الخلاص من أسلحة الدمار الشامل

بقلم : نصر شمالي 

بعيدا عن الملهاة المضحكة المبكية ، التي يروّج لها الاعلام الاحتكاري المركزي ، فان الجميع بلا استثناء يعرفون ان من يمتلك اسلحة الدمار الشامل هي الديكتاتورية الاميركية و حليفاتها ، و ان الحديث عن عراق يهدد العالم أجمع هو ضرب من الكوميديا السوداء ليس إلا 0

لقد استخدم الانكليز ،والاميركون الانكليز ، وحلافاؤهم وامثالهم ، اسلحة الدمار الشامل طوال القرون الخمسة الماضية ضّد جميع الامم ، فأبادوا من ابادوا بالكامل واستعبدوا من استعبدوا بالكامل، وهذه الاسلحة لاتقتصر على العتاد العسكري بل تشمل العتاد الغذائي والدوائي ، والروحي والذهني ، والاجتماعي والسياسي ،بحيث أن خطر الزوال التام من الوجود يتهدد اليوم مناطق شاسعة من العالم تضم دولاً عديدة ، في افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ، وهذا الخطر يتناول الزرع والضرع والانسان والطبيعة .

ان أسلحة الدمار الشامل هي امتياز تملكه وتستخدمه الديكتاتورية الاميركية وحليفاتها .انها أسلحة التجهيل والتجويع ، والاستعباد والابادة ، التي لا تفوقها الأسلحة العسكرية فتكاً وتدميراً .انها الأسلحة التي يتحقق بواسطتها النهب العشوائي المتلاف للثروات الطبيعية ، والتي تفرض بواسطتها سياسات تبادل تجاري قسري تقوم على أسعار بخسة لمنتوجات الفقراء المستضعفين وأسعار فاحشة لمنتوجات الأغنياء الظالمين ، والتي  يرغم بواسطتها المتردّدون و المتلكئون على الاذعان تحت طائلة الابادة 0

ان قرونا من استخدام اسلحة الدمار الشامل قد اوصلت الطبيعة ، او البيئة ،الى حالة من التهتك والفناء المتسارع ، وان ايقاف الكارثة يبدو مستحيلاً بوجود الديكتاتورية الأميركية الباغية التي تستخدم جميع هذه الأسلحة  !

اتلاف الفائض من البشر !

ليست العنصرية سوى السلاح الأشد فتكاً من أسلحة الدمار الشامل ، والديكتاتورية العالمية تنتج هذا السلاح وتطوره بالتعبئة المستّمرة لشعوب الشمال،وخاصة في الولايات المتحدة ، ضد ّشعوب الجنوب.

لقد جعل الاحتكاريون المرابون من العنصرية ظاهرة ثقافية واجتماعية وسياسية ، باعتبارها السلاح الأمضى لترويض الضحايا أو ازالتهم من الوجود في حال استحالة ترويضهم . ان ذلك يبدو واضحاً في ممارسات القطيع الصهيوني الأميركي على أرض فلسطين العربية ، حيث قتل الأطفال الفلسطينيين يتم بدم بارد ، مثلما لو كانوا يتخلصون من ادوات لم تعد صالحة للاستعمال !

و تعطينا احوال القارة الاميركية صورة ناطقة عن سياسة التدمير الشامل و اسلحتها 0لقد نشأت بلدان اميركا الوسطى و الجنوبية على انقاض المستعمرات الايبيرية الاميركية ، و انصهر في بوتقتها خليط من جموع القتلة و الضحايا ،و من المستعبدين الأفارقة والمغامرين الجدد ، فاذا ضربنا صفحاً عن هلاك عشرات الملايين من السكان الأصليين الذين ابيدوا أثناء عمليات الاستيطان ( 70 مليوناً ؟) وعن هلاك ملايين الأفارقة ، نجد أن هذه البلاد تتعرض اليوم لاستغلال رهيب من قبل الشماليين يودي بحياة عشرات الملايين جوعاً ومرضاً . أما في الولايات المتحدة، حيث نهضت المستعمرات البريطانية في البداية ، فقد تكفلت عمليات الابادة التامة للسكان الأصليين بتجنب عملية الانصهار في بوتقة واحدة . لقد اعتبر الهنود الحمر مجّرد فائض بشري يتوجب التخلص منه بابادته واتلافه !

الأطفال في أميركا اللاتينية !

ان عشرين مليون طفل في أميركا اللاتينية ، أعمارهم دون الخامسة عشرة ،يشتغلون من أجل لقمتهم ، أي فقط من أجل البقاء على قيد الحياة . ومعظم هؤلاء الأطفال من الاناث اللواتي يتعرضن طوال الوقت للاستغلال الجنسي ، والذكور لا يستثنون من هذا الاستغلال أيضاً . ان ممارسة الجنس بهدف الكسب المادي تطال أعداداً هائلة من الذكور والاناث تتراوح أعمارهم ما بين التاسعة والثالثة عشر . ان مئات الآلاف منهم بلا بيوت ولا أهل ، ينامون في الشوارع وتحت الجسور .أما عن الأكبر سناً بقليل  فان أربعين بالمئة من النساء  ، في بعض بلدان أميركا اللاتينية ، يمارسن الدعارة قبل بلوغهن السادسة عشرة من العمر. وجدير بالذكر أن فرق اعدام مستأجرة من قبل بعض الشركات تقوم بمطاردة الفائض من الأطفال المشردين وقتلهم ومحو آثارهم كما تطارد الكلاب الضالة تماماً !

لقد اعتبر مبدأ مونرو أميركا اللاتينية حكراً لواشنطن ، لا يحق لأحد من خارجها التدخل في شؤونها ولا يحق لشعوبها تقرير مصائرها، وكتعبير ملطف أطلقت عليها صفة الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، بينما هي في الحقيقة تعامل كالغابة يستخدمها الشماليون للصيد والقنص ، وأية محاولة للخلاص من هذا المصير تواجه بالحصار المحكم ، وبما لا يحصى من أسلحة الدمار الشامل العسكرية والاقتصادية و الاجتماعية والدعائية ، وها هي الحالة الفنزويلية المستجدة تشهد على ذلك ان لم نأخذ كمثال كوبا المحاصرة باحكام منذ أربعين عاماً  !

المأساة البشرية في ذروتها !

بفضل حرب الخليج الثانية ،وباعتبارها سيدة  المؤسسات الدولية والمالكة للقوة العسكرية الساحقة ، حققت الولايات المتحدة أكبر تركيم قسري للثروة وللقوة عرفته البشرية حتى اليوم. لقد تحقق لها ذلك استناداً الى مافي حوزتها من اسلحة الدمار الشامل . غير أن ذلك نقل العالم أجمع الى ذروة المأساة، وإلى حالة من الهلاك البطيء، فقد تعطلت عمليات الانتاج  والتبادل الدولي الى حد كبير ، لتحل محلها عمليات الربا والمضاربة بالأسهم ، وهو ماارتدّ على الولايات المتحدة ايضاً وبالاً ودماراً. ففي ظل النيولبرالية والعولمة ظهرت ثروات افتراضية عملاقة، خارج سياق التجربة الانسانية التاريخية الواقعية ، وانطلق الاستثمار والانفاق والتبذير على اساسها ،وبالطبع، تحقق ذلك على حساب اربعة اخماس البشرية، ومن خارجها ، وبمعزل عنها! وبالفعل ، ما ان انتهى عهد كلينتون وبدأ عهد بوش ، حتى بدأت النتائج الكارثية بالظهور في الدول الغنية عموماً وفي الولايات المتحدة تحديداً . لقد بدأ التراجع في النمو الاقتصادي العالمي. ففي العاشر من ايلول /سبتمبر 2001 ، أي قبل يوم واحد من احداث نيويورك وواشنطن ، كانت مؤشرات صندوق النقد الدولي تشير الى تراجع النمو، وتتكهن بالمزيد، في العالم عموماً وفي الولايات المتحدة تحديداً.

في مايتعلق بالولايات المتحدة كانت نسبة النمو الاقتصادي / 3.2/ في خريف عام 2000 ، وفي آذار /مارس 2001 ، هبطت الى / 1.7/ ثم الى / 1.5/ قبل نهاية الربيع ، وفي ايلول /سبتمبر 2001 ، شهر الاحداث الهائلة في نيويورك وواشنطن ، كانت النسبة لاتزال مستقرة  عند/ 1.5 /. لقد كانت وتيرة النموفي الاقاليم الكبرى الثلاثة، اليابان واوروبا والولايات المتحدة، آخذة بالانخفاض  الى اقل من النصف خلال سنة واحدة ، اما في اليابان فقد انخفضت الى الصفر تقريباً ، وفي مابعد انخفضت الى الصفر في الولايات المتحدة ايضاً !

معالجة تراجع النمو بالحرب !

ان اعلان الحرب ضدّ العالم عموماً، وضدّ المسلمين والعرب والعراق تحديداً، لم يكن ردّاً على احداث ايلول/سبتمبر 2001 ، فتلك الاحداث التقطت كمجرّد ذريعة مباشرة ، وهم كانوا يستعدّون لافتعال حرب ما ، في مكان ما من العالم ، منذ اوائل عام 2000، وانه لأمر لايحتاج الى شرح انهم انطلقوا اولاً ضدّ تنظيم القاعدة واسامة بن لادن  ، ثم تحوّلت الحرب ضدّ افغانستان وطالبان والملاّ عمر، وهي حرب فترت لكنها لم تحسم، فأفغانستان لم تستسلم ، وبن لادن والملاّ عمر مازالا طليقين، ولم يعد يدور أي حديث حولهما تقريباً، بينما تحوّلت الجهود الحربية كلها ضدّ العراق ورئيس العراق ، فهل أدلّ من ذلك على انهم يريدون الحرب في الساحة المناسبة، بغض النظر على علاقتها او عدم علاقتها باحداث نيو يورك وواشنطن؟!

ان هذا الذي يفعلونه هو ، حسب التعبير اللغوي العربي ، مجّرد خبط عشواء، فالازمة البشرية تتفاقم وتستعصي عمقاً وشمولاً ، وهم يلجأون الىالحرب لمعالجتها  فيفاقمونها ! إنها تستدعي حلاً حقيقياً لايملكونه، غير أن الامم تملكه بالتأكيد ، وهذه الأزمة العظمى التي تهدّد كوكب الأرض بأكمله هي فرصتها لفرض الحلّ الذي تملكه، والذي يتلخص في استبدال هذا النظام الربوي الدولي الجائر بنظام إنساني دولي عادل .

الأمل يلوح في الاقصى!

 

لاتفوتنا في هذه العجالة المقتضبة الاشارة الى مافعله الطفل الفلسطيني البطل ، الذي اعلن على الملأ عري الامبراطور العالمي ، كما في الحكاية الشهيرة ! ان الديكتاتورية الدولية تقف عارية امام امم الأرض، وقد برهن الشعب الفلسطيني بجلاء مابعده جلاء ان اسلحة الدمار الشامل الاميركية يمكن فلها ، وانه ممتنع على الهزيمة السياسية وعلى عمليات الإبادة ، وهذا الدرس تلقفته الشعوب وسوف تعمل بهديه ، لذلك نراهم يبالغون في ضجيجهم وضوضائهم في العراق نتيجة خيبتهم في فلسطين وافغانستان ، اما الشعب العراقي فسرعان ماسيحذو حذو شقيقه الفلسطيني ، وعند ئذ سوف يتوقف الضجيج ، وتنقلب حروبهم عليهم ، ويفتح التاريخ صفحة جديدة .

Hosted by www.Geocities.ws

1