العربي الطيب هو العربي الميت !

بقلم: نصر شمالي

يتعرض أهلنا في فلسطين لعملية إبادة كاملة، شاملة، منظمة بإحكام، والأهم أنها صريحة معلنة، يحظى فيها الصهاينة اليهود بالدعم المطلق، الصريح والمعلن أيضاً، من قبل الإدارة الأميركية، إضافة إلى الصمت المطبق الدولي الذي هو تواطؤ ضمني! إن الفلسطينيين العزّل يواجهون ببطونهم الخاوية وأجسادهم العارية عمليات الدبابات والطائرات الإسرائيلية الأميركية العملاقة، تقصفهم في بيوتهم ليلاً نهاراً، غير عابئة بالأطفال والنساء والشيوخ، فكأنما هي تقصف المعسكرات والجيوش التي صنعت من أجل قصفها! إن هذا كله يحدث على مدار الساعة، وتحت أنظار وأسماع الجميع، لتحقيق أهداف لا يوارب العدو في إعلانها، تتلخص بإفناء الشعب الفلسطيني ! غير أن الواقعيين المتحضرين من العرب لا ينبسون اليوم بحرف واحد، وهم الذين كانوا بالأمس يطلّون بكثافة عبر شاشات التلفزة ويصبّون جام غضبهم ضدّ فتيان فلسطين الاستشهاديين! إن عمليات اغتيال القادة السياسيين العزّل تباعاً لم تحرّك فيهم ساكناً، ومحاولة اغتيال الشيخ ياسين، بوضعه الصحي المعروف، لم تنل من صمتهم، فهل هم محرجون، أم متواطئون؟

المساواة بين الظالم والمظلوم !

كانت المقولة التي تمت على أساسها عمليات التطهير العرقي في القارة الأميركية هي مقولة: الهندي الطيب هو الهندي الميت! لقد تواصل العمل بهذا المنطق الوحشي حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى عهد الرئيس المبجّل أبراهام لينكولن الذي أنجزت في أيامه عمليات التصفية النهائية. وعندما بدأ الصهاينة اليهود عملياتهم الإبادية الاستيطانية في فلسطين، في القرن العشرين، كان العالم قد تغيّر كثيراً، وصار من الصعب التلفظ بهكذا مقولات، فراحوا يعملون بمضمونها جزئياً وبأساليب مخاتلة. ولكن، هاهم اليوم يعلنونها صريحة مدوية: العربي الطيب هو العربي الميت! ولإحداث البلبلة في صفوف العرب، ولتمكين المتحضرين الواقعيين من لعب الدور المطلوب منهم ضد أمتهم، فإنهم يتظاهرون بأن عدوهم هو الإرهاب الإسلامي، وأنهم سيبيدون الإرهابيين الإسلاميين، آملين ممن ليسوا كذلك أن يساعدوهم! وقد كتب مؤخراً أحد الواقعيين المتحضرين العرب أن الوباء هو " الاحتلال والسلفيون"، فساوى بين الظالم والمظلوم، بين القوي والضعيف، بين الحاكم والمحكوم، بين النظامي المعلن وغير النظامي المتواري! ومثل هذه المساواة ليست مريبة بل مدانة، حتى وإن كانت ممارسات الثاني مخطئة، بل إجرامية، وقد عبّرت سورية أكثر من مرة عن استهجانها لمثل هذا المنطق، وأوضحت أن ما يسمى بالإرهاب يزول فقط بزوال أسبابه.

معارضة واشنطن معارضة للإسلام !

إن الحرب تشنّ اليوم ضدّ الإرهاب الإسلامي، مثلما كانت تشن في الماضي ضدّ الإرهاب الهندي الأحمر، وبالأمس ضدّ الإرهاب الشيوعي تارة وضدّ الإرهاب القومي تارة أخرى، فالعدو حريص أشدّ الحرص على صياغة العناوين المخاتلة المضللة، وعلى إخفاء حقيقة دوافعه وأهدافه. وبمناسبة حربه الشرسة اليوم ضد المقاومة الوطنية القومية بحجة القضاء على الإرهاب الإسلامي، تستحضر الذاكرة احتفال المركز الإسلامي في واشنطن باليوم الأول من السنة الهجرية، في العاشر من أيار/ مايو 1994، ففي ذلك العام كان الحدث الملفت هو حضور نائب الرئيس الأميركي ألبرت غور، وإلقائه كلمة عبّر فيها عن تقدير الولايات المتحدة واحترامها للدين الإسلامي وما يدعو إليه من مبادىء وقيم سامية. قال غور يومئذ: إن الإسلام دين عظيم يدعو إلى السلام، والعدالة، والمحبة، والتعايش، والوحدة، والتنوّع! إنها مبادىء وقيم ستة عدّدها وحدّدها بوضوح. ولكن، هل كان ذلك الاعتراف بمزايا الإسلام موقفاً سياسياً أم قناعة مبدئية؟ طبعاً، ليس هناك من لا يتمنى أن يكون الموقف الأميركي من الإسلام مبدئياً. غير أن غور أضاف بوضوح وحزم ما يلي: لقد قامت الولايات المتحدة أساساً على الوحدة والتنوّع، فلا مجال فيها للحقد والكراهية والتمييز والبغضاء! قال غور أن بلاده هي أمّ مبادىء التسامح والعدالة والتعايش! فما معنى كلامه؟ معناه أن الولايات المتحدة طالما هي كذلك (وبالطبع، هي ليست كذلك) فإن جميع العهود الأميركية، منذ تأسيس الولايات المتحدة، كانت دائماً إسلامية، وبالتالي فإن كل مسلم يعارضها إنما يعارض الإسلام!

الولايات المتحدة دائماً على حق!

لم يقل ألبرت غور يومئذ أنهم، في واشنطن، لم يكونوا يفهمون الإسلام في السابق وفهموه مؤخراً، ولم يقل أن المسلمين عموماً يتعرضون للظلم، وأنهم على بعض الحق في معارضتهم لواشنطن التي ارتكبت ضدّهم، ولو عن جهل، جرائم مروّعة، ليس أولها ولا آخرها زرع الكيان السرطاني الصهيوني في بلادهم. لم يقل أن حكومته سوف تعيد النظر في سياساتها الخاطئة الناجمة عن الجهل بالإسلام والمسلمين، وأنها سوف تنصفهم. كلا، بل تحدّث بمنطق من يعرف الإسلام أكثر من المسلمين، وأن الولايات المتحدة منذ تأسيسها كانت دائماً على حق حسب المعايير الإسلامية! وعلى هذا الأساس فإننا، لكي نكون مسلمين حقاً (أو مسيحيين أو موسويين) ينبغي الإقرار بذنوبنا القديمة والجديدة، والاستغفار عمّا بدر ويبدر منا بحق واشنطن، والالتزام بسياساتها من دون قيد أو شرط، مثلما ينتظر من أي مؤمن، مسلم، طيب، أن يفعل!

لقد أشار غور في خطابه ذاك إلى زيارة مماثلة للمركز الإسلامي الأميركي قام بها الرئيس الأسبق دوايت ايزنهاور عام 1957، ووصفها بأنها كانت مؤشراً على مبادىء التعايش والتفاهم والتنوّع المكرّسة في الولايات المتحدة! ولكن، أليس معروفاً لجميع الناس أن ايزنهاور كان يسعى في ذلك العام إلى إقامة أحلاف عربية إسلامية تدور في فلك واشنطن وتتعاون مع الكيان الصهيوني؟ لقد كان حلف بغداد هو نموذج التعايش والتفاهم الإسلامي، أما الذين قاوموه فكانوا ضدّ الإسلام، ويستحقون الإبادة، وهم عوملوا بالفعل على هذا الأساس!

الفناء في الذات الأميركية!

أن يتحوّل القرآن الكريم إلى كتاب أثري، مثل "كتاب الموتى" الفرعوني، وأن يتحوّل العرب والمسلمون المعاصرون إلى كائنات أثرية، أي بائدة، مثل حضاراتهم القديمة البائدة الفرعونية والفينيقية والسومرية، وأن يتحوّل حاضرهم مثل ماضيهم إلى مجّرد ذكريات وآثار في المتاحف، وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم إلى طقوس كرنفالية موسمية، فإن هذا ما يناسب الأميركيين وما يشجعونه بحماسة، حيث الدين الحق هو الذي لا يتعارض مع السياسات الأميركية ومع نظام الربا العالمي. إن المؤمنين هم أولئك المتفانين في الذات الأميركية إلى درجة الانصهار والإنمحاق، أما من لا يفعل ذلك طوعاً فسوف يطبّق عليه كرهاً، بالحديد والنار! لقد قرّر هذا المنطق مصير الهنود الحمر، فهل سينجح في تقرير مصير العرب والمسلمين؟!

Hosted by www.Geocities.ws

1