المال إمبراطور هذا العصر!

بقلم: نصر شمالي

ليست الوثنية وقفاً على عصر بعينه، فالأوثان الآلهة تتواجد متعدّدة من مختلف الأنواع في أنظمة القهر عموماً، حيث لكل فئة باغية وثنها الإله الساهر على رعاية مصالحها الأنانية، والعجل الذهبي هو وثن الفئة الباغية في هذا العصر!

في بداية الحياة الإنسانية كان عالم ما وراء الطبيعة ضيقاً جداً بسبب ضيق عالم المشاهدة الإنسانية، وكانت الأوثان الآلهة بسيطة وساذجة في مستوى بساطة وسذاجة الإنسان، ثم صارت الأوثان الآلهة بشراً، أو صار البشر آلهة، مع تقدّم الحياة المادية واتساعها نسبياً، ففي عصر الرق والعبودية القديم كانت الآلهة من الآدميين رجالاً ونساء، من المتفوقين والمتفوقات، يجوعون ويأكلون ويظمأون ويشربون، ويحبون ويتزوجون، ويكرهون ويقتلون، ثم يشيخون ويموتون. لقد جعل سادة عصر الرق والعبودية القديم من طبقتهم الاجتماعية تجسيداً لعالم الآلهة كي يتحكموا بنظام المجتمع ومصائر الناس، وجعلوا من تجريد الآلهة، وتمثيلها لهم أو تمثيلهم لها، رمزاً لخلود نظامهم الظالم!

أما في هذا العصر العبودي، الرأسمالي الاحتكاري الرّبوي، فقد أصبح المال هو الوثن الإله، أو الإمبراطور الإله، حيث الرأسمالي الليبرالي الملحد يرى أن المصلحة العامة تتحقق من خلال تحقق مصلحته الخاصة، وعلى سبيل المثال، كان صاحب احتكار سيارات كرايزلر الأميركية يردّد:"إن ما هو جيّد لكرايزلر جيّد لأميركا"! إن الرأسمالي الوثني يدعو إلهه كي يساعده بالباطل أو بالحق ضدّ منافسيه في السوق، أي أن إلهه المفترض متحيّز، ولا يمكن أن يكون إلهاً لجميع الناس!

أوثان الاحتكاريين المرابين الصهاينة

ليست الوثنية سوى تجميد حياة الناس عموماً بواسطة القهر لصالح أقليات ضئيلة، والأوثان هي كل آلهة تحرس هذا الجمود، وكل عقيدة تعيق التطور والعدل والحق، وقد سمعنا مؤخراً كلاماً صدر عن شخصية، هي الأرفع مكانة سياسية في عالمنا الحاضر، تضمن أن إلهه أمره بتدمير هذا البلد وذاك، وأمره بحلّ مشكلة الشرق الأوسط! وبما أن الوحي توقف، والرسائل السماوية اختتمت منذ ألف وأربعمائة عام ونيف، فلا بدّ أن الذي أمره هو الوثن الإله، أو الإمبراطور الإله، إنه المال، فالمال وحده هو صاحب المصلحة الأولى في تدمير هذا البلد وذاك، والمال وحده هو صاحب المصلحة الأولى أيضاً في إعادة تشكيل وصياغة ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط بالصورة التي تلائمه وتخدم مصالحه الرّبوية.

لقد ذكرت الأنباء أن اجتماعاً لاتحاد الحاخامين اليهود عقد قبل أيام، وضم خمسمائة منهم، وأن المجتمعين خلصوا إلى نتيجة مفادها أن خارطة الطريق تتناقض والتوراة! وأن الحاخام المدعو ليبانون قال:"لم نكن قط في خطر مثلما نحن اليوم، فلا يوجد ما يمكن تعزيزه، وليس لنا خلفية، والحكومة قررت (إفساح المجال) لسيادة أجنبية في "إسرائيل"، وإن الأرض تشتعل تحت أقدامنا"! أما الحاخام الآخر، مردخاي الياهو، فتحدث عن قدسية كل ذرة مما سماه "أرض إسرائيل". قال الياهو:"لا حق لأحد أبداً من السقائين والحطابين وحتى رؤساء الحكومات في التنازل عن ذرة واحدة من أرض إسرائيل، فالرب تعالى اسمه أعطانا أرض إسرائيل، وفي كل ذرة منها قداسة"!

القدس عاصمة وثنية موحدة!

إنه لمن الواضح تماماً أنهم يتحدثون عن إله وثني خاص بهم، يتاجر بالعقارات ويرعى مصالح المرابين وحدهم، وما التأكيد على قدسية كل ذرة من تراب فلسطين العربية المحتلة سوى التأكيد على أهمية موقع فلسطين كنقطة التقاء بين ثلاث قارات، تضمن السيطرة عليها التحكم بشعوب القارات الثلاث. ومن هنا نفهم مغزى إصرارهم على أن القدس عاصمة موحّدة أبدية لليهود، فالإدارة الأميركية تعدّ كي تكون القدس عاصمة إقليمية ربويّة، أميركية صهيونية، وقد انكشف ذلك علناً منذ التسعينات، إنها لن تكون عاصمة يهودية ولا مسيحية ولا إسلامية، بل أميركية صهيونية، فإذا سارت الأمور كما يخططون فسوف تصبح القدس مقراً إقليمياً للمال الإله، أو الإمبراطور الإله، يقيم فيها أنطونيو الأميركي وخليلته الإقليمية كيلوباترا، ولسوف يمتعنا مثقفونا مرة أخرى بأغانيهم ومسرحياتهم ودراساتهم الفخورة عن كيلوباترا الحديثة وعلاقتها الشائنة، طالما أنهم يفخرون بكيلوباترا القديمة، لا ندري لماذا!

انظروا.. هناك ستقام السفارة؟

على هامش قمة شرم الشيخ التي عقدت في التسعينات من القرن الماضي، وقف الرئيس الأميركي بيل كلينتون في شرفة فندقه في القدس، ودعا من حوله لرؤية قطعة الأرض التي ستنهض عليها السفارة الأميركية، وقد كان مقرراً يومها أن ينهض هيكلها في عام 1999. لقد أشار الرئيس الأميركي بيده إلى ثلاثين ألف متر مربع من أرضنا المحتلة. فإذا سارت الأمور كما يشتهي الإمبراطور الوثني، ولم تقع أحداث معيقة من النوع الذي يحذّر منه الحاكم العربي، فإن الإدارات المحلية في المنطقة، بما فيها الإدارة اليهودية، سوف تواصل ترويض مجتمعاتها وتحضيرها وتطويعها للانخراط في خدمة المال الإمبراطور، فالمشروع الشرق أوسطي الذي سينهض بعد حل مشكلة الشرق الأوسط، أي بعد إخضاعنا وتطويعنا، هو مشروع مالي ربويّ عالمي، وهو يحتاج، إضافة إلى المال والمكنات والمنشآت، كتلة بشرية مستعبدة كافية، هي جزء أساسي من رأس المال الرّبوي العالمي المطلوب.

إضافة العراق إلى الكتلة البشرية!

منذ سنوات كان هناك الكثير مما يشير إلى أن الكتلة البشرية، الضرورية لخدمة رأس المال الإمبراطور، سوف تتشكل حسب إرادة الإمبراطور الوثني من اليهود والفلسطينيين والأردنيين، الذين يتعرضون جميعاً اليوم لمحاولات ترويضهم وإعدادهم قبل إدخالهم في فيدرالية أو كونفيدرالية أو ما أشبه ذلك، وهاقد أضيف إليهم العراق الآن، أما الإدارة الإقليمية، أو المسؤول التنفيذي، فإن الحاكم بأمره في العراق المحتل يعطينا صورة عنه!

إن البرنامج الإمبراطوري الوثني مندفع على طريق صهينة وطننا من المحيط إلى الخليج، وهو يتقدم بينما يتظاهر بالتراجع، ويبسط هيمنته على المزيد من المناطق والأقطار بينما يحاول إيهامنا أنه ينسحب، أو مستعد للانسحاب، وأطرافه المحلية والدولية تتظاهر بالاختلاف والتناقض بينما تزداد تناغماً وانسجاماً وتكاملاً وتلاحماً!

نعود فنقول أن مصير العرب هو مصير فلسطين، والقدس منها في القلب، إن هلكت هلكوا وإن نجت نجوا، غير أن الوثنيين، عبدة الإله المال، لم ينجحوا حتى هذه اللحظة في اختراق البنية التحتية للأمة العربية والإسلامية، فيكون احتمال النجاة هو المنطقي والأقوى، وهلاك الوثنية الرّبوية هو المرجّح، حيث الأمة لم تدخل ميدان الصراع بإرادتها وبثقلها بعد، ومن الواضح أنها اليوم على وشك الدخول.

 

Hosted by www.Geocities.ws

1