أهداف تحشّدات جبل طارق !

 

 

بقلم:  نصر شمالي

 

 

 

يتوالى إرسال القوات العسكرية الاميركية والبريطانية إلى المشرق العربي وهدفها المعلن هو تدمير العراق، غيرأنها تجتاز ثغورنا البحرية بأمان واطمئنان ، من السويس وباب المندب  وهرمز، كأنما هي قوافل تجارية سلمية ، حيث تقدم لها الخدمات على أكمل وجه أثناء عبورها لهذه الثغور من دون أن تتخذ مجالس النواب العربية، باسم الأمة ، المواقف التي يتوجب عليها اتخاذها في حالة إعلان الحرب على قطر من أقطارها!

وفي المغرب العربي ، حيث يتوالى نزول الملايين من أبناء أمتنا الى الشوارع تضامناً مع العراق وفلسطين ، يتوجب علينا أن نتابع ايضاً تدفق القوات الاميركية والبريطانية الى الثغر الرابع من ثغور الوطن العربي : مضيق جبل طارق !

 

لاتناسب بين السبب والفعل !

 

لقد نشرت الصحف الاميركية مؤخراً ( واشنطن بوست ) أن الولايات المتحدة تعمل على زيادة حجم قواتها في مضيق جبل طارق ، بإضافة إحدى عشرة سفينة حربية، وفرقاطة مطوّرة ، وخمس مدمّرات ، وعدد من الغواصات ، إضافة الى تواجد البارجة ترومان التي تحمل 85 طائرة مقاتلة ، وحوامتين مقاتلتين، وأكثر من خمسة آلاف جندي ، كل هذا وغيره الى جانب الاسطول الاميركي السادس المخصص أصلاً لمنطقة البحر الأبيض المتوسط !

إن واشنطن ولندن تبرّران هذه التحشّدات العسكرية الإضافية الضخمة بحجة القلق من إمكانية وقوع " عمليات ارهابية" يتوجب عليهما الحيلولة مسبقاً دون وقوعها . ويقول الاميركيون أن " الخلية النائمة " التي اعتقلت في المغرب كانت تمهد لتحويل المملكة المغربية الى قاعدة لتنظيم وتوجيه العمليات الارهابية ضد اسطول حلف شمال الاطلسي المرابط على الدوام في مضيق جبل طارق ! أي انهم يقولون بأن هذا الاسطول لايستطيع الدفاع عن نفسه ، ولابد من دعمه بكل ماذكرنا وأكثر ، فهل هذا معقول ؟!

بل إن الامر لم يقف عند هذا الحد، فالصحف تتحدث عن اتفاقية ، تم توقيعها من قبل السلطات الجمركية الاميركية والاسبانية ، تلزم اسبانيا بالسماح للموظفين الاميركيين بأن يفتشوا الناقلات التي ترسو في بعض الموانىء الاسبانية هناك ، وقد صرح روبرت بونر ، المسؤول الاميركي الجمركي ، أن الهدف من توقيع الاتفاقية هو الوقاية من هجمات إرهابية ضد المصالح الاميركية العسكرية والمدنية ! غير أن هذه الأسباب المعلنة تبدو غير متفقة إطلاقاً مع حجم الأفعال المتوقعة ، الأمر الذي يدفع الى الاعتقاد بأن هذه الاتفاقية هي سلاح حربي مهمته التحكم بالتجارة الدولية ، أو إرباكها على الأقل لصالح الاهداف الاميركية ، في إطار محاصرة اوروبا اقتصادياً وعسكرياً !

 

اوروبا هدف رئيسي للتحشّدات !

 

إن التوضّع العسكري الاميركي والبريطاني في مضيق جبل طارق ، بالإضافات الضخمة التي طرأت عليه ، هو عمل يتراوح بين ضرب  الحصار وبين الجاهزية لعمل قتالي ، وبما أن الاميركيين والبريطانيين لايساورهم أدنى قلق تجاه الدولتين الصديقتين على شاطئي المضيق فإن الحديث عن " خطر الارهاب" يصبح ممكناً لكنه ليس مقنعاً ، لأن الموقف لايحتاج الى أكثر من دعم الجهد الأمني لكل من المملكة المغربية والمملكة الاسبانية اللتين لاتمانعان ابداً في التنسيق والتعاون المباشر الى أبعد الحدود ضد أعداء الولايات المتحدة وبريطانيا ، وهكذا ، فإن توقع عدوان ارهابي ، بواسطة قارب مطاطي مثلاً ، لايحتاج الى هذه الحشود العسكرية الإضافية، البرية والبحرية والجوية، التي تليق فقط بحرب عالمية !

والحال أن هذه الحشود في جبل طارق وغيره تتحرك وتتوضّع حقاً في نطاق ترتيبات حرب عالمية . إن الهدف الرئيسي من تحشّدات جبل طارق هو اوروبا الغربية ممثلة بفرنسا والمانيا ، ومهمتها هي إحكام الحصار اولاً ، غير أن وضعيتها وتجهيزاتها تسمح لها بأن تتحول الى قوات زاحفة عبر اسبانيا باتجاه الشمال إذا ما تطلّب الأمر ذلك ( وهو لن يتطلب ذلك على الأغلب ) فاوروبا لايمكن مهاجمتها بّراً إلا بواسطة قوات متحشّدة سلفاً في منطقة جبل طارق وظهرها الى المغرب العربي ، وعلى يسارها من جهة  الغرب المحيط الاطلسي المتصل مباشرة بلا انقطاع بالولايات المتحدة وبريطانيا، أما السواحل الاوروبية الغربية الاطلسية فهي شديدة الوعورة وغير ملائمة الى حد كبير للإنزالات العسكرية !

 

سلسلة تربط المغرب بالمشرق !

 

يعتبرمضيق جبل طارق من أهم الممرات البحرية الدولية ، ومن أهم الثغور العربية / الاوروبية . إن خمس التجارة الدولية تمر عبر هذا المضيق . وعلى صخرة جبل طارق تقوم مدينة صغيرة تديرها إدارة محلية تحت السيادة البريطانية . وقد ذهب البعض الى ربط تلك التحشّدات الاميركية والبريطانية بالاستعدادات الجارية للعدوان على العراق، غير أن مثل هذا الربط لايمكن فهمه إلا إذا اعتبرنا العراق جبهة من جبهات حرب عالمية، فالإدارة الاميركية، سواء في العراق أم في هرمز والخليج العربي ، أم في باب المندب والسويس ، تحكم سيطرتها على هذه الممرات الدولية كي تحكم قبضتها على عنق العالم أجمع ، فهي تخنق دول الشمال بإعاقة اتصالها الحرّ  بالجنوب ، بافريقيا وغرب آسيا ، بل وبشرق آسيا أيضاً !

هاهنا تبرز الأهمية الاستراتيجية لموقع الوطن العربي الذي لايمكن أن ينهض نظام عالمي أو امبراطورية عالمية بمعزل عنه ومن دونه . وهكذا فان التحشّدات العسكرية الاميركية في أقصى المغرب العربي هي حلقة في سلسلة واحدة ، متضافرة ، تمتد الى أقصى المشرق العربي ، مروراً بالكيان الصهيوني ، وببعض الدول العربية المتعاونة طوعاً أو كرهاً !

 

الولايات المتحدة والمغرب العربي !

 

منذ أواخر القرن الثامن عشر تعرضت دول المغرب العربي الأربع ، جميعها على التوالي ، لعدوان السفن الحربية الاميركية ، وقد حدث ذلك في معرض المزاحمة الضارية بين واشنطن ولندن على تجارة الأفيون الذي كانوا يشحنونه الى الصين !

لقد وقعت الاعتداءات العسكرية الاميركية على بلدان المغرب العربي بهدف إرغامها على توقيع اتفاقيات لخدمة السفن الاميركية دون غيرها أو أكثر من غيرها ، وأيضاً لتخفيف تكاليف تلك الخدمة الى أدنى حدّ ممكن . وهكذا استمرت عمليات قصف دول المغرب العربي من البحر ، على التوالي واحدة فواحدة ، منذ عام 1801 وحتى عام 1816 ، وتجدر الاشارة الى أن تلك العمليات العدوانية سجّلت وخلّدت في الأبيات الأولى من نشيد مشاة البحرية الاميركية ، التي تقول : " من تلال موتيسوما الى سواحل طرابلس/ في السماء وفي الأرض وفي الجو / خضنا معارك الوطن " ! لقد أقنعوا، ربما، جنود البحرية انهم يخوضون معارك الوطن بينما هم كانوا يخوضون معارك تجار الأفيون ! واليوم أيضاً يحاولون إقناعهم أنهم يخوضون معارك الدفاع عن الولايات المتحدة بينما هم سيخوضون معارك تجار النفط والسلاح ،  والمخدرات أيضاً !

أخيراً ، لابد من التذكير بأن نجاحات تجار الأفيون في استخدام السفن الحربية ضدّ بلدان المغرب العربي ، في مطلع القرن التاسع عشر ، كانت السبب الرئيسي الذي جعل حكومة واشنطن تتخذ قرارها عام 1820 بتشكيل أسطول بحري حربي ، دائم الحضور في البحر الابيض المتوسط، وجعلها ترغم اسبانيا ( مثلما ترغمها اليوم) على تخصيص مرفأ ماون في جزر الباليار كقاعدة دائمة لذلك الأسطول الذي كان نواة الأسطول السادس المعاصر !

 

Hosted by www.Geocities.ws

1