زوالهم ؟!

بقلم: نصر شمالي

ليس الكيان الصهيوني سوى أداة ممتازة من أدوات حفظ النظام الاحتكاري الربوي العالمي، فهو من جهة قاعدة جوية وحاملة طائرات أميركية برية تتعدى مهماتها البلاد العربية إلى البلاد الأفريقية والآسيوية! وهو من جهة ثانية قاعدة عسكرية ومقّر انطلاق لمئات الألوف من الجنود من مختلف أصناف الأسلحة البرية الذين هم دائماً على أهبة الاستعداد للتحرك في نطاق العمليات الحربية الأميركية! وهو من جهة ثالثة مستودع هائل لأسلحة الدمار الشامل، وقاعدة نووية أميركية قوامها مئات الرؤوس الذرية التي كانت موجهة ضدّ الاتحاد السوفييتي وصارت اليوم موجهة ضدّ غيره من الدول النووية، مثل الصين الشعبية وكوريا الديمقراطية والهند والباكستان، وروسيا أيضاً! وهو من جهة رابعة سوق دولية أميركية سوداء تعمل خارج القانون في ميادين المخدّرات والسلاح والنقود القذرة! وهو من جهة خامسة مركزاً أميركياً مهمته الدائمة ممارسة العصيان ضدّ هيئة الأمم المتحّدة وإظهار الاحتقار لقراراتها! وهو من جهة سادسة، وبالإجمال، قلعة النظام الربوي العالمي على مفترق الطرق الدولية لمواجهة آسيا وأفريقيا، ولمواجهة اوروبا أيضاً إذا ما اقتضى الأمر ذلك، بعد أن أصبح قلعة أميركية خالصة!

ليس دولة، ولا وطناً، ولا شعباً!

إن إغفال تلك الحقائق، التي تتلخص في أن الكيان الصهيوني أداة ممتازة من أدوات حفظ النظام الربوي العالمي، سوف يجعلنا نضل الطريق، ونهدر جهودنا وأموالنا ودماءنا وحياتنا، فهذا الكيان ليس دولة، بل مجرّد إدارة عسكرية حربية إقليمية مرتبطة بقيادتها العليا خلف المحيطات! وهو ليس وطناً، بل مجرّد قاعدة غير مستقلة، ولا يمكن أن تكون سوى غير مستقلة، حيث استقلالها يعني بالضبط زوالها، فهي قاعدة تابعة لا تملك أية سيادة ذاتية! والمجتمع الصهيوني المقيم مؤقتاً في فلسطين العربية ليس شعباً، بل يراد له أن يظهر كذلك، ومعظم المستوطنين ما زالوا على ولائهم لأوطانهم الأصلية، لأنهم يحملون في قرارة نفوسهم معرفة تبلغ حدّ اليقين أن إقامتهم مؤقتة، وأنهم ليسوا سوى محتلين مثلما كان حال المستوطنين الفرنسيين في الجزائر!

إن " الدولة" التي يسمّونها "إسرائيل"، والتي يعبّرون عن خشيتهم من احتمال زوالها، لا وجود لها في الحقيقة. إنها غير موجودة أصلاً، وما هو قائم كيان لا علاقة له بمفهوم الدولة، حيث هو شيء آخر، بمحتوى آخر، وبمهام أخرى لا صلة لها بتاتاً بمهام الدول التي تعارف عليها الناس عبر العصور! إن الكيان الصهيوني هو مقّر الإقامة الثانوي لأوساط تمثل المجتمعات الأوروبية والأميركية، ومعظم الشخصيات الصهيونية اليهودية، من مات منهم ومن لا يزال حياً، يحملون جوازات سفر غير "إسرائيلية"، من غولدا مائير إلى آبا إيبان إلى موشي دايان وإيغال آلون، مروراً بإسحق رابين وشمعون بيريز وآرييل شارون، وحتى من يليهم في المعراخ والليكود وبقية العصابات المسماة أحزاباً! إن كل واحد من الصهاينة اليهود المحظوظين يحمل جوازي سفر على الأقل، حيث بعضهم يحمل ثلاثة وأكثر، وهم جميعهم يمتلكون عقارات ومخازن ومحلات إقامة ومكاتب عمل في بلدان أوروبا وفي الولايات المتحدة، ويملكون حق التصويت في الانتخابات النيابية والرئاسية وغيرها في بلدانهم الأصلية تلك!

استحالة الاستقلال الصهيوني اليهودي!

إن التنقّل بين فلسطين المحتلة، حيث الوطن الصوري، وبين الولايات المتحدة ودول أوروبا، حيث الوطن الحقيقي، هو مظهر يومي مستمر وشائع، فبعض الصهاينة اليهود، من مختلف المستويات، لهم إقامة رئيسية شبه دائمة في باريس مثلاً، ولهم إقامة أخرى ثانوية في تل أبيب، وللبعض الآخر وضع عكسي! إن معظم المشاريع الصناعية والتجارية "الإسرائيلية"، بما فيها الصناعات الدقيقة والحربية، التي تبهر بعض إخواننا الطيبين، ليست في حقيقتها سوى مشاريع أميركية وأوروبية ينجزها اليهود المستوطنون لتحقيق أهداف معنوية وسياسية إضافة إلى المادية! إنها مشاريع تستند إلى شركات ربويّة عالمية عملاقة لها مصلحة سياسية في إظهار "العبقرية النادرة" التي يتمتع بها المستوطنون اليهود، وإنه لينبغي أن نكون على يقين تام أنه إذا ما خطر للكيان الصهيوني، في أي وقت من الأوقات، ممارسة سياسية مستقلة، فإن وجوده من أساسه سوف يكون على الفور عرضة للزوال، فهو لا يستطيع أبداً أن يكون مستقلاً إزاء الذين صنعوه لتأدية وظائف محدّدة، ولا يستطيع أبداً أن يعيش مستقلاً، ولا ليوم واحد، إزاء الأمة العربية في حال اعتماده تماماً على ذاته بالصورة التي هو عليها، حيث بعض سكانه سوف يصبحون مثل سكان المنطقة، والبعض الآخر لن يعجبه الحال ويرحل!

الكيان الصهيوني والولايات المتحدة

في كل ظرف عصيب يواجهه الصهاينة، مثل الظرف الحالي الذي صنعته الإرادة الفلسطينية الجبارة، ينبري كثير منهم للاعتراف العلني، بالحرف الواحد:"أن"إسرائيل" مخلوق إجباري أوجدته الولايات المتحدة الأميركية ووضعته تحت حمايتها، ولذلك فإن أي موقف معاد لأميركا يتحوّل إلى موقف معاد لإسرائيل، والعكس بالعكس. إن القوة اليهودية السرية التي تفرض إرادتها على واشنطن هي محض خرافة. إن ما يحدث، بكل بساطة، هو أن المجتمع اليهودي الأميركي يستأثر بقدر هام من مقررات راس المال الأميركي، لأنه يهيمن على المصارف وعلى شبكات الاستهلاك وعلى مكاتب الدراسات الاقتصادية، غير أنه لا يعمل أبداً كقوة مالية منفصلة ومستقلة، لأنه في حدّ ذاته ليس إلا مجرّد موجة في مدّ الإمبريالية الأميركية وجزرها"! وقد وصف موشي شاريت، رئيس الوزراء الأسبق، علاقة الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة بالكلمات التالية:"يهود الولايات المتحدة لا يمكن أن يساعدوا "إسرائيل" في حال نشوب نزاع بينها وبين أميركا. إن المشاركة الفعالة ليهود أميركا في بقاء "دولتنا" متفوقة يمكن أن تتحقق طالما اندمجت سياستنا الخارجية في السياسة الدولية لواشنطن. إن إخوتنا اليهود في ما وراء البحار لن يساعدونا إذا لم نخضع لرغبة حكومتهم"!

خلاصة القول هي: إن الكيان الصهيوني ظاهرة عابرة وحالة مؤقتة مهما دامت، فهو مجرّد أداة تسلط تساهم في حفظ النظام الربوي العالمي، ووجود هذه الأداة مرهون بضرورة وظائفها، وبالتغيير الذي يمكن أن يطرأ على موازين القوى الدولية، غير انه يمكن أن يستمر إلى الأبد إذا ما تخلّى العرب والمسلمون عن فلسطين، وتعاملوا مع الكيان الصهيوني باعتباره دولة ووطناً وشعباً، بينما هو ليس كذلك على الإطلاق! إن هذه الأكذوبة سوف تصبح حقيقة فقط عندما يستسلم أصحاب الحق للقوة الغاشمة الباغية.

Hosted by www.Geocities.ws

1