قانون ترومان إضافة لقانون لنش !

بقلم: نصر شمالي

قبل أيام قليلة اعترف المحتلون الأميركيون رسمياً أنهم يحتجزون خمسة آلاف أسير عراقي، وأشاروا إلى أن الأسرى في منجى من الإعدام الذي أصبح إجراء من الماضي! غير أنهم لم يشيروا إلى الإعدامات التي ينفذونها يومياً في شوارع وبيوت المدن العراقية، استناداً إلى " قانون لنش" السيء الصيت، الذي كان آباؤهم يطبقونه في أميركا ضد الهنود والزنوج والإيطاليين والصينيين، حيث كان من حق أية مجموعة من الرعاع البيض، الأنجلوسكسون البيوريتان، التقاط رجل من الطريق بأية تهمة وشنقه على أقرب شجرة أو عمود كهرباء، بعد أن تجتمع البلدة بأطفالها ونسائها وشيوخها للإستمتاع بمشاهدة تطبيق "قانون لنش" ضدّ بائس أعزل!

قانون لانش وقانون ترومان

منذ عهد الرئيس الأميركي هاري ترومان، المؤسس الحقيقي للكيان الصهيوني، احتلت واشنطن مركز القيادة الأول في النظام العالمي، فجعلها ذلك تشعر بالمسؤولية الأممية، وتعيد النظر في تقديرها "قيمة" الآخر! فهذا "الآخر" الذي كانت تنظر إليه باعتباره لا يساوي شيئاً، فيعدمه رعاعها بسبب أو بدون سبب في الشوارع على أقرب شجرة، صارت له أهميته في عالم ما بعد الحرب الثانية الذي هو عالمها، فبدلاً من أن تقتله عبثاً وتسلية، وتأكيداً للذات المتعالية على بني الإنسان، رأت أن تجنّده كي يٌقتل في ساحات الوغى الدولية بدلاً عن أبنائها الحقيقيين! غير أن هذه الوظيفة الجديدة التي فرضتها على "الآخر" لم تقتصر على  مواطنيها من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، بل بدأت تفرضها على شعوب الدول الأخرى حسب قانون ترومان، فطبقتها بداية في حربها ضدّ شعب كوريا المظلوم بشمالييه وجنوبييه!

لقد تطلع الأميركيون إلى نمط جديد من الإستعمار أقل تكلفة وأكثر ديمومة، وأعظم فاعلية ومردوداً، وهو أن يقوم الشعب المنكوب باستعمار نفسه بنفسه، أو بالإنخراط في عمليات قتل أمثاله من الشعوب بقيادة الأميركيين، ولنلاحظ أن هذا ما يفعله الصهاينة في فلسطين، حيث اليهود الأشكينازيم (الأوروبيون والأميركيون) يجندون غيرهم من اليهود وغير اليهود لقتل الشعب الفلسطيني، ولنلاحظ أن الأميركيين في العراق يحاولون تجنيد الشعب العراقي ضدّ نفسه، وإقناع أشقائه بمساعدتها عليه، إضافة إلى استدراج الشعوب الأخرى للقيام بهذه المهمة البالغة القذارة! ذلكم هو قانون ترومان الذي أضيف إلى قانون لنش!

كوريا كانت الضحية الأولى

في 30 أيار/ مايو 1950، نقلت صحيفة "نيويورك هيرالدتريبيون" عن الجنرال وليام روبرتس، قائد بعثة التدريب الأميركية في كوريا، هذا الكلام المعبّر: "إن بعثة التدريب العسكرية الأميركية في كوريا شاهد حيّ يبيّن كيف أن الاستغلال الواعي والقوي لخمسمائة من الضباط والجنود الأميركيين قد مكّن من تدريب مائة ألف كوري، هم الذين سيقومون بإطلاق النار بدلاً عنكم (بدلاً عن الأميركيين طبعاً) أي أن لدافع الضرائب الأميركي جيشاً في كوريا يقوم بدور كلب الحراسة الرائع الذي يحرس الاستثمارات (الأميركية) في تلك البلاد (في كوريا). إنه قوة تمثّل أقصى حدّ من النتائج بأقل التكاليف"!

أليس من الصعب التصديق أن إنساناً طبيعياً يمكن أن يتفوّه بمثل هذا الكلام؟! غير أن الحرب الكورية التي نشبت بعد قليل أثبتت ضعف جيش كوريا الجنوبية الذي أعدّه الأميركيون، فانهار أمام جيش التحرير الشمالي الذي لم يكن يزيده عدداً، والذي احتل بسرعة ثلاثة أرباع الجنوب، خلال شهر واحد، فاضطرت أميركا للانخراط بجيشها في الحرب، ليصل عدد قواتها إلى ما يقرب النصف مليون! لكن واشنطن وجدت نفسها عاجزة عن تحقيق نصر عسكري، فصدرت الأوامر بإطلاق النار على "أي شيء كوري يتحّرك" كما هو الحال الآن في فلسطين والعراق!

ثمانون ألف عاهرة إلى اليابان!

نذكر هنا، بين معترضتين، مثالاً عن الأساليب التي اتبعت لإقامة هذه الإمبراطورية الباغية. ففي خطاب مفتوح، بتاريخ 20 نيسان/أبريل 1952، اتهمت السيدة تاماكي بريمورا، رئيسة جمعية الشابات المسيحيات في اليابان، القوات الأميركية بأنها تعمل على إفساد القيم الأخلاقية اليابانية، حيث عدد العاهرات المسخرّات للترفيه عن الجنود الأميركيين يتراوح بين سبعين وثمانين ألفاً، وحيث انتشرت الدعارة إلى حدّ أصبحت معه عملاً رأسماله 200 مليون دولار، وذكرت تلك السيدة اليابانية، المسيحية، أن تقريراً رسمياً يابانياً تضمن أنه يوجد في اليابان 200 ألف طفل غير شرعي آباؤهم جنود أميركيون، مما دفع كثيراً من الأمهات اليابانيات إلى احتراف الدعارة!

الصديق التركي، والحوار المذهل!

في تلك المرحلة، كانت البلدان المستعمرة، والشعوب المستضعفة، تتطلع إلى الولايات المتحدة متوهمة أنها دولة الحرية، ونصيرة الشعوب من أجل نيل استقلالها وتحقيق تقدمها، وكانت تركيا في جملة هذه الدول، تعتقد أن قوة أميركا قوة للشعوب، وأن انتصارها انتصار للشعوب، وهكذا وافقت الحكومة التركية، في تموز/يوليو 1950، على إرسال قوة تتألف من 4500 جندي إلى كوريا، مقابل تأييد واشنطن لها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهي قبلت في الحلف فعلاً في شباط/فبراير 1952.

ولكن في اجتماع عقدته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ 24 آذار/مارس 1952، دار هذا الحوار المذهل حول الشعب الحليف والحكومة الصديقة:

·    السناتور هنري كابوت لودج: أليس صحيحاً أننا بإنفاقنا ستة مليارات من الدولارات في أوروبا الغربية نحصل تقريباً على العدد نفسه من الرجال الذي نحصل عليه في الولايات المتحدة بإنفاق أكثر من خمسين ملياراً؟

·    الجنرال الفرد جونتر: أنا لا أعرف الأرقام، ولكن النسبة تتفق بكل تأكيد مع النسبة بين هذين الرقمين!

·    السناتور لودج: إذن، فمن وجهة نظر الأسعار، بغض النظر عن الاعتبارات الإنسانية، نحصل في مقابل ستة مليارات دولار على العدد نفسه من الرجال الذي يكلفنا الحصول عليه في الولايات المتحدة خمسين ملياراً؟

·    الجنرال جرونتر: أنت تعلم أننا كنا في تركيا منذ أسبوعين. لقد تأثرنا إلى حدّ بعيد بمعدن الأتراك وبصفاتهم كجنود محاربين. ولكن أتدري ما الذي يحصل عليه هؤلاء الناس؟ إنهم يحصلون على واحد وعشرين سنتاً في الشهر. هذا هو راتبهم!

·    السناتور بريان مكماهون (بنبرة سخرية وتهكم): لقد رفعوا رواتبهم!

·    الجنرال جرونتر: يحصل الفرنسي على ثمانية سنتات في اليوم، والهولندي على عشرين سنتاً ( لاحظوا: في اليوم وليس في الشهر مثل التركي!) أنا أتحدث في النقطة التي تدعم وجهة نظر السناتور لودج. ولكن هذا يلقي عبئاً رهيباً على اقتصاد العائلات (التركية) لأن الجندي التركي الذي يحصل على واحد وعشرين سنتاً في الشهر يتلقى من أسرته نقوداً طوال الوقت، إضافة إلى أن نسبة معينة من الإنتاج القومي بأكمله تنفق على شؤون الدفاع، وهي لا تتضمن على الإطلاق المبالغ التي ترسلها العائلات لأبنائها الجنود!

من الواضح أن الجنرال جرونتر يحاول أن يكون موضوعياً في عرضه، وأن يأخذ بالإعتبار البعد الإنساني في الحديث حول شعب حليف وحكومة صديقة. ولكن، لنقرأ ماذا كان تعليق السناتور تشارلز توبي حول إخواننا في تركيا:

·    السناتور توبي: إنهم بحاجة إلى طاقاتهم الزائدة هذه من أجل حريمهم.. أليس كذلك؟

لنلاحظ أن هذا السناتور الصهيوني لا يأبه لثمانين ألف عاهرة، لجيش من العاهرات، مخصص للترفيه عن الجنود الأميركيين في اليابان! ولا يأبه لمئتي ألف طفل، لجيش من الأطفال غير الشرعيين، الذين لا آباء لهم! فلا تعليق هنا ولا استغراب، ولا سخرية ولا تهكم، لكنه في حديثه عن إخواننا الأتراك لا يتورّع عن الإشارة إلى ما لا يستحق الإشارة، وإلى ذكر ما لا موجب ولا ضرورة لذكره،  فهذا ليس في جدول الأعمال على الأقل ، إضافة إلى أن تركيا بلد حليف، وحكومتها صديقة!

 

Hosted by www.Geocities.ws

1