التلويح بتوسيع دائرة الحرب !

بقلم: نصر شمالي

وأخيراً، صار الحديث رسمياً وعلنياً، في مؤتمرات رؤساء الدول، عن هذا العالم الذي تحكمه ديكتاتورية أميركية صهيونية تفرض خطابها وتملي إراداتها متوقّعة من الجميع أن يذعنوا بصمت! لقد تحدث الرئيس الأفريقي نلسون مانديلا بالأمس عن هذه الظاهرة الفظيعة، وتحدّث عنها اليوم الرئيس الآسيوي مهاتير محمد، وكلا الرجلين من القادة المعتدلين المسالمين. غير أن النظر إلى هذه الظاهرة كأنما هي برزت فجأة من دون مقدمات، أو إعادتها إلى أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، سوف يجعلنا نضل طريقنا. لقد تحدث الرئيسان عن الظاهرة بعد أن بلغت حداً لا يطاق ويستحيل تجاهله، ويتوجب علينا أن نلمّ بمقدماتها التاريخية الطويلة، وبالكيفية التي جعلتها تؤول إلى ما آلت إليه، كي نتمكن من التعامل معها بطرق صحيحة.

إرساء الثوابت الأميركية الخمسة

إن إبادة 18.5 مليون هندي أحمر على يد المستعمرين الإنكليز في المنطقة المعروفة اليوم بالولايات المتحدة الأميركية لم تكن حادثة فريدة في التاريخ الأميركي، ولم تقتصر حروب الإبادات الجماعية على الهنود الحمر، بل رافقت تاريخ الولايات المتحدة القديم والحديث، داخل القارة الأميركية وخارجها. فالإبادات كانت من أهم عناصر فكرة أميركا، الفكرة القائلة باستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة، حسبما يشرح الأستاذ منير العكش، العربي السوري المقيم في الولايات المتحدة منذ ثلاثين عاماً، والمتخصص في علم "الإنسانيات" بالتعاون مع جامعة سيراكوس.

إن الإبادات هي التطبيق العملي للفهم الإنكليزي لفكرة "إسرائيل" التاريخية، وإن كل تفصيل من تفاصيل الاستعمار الإنكليزي لشمال أميركا حاول أن يجد جذوره في أدبيات تلك "الإسرائيل" متقمصاً وقائعها وأبطالها وأبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية. لقد كانوا يسمّون أنفسهم يهوداً وعبرانيين، ويطلقون على العالم الجديد (أميركا) اسم "إسرائيل" و"أرض كنعان". وكانوا يقتلون الهنود وهم على قناعة بأنهم عبرانيون (إنكليز) أعطاهم الله تفويضاً بقتل الكنعانيين (الهنود)! إن يهودية أولئك المستعمرين الإنكليز هي التي أرست الثوابت (الاستراتيجية) الخمسة المرافقة للتاريخ الأميركي في جميع محطاته، وهي:

1.  المعنى الإسرائيلي لأميركا.

2.  عقيدة الاختيار الإلهي والتفوّق العرقي والثقافي.

3.  الدور الخلاصي للعالم.

4.  قدرية التوسع اللانهائي.

5.  حق التضحية بالآخر.

العصر الأميركي يبزغ نووياً !

كيف يمكننا أن نفهم ما يحلّ بإخوتنا في فلسطين والعراق إذا لم نتعرف على تلك الثوابت الخمسة باعتبارها المرتكزات التي تنهض عليها السياسات الأميركية في جميع العهود؟ وكيف يمكننا مواجهة المصير الذي رسموه لنا إذا لم نطالع ما كتبه جورج بوش الجدّ (عام 1831) في كتابه "حياة محمد"، حيث قال:" ما لم يتم تدمير إمبراطورية السارزن (المسلمين) فلن يتمجّد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم"! وإذا لم نطلع على ما بشّر به الأميركي والتر ليجان في عام 1938، وهو:" سوف نشاهد في عصرنا هذا بزوغ فجر يتحقق فيه وجود قوة جديدة مقدّر لها أن تخلف روما (القديمة) وبريطانيا. إنني أشير طبعاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، وإنه لمن الأفضل لها أن تلعب هذا الدور وهي على علم به من أن تساق إليه. ورغم أن العديد من الأميركيين قد يبغضون هذا الدور فإنهم لا يستطيعون أن يرفضوا القيام به، فعظمتهم ومكانتهم وقوتهم بين شعوب الأرض تجعل من المحتم عليهم أن يقبلوا ما هو مقدّر لهم"!

وبالفعل بزغ الفجر الأميركي، وتقدّمت خليفة روما القديمة وبريطانيا عبر آسيا مدشّنة عصرها بالقنابل النووية، فكان فجراً عالمياً ذرّياً ذاك الذي بزغ في آب/ أغسطس 1945، ثم تحوّلوا إلى فلسطين و بدأوا بإبادة العرب على أيدي الصهاينة اليهود، تمجيداً للرب حسب بوش الجدّ!

الوحوش يعدّون لحروب أفظع !

هل من المفيد تجاهل الحقيقة الرهيبة، بعدم تسميتها باسمها الصريح، وبإدارة الظهر لها؟ هل يقبلون إذا قلنا لهم دعونا وشأننا؟ هل تتوقف حروبهم المفتوحة ضدّنا مهما قدّمنا من تنازلات؟ أبداً! وكأضعف الإيمان يتوجب علينا أن نكون في حالة تمكننا من الدفاع عن أنفسنا كي لا نهلك كما تهلك الكائنات الأدنى! وماذا نتوقع ونحن نرى نصف سكان شرق المتوسط العرب وقد وقعوا تحت مطرقة البندين الرابع والخامس من الثوابت الأميركية الخمسة: التوسع اللانهائي وحق التضحية بالآخر؟!

إن الصهاينة، اليهود وغير اليهود، يلوّحون اليوم بتوسيع دائرة الحرب لتشمل سورية ولبنان، وقد أعلن المرشح الأميركي الديمقراطي للرئاسة، ليندون لاروش، في 14/10/2003، أن جماعة من "الكلاب المسعورة" اجتمعت في القدس وقررت قصف أهداف في سورية قبل ستة أسابيع من الحادث الاستشهادي في حيفا الذي زعموا أنه السبب المباشر للغارة الجوية على موقع سوري!

إن المرشح الرئاسي لاروش يذهب إلى أبعد الحدود في تشخيصه لبعض أعضاء الإدارة الأميركية والإدارة الصهيونية فيصفهم بالوحوش والمجانين والجبناء والمفلسين واليائسين! وهو يفسّر وحشيتهم وجنونهم بالمأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه في كل من فلسطين والعراق، والذي يتلخص في أن الشعبين لم يركعا ويذعنا للموت من دون مقاومة! يقول لاروش أن "إسرائيل" مفلسة اليوم اقتصادياً واستراتيجياً، ولذلك هي بائسة. ويقول أن الجيش الأميركي غير مؤهل للانخراط في أية حروب أخرى طالما هو مكبّل في العراق، وأنه وصل إلى نقطة الانهيار، وأن الرئيس بوش إذا ما أخفق في الحصول على 50 ألف جندي أجنبي قبل نهاية السنة فسوف يضطر إلى استدعاء 100 ألف من الاحتياط للخدمة في العراق. ويضيف أن المستشفيات العسكرية تفيض بالجرحى، وأن هذه الفضيحة أكبر من أن يستمر إخفاؤها!

اندحار الثوابت الأميركية الخمسة!

لقد بلغت الديكتاتورية الأميركية الصهيونية تلك الذروة التي لا صعود بعدها، وثوابتها الخمسة لم تعد صالحة للتنفيذ، بل هي ما أوصلها أخيراً إلى المأزق التاريخي المأساوي الذي لا خروج منه إلا باندحار ثوابتها. وقد حدث أن الجبهات العربية والإسلامية هي التي تبرهن اليوم على إمكانية دحر هذه الثوابت الرهيبة، ولذلك فإن الغضب والحقد ينصب على العرب والمسلمين الذين لا يملكون، على الأقل، إلا الدفاع بكرامة عن حياتهم طالما أنها مهدّدة في جميع الأحوال، حسب البند الخامس من الثوابت!

 

Hosted by www.Geocities.ws

1