بوابة آسيا وجبهتها الأمامية ؟

بقلم: نصر شمالي

عبر العصور البشرية المتوالية شكل النصف الغربي من الوطن العربي البوابة التاريخية والجبهة الأمامية للقارة الأفريقية، أما النصف الشرقي فكان البوابة التاريخية والجبهة الأمامية للقارة الآسيوية. وإذا كان اكتشاف رأس الرجاء الصالح في عام 1497، ثم الثورة العاصفة في المواصلات خلال القرن الماضي، قد حدّتا بعض الشيء من الأهمية الجغرافية للبوابتين، فإنهما لم تنالا من أهميتهما الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إن البوابتين ليستا مجرّد موطيء قدم ومدخل بل هما مجتمعات نشطة راسخة، وخبرات إنسانية عالية، إضافة إلى ثروات استراتيجية هائلة، تشكل جميعها مع الموقع الجغرافي مكوّنات البوابتين. وقد كتب الصهيوني تيودور هرتزل أنه يريد أن يقيم على أرض فلسطين قلعة أوروبية منيعة ضدّ آسيا! والأشقياء الذين يديرون القلعة الصهيونية اليوم ينطلقون منها إلى الهند وغيرها من الدول الآسيوية، لكنهم لا يحرزون إلا القليل من التقدم في مساعيهم، لأن الخصائص الأخرى غير الجغرافية للبوابة العربية الآسيوية تعيق نشاطاتهم الخبيثة. إن الوطن العربي بشطريه الغربي والشرقي هو حلقة الوصل بين القارات، وهي ليست حلقة جغرافية فحسب، حيث المكوّنات الأخرى لا تقل أهمية ولا يمكن تجاهلها أبداً. إن الولايات المتحدة والقارة الأميركية عموماً ملزمة بدخول أفريقيا وآسيا عبر الوطن العربي إذا أرادت أن يكون دخولها ناجحاً ومجدياً، علماً أن ما يفصلها عن الوطن العربي هو المحيط الأطلسي فقط، أي أنها متصلة به مباشرة، وكذلك حال أوروبا.

القصة تبدأ من الشرق

حسب بيير مونسييه، في تقديمه للمجلد الرابع من موسوعة "تاريخ الحضارات العام"، فإن العالم ابتداء من أواخر القرن الخامس عشر أصبح ميداناً للصراع بين العواصم الأوروبية التي يريد كل منها الاستيلاء على أكبر مقدار من الغنائم، وفي الوقت نفسه يريد تعزيز موقعه في أوروبا جغرافياً وسياسياً، فالأوروبيون الذين انعزلوا حتى ذلك التاريخ في شبه جزيرتهم الصغيرة، وفي البحار الضيقة المحيطة بها، وفي الجزر المنتشرة في هذه البحار، انطلقوا آنذاك يشقون عباب الاوقيانوسات الشاسعة ويتصلون بالعالم، وقد بدت انطلاقتهم كأنما هي استمرار للحروب الصليبية، لكن الأسباب الحقيقية كانت أيضاً مادية لم تلبث أن احتلت الصدارة، وقد عزا البعض السبب في تنظيم الحملات العسكرية إلى تقدّم الأتراك العثمانيين عبر آسيا الصغرى وحوض المتوسط الشرقي، وإلى قطعهم طرق التجارة التقليدية بين الشرق والغرب، لكن الثابت أن الأتراك _ حسب مونسييه_ لم يقفوا موقفاً عدائياً من التجارة مع الأوروبيين، وأنهم جدّدوا تكراراً وبملء إرادتهم ورضاهم المعاهدات التجارية مع البندقية وجنوى، وتقيّدوا بما نصّت عليه، وحافظوا على طرق القوافل البّرية والبحرية، وأنه ما أن فتح سليم الأول مصر عام 1514 حتى بادر إلى تجديد المعاهدات التي كان المماليك قد أبرموها. وفي عام 1528 أبرم خليفته سليمان معاهدة مع فرنسوا الأول، فجاءت السفن الفرنسية تنافس البندقيين في الإسكندرية. بل إن الأتراك خفّضوا الرسوم الجمركية من 10% إلى 5% ثم إلى 3%، وهذا يعني أنه لم تكن ثمة عقبات سياسية تحول دون تنمية التبادل المتكافىء السلمي على أوسع نطاق.

لقد كانت نزعة الأوروبيين في انطلاقتهم العظمى أواسط الألف الميلادية الثانية هي الاستباحة والاستحواذ بجميع الوسائل والأساليب، فالحياة لهم وحدهم والموت لسواهم! ثم راحوا يدبجّون نصوص وفصول التاريخ على هواهم، بالصورة التي تظهر أوروبا كأنما هي مركز جميع العصور البشرية، في الماضي والحاضر والمستقبل! غير أن وول ديورانت، صاحب موسوعة "قصة الحضارة"، له رأي آخر، فهو يقول: إن قصتنا تبدأ من الشرق، ليس لأن آسيا كانت مسرحاً لأقدم المدنيّات المعروفة لنا فحسب، بل كذلك لأن تلك المدنيّات الشرقية هي التي شكلت البطانة والأساس للثقافة اليونانية والرومانية. وسوف يدهشنا أن نعلم كم اختراع من أهم مخترعاتنا، وكم نظام من أنظمتنا الاقتصادية والسياسية، وكم مما لدينا من علوم وآداب وفلسفة ودين يعود إلى الشرق. وفي هذه اللحظة التاريخية، حيث تسرع السيادة الأوروبية نحو الانهيار، وحيث تنتعش آسيا بما يبعث فيها الحياة، وحيث الاتجاه كله في القرن العشرين يبدو كأنما هو صراع شامل بين الشرق والغرب، في هذه اللحظة، نرى أن التعصب الذي ساد كتاباتنا التقليدية للتاريخ، وهي الكتابات التي تبدأ رواية التاريخ من اليونان وتلخّص آسيا كلها في سطر واحد، لم يعد مجرّد غلطة علمية، بل إخفاقاً ذريعاً في تصوير الواقع، ونقصاً فاضحاً في ذكائنا. إن المستقبل يولّي وجهه شطر المحيط الهادي، فلابد للعقل أن يتابع خطاه هناك!

آسيا العصية على الاختراق

لقد كان هدف أوروبا _حسب رولان مونسييه_ خلال قرنين كاملين، السادس عشر والسابع عشر، بلوغ آسيا والوصول إلى الهند والصين واليابان، واستثمار ما فيها من موارد هائلة، وحمل سكانها على اعتناق المسيحية، والقيام بحركة التفاف على الإسلام من الوراء، والعمل على سحقه بحيث لا يبقى على الأرض سوى إيمان واحد! تلك كانت الغاية الأولى والأخيرة، والحلم الأسمى البعيد الذي راود الأوروبيين بكثير من الإغراء. لقد حلمت أوروبا بتحقيق تبّدل يأخذ بتلابيب آسيا، خاصة بعد نجاحها في اكتشاف العالم الجديد أميركا (عام 1492) واستصفاء خيراته، ورفع لواء المسيحية في أرجائه، وطبعه بطابع أوروبا. غير أن آسيا، الهدف الأكبر، بقيت شبه مغلقة يصعب اختراقها. إن جميع الأوروبيين، من البرتغاليين إلى الأسبانيين ومن جاء بعدهم من الهولنديين والإنجليز والفرنسيين، اضطروا أن يقنعوا بمحطات على سواحل آسيا، ممثلة بتلك الوكالات التجارية والحصون والمعاقل الحربية والإرساليات الدينية. واكتفوا من حلمهم العريض بالاتجار مع سكان البلاد الذين رضوا بالتعامل التجاري. كذلك قنعوا باعتناق قلّة ضئيلة من السكان للمسيحية. لقد اكتفوا بامتصاص الخيرات من بعض أطراف آسيا التي تحرّقت قلوبهم _حسب مونسييه_ لامتلاكها (لاحظوا: امتلاكها!) لكنهم لم يبدّلوا إلا قليل القليل من بعض مظاهرها. لقد جاب البرتغاليون والاسبانيون الشرق والغرب تفادياً منهم للإسلام الذي كانوا يجدونه أينما حلّوا. وفي دورانهم حول جنوبي أفريقيا أرادوا الالتفاف حول المسلمين وأخذهم من الخلف، لكنهم أينما اتجهوا كان المسلمون ينتصبون أمامهم. وقد أتضح لهم أن الإسلام يؤلف قوة أضخم مما ظنوا، وأنها قوة آخذة دوماً بالانتشار السريع.

محور العالم ومركز ثقله

يتابع مونسييه: فمن المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي. من شطآن المغرب الأقصى حتى تلك الجزر التي تفيض بالتوابل، حتى بكين، في جميع هذه الفيافي والسباسب التي تحيط بالعالم القديم إحاطة السوار بالمعصم. من الصحراء الكبرى والمغرب والجزيرة العربية وآسيا الصغرى وفارس وأفغانستان والتركستان. من شمال غرب الصين، ومقاطعة كنصو، ومن سورتشيو، مروراً بالمجتمعات التي يزخر بها التركستان الصيني. إلى ما وراء لان _تشايونغ _ هيا، وحتى مشارف سي _ نغان. وفي كوانغ _ تونغ. وفي مرافىء الصين وحواضرها التجارية الكبرى، حيث أقبلت قوافل التجار المسلمين وأسست لها مجتمعات تنعم بالكثير من الامتيازات والإنعامات والنفوذ. أينما توجّه البرتغاليون والاسبانيون والهولنديون والإنجليز والفرنسيون، وجدوا أمامهم مرسلين مسلمين ودولاً إسلامية قائمة راسخة، ووجدوا تجاراً مسلمين من جميع العروق والأجناس يعدّون بالملايين. وهكذا بدا لهم الإسلام كلّي الحضور، حتى أن الأب لا شيز، مرشد لويس الرابع عشر، أيقن بأن أسيا كلها إسلامية. غير أن الفشل الذي مني به الأوروبيون في محاولاتهم "امتلاك" آسيا مثلما امتلكوا أميركا لم يثن الأنجلوسكسون منهم عن المضي قدماً في هذا الاتجاه. لقد حاولت لندن "امتلاك" الهند ففشلت، لكنها نجحت في استراليا. وحاولت واشنطن "امتلاك" فيتنام وتحويلها إلى قاعدة استيطانية رابعة، على غرار استراليا وجنوبي أفريقيا وفلسطين، لكنها فشلت، وهي ما زالت تحاول في فلسطين. وفي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين انهمكت واشنطن في تدعيم وتطوير مسرح حوض المحيط الهندي ليبلغ اليوم عسكرياً وسياسياً ذروة الكمال. وهذا المسرح يتضمن المحاور التالية: محور جنوب آسيا شمالاً ويطل على الصين وبلدان الاتحاد السوفيتي قبل زواله. ومحور استراليا والأرخبيل الاندونيسي وماليزيا شرقاً ويطلً على مسرح المحيط الهادي. ومحور أفريقيا الشرقية غرباً ويطل على مسرحي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. وأيضاً محور القارة القطبية الجنوبية.

إن مركز ثقل العالم، بقاعدته المادية والبشرية، يقوم في هذا الحوض الآسيوي عموماً، حيث في هذه المناطق تتراكم الثروات الثمينة التي لا تتوافر في المناطق الأخرى. ففي المنطقة العربية يوجد أكثر من ثلثي احتياطي النفط العالمي الذي هو دماء الحياة المعاصرة. وفي جنوبي أفريقيا يوجد الكوبالت واليورانيوم والذهب والماس والبلاتين والنحاس والمنغنيز والكروميت والحديد والفحم الحجري. وفي شبه القارة الهندية يوجد الحديد والمنغنيز والكروميت والبوكسيت واليورانيوم والفحم الحجري والبترول والجوت والشاي والقطن والأرز وقصب السكر. في بنغلادش وحدها يوجد أربعة أخماس المحصول العالمي من الجوت. وفي اندونيسيا وماليزيا وتايلاند يوجد احتياطي العالم كله تقريباً من القصدير، إضافة إلى المطاط الطبيعي والأخشاب الثمينة وبخاصة الخيزران. وفي استراليا توجد فلزات الألمنيوم، أي البوكسيت، حيث نصف احتياطي العالم من هذه المادة الفائقة الأهمية في الصناعات المعاصرة، إضافة إلى الخمس من رؤوس الأغنام في العالم والثلث من محصول الصوف العالمي. فإذا أضفنا إلى ذلك الثروة البشرية التي تمثل أكثرية سكان الأرض وجدنا أن هذا الحوض هو العالم حقاً، غير أن المركزية الأوروبية الأميركية جعلته ثانوياً وجعلت الثانوي رئيسياً!

العرب والمسلمون مأكولون مذمومون!

نحن في غنى عن القول أن دور العرب كان رئيسياً، قيادياً، وسلمياً ايجابياً في هذا الحوض عبر العصور. وقد رأينا رولان مونسييه، الأستاذ في السوربون، يتحدث عن قوافل إسلامية تجارية وبعثات إسلامية من مختلف الأجناس والأعراق وليس من العرب تحديداً. لقد دفع العرب ثمناً غالياً جداً بسبب دورهم الرئيسي القيادي، السلمي الإيجابي، في حياة آسيا وأفريقيا، فطوردوا في جميع أنحاء الحوض، وأبيدوا في بعض المناطق عن بكرة أبيهم، وبيع أطفالهم ونساؤهم كرقيق على أيدي الأوروبيين، وخاصة في المرحلة البرتغالية الإسبانية. لقد كانوا يحرقون العرب أحياء مع سفنهم التجارية من دون أي سبب على الإطلاق سوى إخراجهم نهائياً من طرق التجارة الدولية بقصد احتكارها!

اليوم، هاهي الولايات المتحدة، كحلقة أخيرة من حلقات هذا العصر الأوروبي الأميركي الفظيع، تضع يدها على حوض المحيط الهندي، مستبعدة شريكاتها، تتصرف كما لو أن آسيا ولاية من ولاياتها، إنما من دون منحها الحقوق التي لتلك الولايات!

إن الولايات المتحدة، بحضورها المباشر في بعض بلدان آسيا، تهدف إلى تحقيق المزيد من السيطرة على سكان هذا الحوض، وإلى احتلال موقع قوة لا يقبل التحدّي والمنافسة من قبل القوى الأخرى، كالصين واليابان وأوروبا، فهي تعرف جيداً أن النظام العالمي يتغيّر انطلاقاً من هذا الحوض، سواء بقيادة من سكانه أم بقيادة من غيرهم، ولا شك أن القوى الأخرى تعرف بدورها هذه الحقيقة.

وللدلالة على النتائج المادية الهائلة التي تحققها واشنطن وحليفاتها من وراء الهيمنة نعطي هذا المثال، من عقد السبعينات، عن مكوّنات سعر الليتر الواحد من البنزين، حيث في بلاد العرب يوجد معظم احتياطي النفط العالمي. فقد وضع النهّابون المرابون مكونات سعر الليتر الواحد من البنزين على النحو التالي:

1 سنتيماً واحداً نفقات إنتاج.

9 تسعة سنتيمات حصة حكومة البلد المنتج.

8 ثمانية سنتيمات تكاليف نقل.

13 ثلاثة عشر سنتيماً تكاليف تكرير.

14 أربعة عشر سنتيماً تكاليف توزيع.

21 واحداً وعشرين سنتيماً أرباح شركات النفط.

69 تسعة وستين سنتيماً ضريبة على استهلاك البنزين (في فرنسا).

135 المجموع

كما نرى، فإن الاحتكار النفطي يسيطر على جميع العمليات الرئيسية التي تتوزع عليها مكوّنات السعر! إن تكاليف عملية الإنتاج، أي ما يخص الحقول والموظفين والعمال، لا تتعدّى بمجملها سنتيماً واحداً فقط لا غير! إن تكاليف كل واحدة من جميع العمليات التي تليها تفوق التكاليف الزهيدة لعملية الإنتاج مضافاً إليها حصة حكومة البلد المنتج! إن تكاليف النقل لوحدها تعادل تقريباً تكاليف الإنتاج وحصة حكومة البلد المنتج! أما كل واحدة من العمليات الأخرى فتكاليفها ضعفيهما، بل أضعافهما! وحصة البلد المنتج على تواضعها الشديد تكاد تكون وهمية عندما تبقى في معظمها مودعة في مصارف وخزائن المرابين الدوليين، ويستحيل سحبها بحرّية، وتحسم منها بالراحة أسعار السلع التي يباع معظمها للبلد المنتج بما يشبه القسر! كذلك رأينا كيف أن حصة دولة الاحتكار، أي الضريبة التي تفرضها على المستهلك، تعادل سبعة أضعاف حصة دولة البلد المنتج، وكل هذا يعني بداهة تحقيق حياة متقدمة لمجتمعات الدول الاحتكارية تساعد في تجنيد الطاقات البشرية والمادية لهذه المجتمعات من أجل عمليات قهر وإخضاع سكان البلدان المنتجة، بل من أجل إبادتهم إذا تطلب الأمر ذلك!

خطوط الحرب الرئيسية الأمامية

إنه ليتوجب علينا أن نفهم السياسات الأميركية الصهيونية الحالية بناء على هذه الحقائق التاريخية العظمى، وليس بناء على تصريحات الحكام وتحليلات أجهزة الإعلام. فقد أعلن الرئيس الأميركي مؤخراً أن العراق جبهة حرب أمامية أولى، ودعا جميع الدول لمؤازرته، أما العنوان فهو القضاء على ما يسمى بالإرهاب! إنه "الإرهاب" الذي كان هندياً أحمر في القارة الأميركية، وكان شيوعياً في عهد الاتحاد السوفييتي، وصار إسلامياً في المرحلة الحالية بعد أن كان قومياً قبلها مباشرة!

إن فلسطين والعراق وأفغانستان، وغيرها، هي اليوم خطوط القتال الأمامية، على الجبهة الآسيوية الأفريقية خصوصاً وعلى الجبهة العالمية عموماً، في هذه الحرب المستمرة منذ عشرات بل مئات السنين، التي يحرص القائمون على إدارتها أن يخوضوها فصلاً فصلاً، وجزءاً جزءاً، تحت عناوين مختلفة كاذبة ولتحقيق أهداف تبدو صغيرة ومتنوعة بينما هي كبيرة وواحدة! إنهم يفعلون ذلك لتضليل الجماهير والشعوب وتحييدها، وللحيلولة دون تضامنها ووحدتها ضدّهم، وهم نجحوا في ذلك غالباً للأسف الشديد، حيث لا يزال البعض يجهل والبعض الآخر يتجاهل تاريخية وطبيعة هذه الحرب المفتوحة ضدّ الأمم جميعها. وهذا الجهل والتجاهل يضاعف بلا حدود أهوال الحرب وشرورها، ويطيل بلا حدود أمدها!

إن مصير العالم في هذه الحقبة الانتقالية سوف يتقرر في آسيا بالدرجة الأولى، سواء بقيادة آسيوية أم غير آسيوية، مشتركة أم غير مشتركة. وتقع على عاتق العرب تحديداً مسؤولية كبرى، لأن بلادهم ومجتمعاتهم وتاريخهم تشكل جميعها بوابة القارتين الآسيوية والأفريقية كما أسلفنا، وما الأهوال والكوارث التي تحلّ بهم، في أحد أهم أسبابها، سوى نتيجة لأهميتهم وأهمية موقعهم. غير أن العرب العاملين في ميادين السياسة والتوعية والتثقيف لا يولون اهتماماً لهذه الأبعاد التاريخية، ولا يربطون بينهما وبين الأحداث الآنية، ويجارون الأعداء في صياغاتهم وتفسيراتهم وتبريراتهم الملفقة، سواء بالنسبة للماضي أم بالنسبة للحاضر.

إن قضية فلسطين ليست إطلاقاً قضية وطن قومي يستحقه اليهود، فقد أوضح الصهيوني تيودور هرتزل، كما ذكرنا الهدف الحقيق من وراء إنشاء الكيان الصهيوني عندما كتب أنه سيكون قلعة منيعة للحضارة الأوروبية ضدّ آسيا! إنه لمن المروّع حقاً أن ينجح العدو في الإنفراد تماماً بالفلسطينيين، زاعماً أن المشكلة بينهم وبين اليهود فقط، وأن الخلاف يقتصر على أرض يدّعي كل من الطرفين حقه فيها! إنها لكارثة وإنه لعار أن نقبل بمثل هذه الصياغات الكاذبة، ونجلس نتفرّج بينما الفلسطينيون يبيدون في خط أمامي لحرب عالمية تستهدف آسيا وأفريقيا والأمم الأخرى! كذلك فإنها لكارثة وعار أن نجاري العدو في ادعاءاته بأنه جاء لتحرير الشعب العراقي من الاستبداد ونتجاهل أهدافه الكبرى التي يشكل احتلال العراق خطوة نحوها.

على أية حال، إن الصمود في خطوط الحرب الأمامية، في فلسطين والعراق، وسورية ولبنان، وإيران وأفغانستان، هو ما سوف يتكفّل بفضح أكاذيب الأعداء وبكشف مخططاتهم الشاملة البعيدة، والأمل كبير بأن يتحقق ذلك قبل فوات الأوان.

Hosted by www.Geocities.ws

1