العراق والمشروع الامبراطوري الاميركي
بقلم : نصر شمالي
يعتقد الكاتب الاميركي نورمان ميلر أن هناك أسباباً أساسية غير معلنة وراء استعدادات الرئيس بوش وجماعته لشن حرب ضدّ العراق ، ومن هذه الأسباب استنتاجهم أن السبيل الوحيد لإنقاذ اميركا وانتشالها من انحدارها الحالي يستدعي تطوير نظامها الى حضور عسكري أعظم شأناً، والسير بها نحو جعلها امبراطورية. أما عن مظاهر انحدارها، أو اضمحلالها، فيقول ميلر أنها لاتقتصر على فضائح الشركات، والكنيسة، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، بل تتعداها الى الأطفال الذين لم يعودوا قادرين على القراءة، والى الانحدار المخيف في سوية المدارس والجامعات ، حيث الدراسات الأساسية كالعلوم والتكنولوجيا والهندسة تتراجع بشكل لافت ، وحيث عدد الحائزين على درجات الدكتوراه من الاميركيين في تناقص مستمر، بينما عدد الآسيويين المتفوقين والخريجين في الميادين نفسها يتزايد بوتائر عالية!
الشرق العربي والصين الشعبية!
ماالذيسيترتب على ذهاب الادارة الاميركية الى الحرب؟
إن هذا الاتجاه المأساوي المحتمل سوف يحوّل الولايات المتحدة الاميركية الى جمهورية موز كبيرة يكتسب فيها الجيش أهمية متعاظمة في حياة الاميركيين، ويشكل غلافاً يزداد سماكة باستمرار بينما هو يلف النظام الاميركي ، وسرعان ماسوف تستسلم الديمقراطية! يضيف ميلر : إن خبرتي الطويلة مع الطبيعة الانسانية، وقد بلغت الثمانين من العمر، تقول أنه من الممكن أن تكون الفاشية ، وليس الديمقراطية، هي الوضع الطبيعي الذي سينشأ ! لسوف ندعي في السنوات المقبلة للدفاع عن الديمقراطية، وسيكون الأمر غاية في الصعوبة، لأن خليط عالم الشركات، والجيش، والتوظيف الكامل للعلوم، سبق أن أرسى أجواء ماقبل الفاشية!
الأجواء المؤسسة للفاشية الاميركية!
هناك من يفصلون بين العهود الاميركية المتوالية ويميّزون بينها، بينما هي حقاً سلسلة متوالية الحلقات، فعهد كلينتون مجرّد إضافة لعهد بوش الأب، وعهد بوش الابن هو مجرّد إضافة لعهد كلينتون، حيث الاختلاف والتمايز ربما يقتصر على بعض المظاهر والأساليب لاأكثر، بينما الاسترايتيجية العامة واحدة!
في عهد الرئيس الديمقراطي كلينتون تعرض العراق لأشد حالات الحصار وأفظع عمليات القصف الجوي، فهلك مئات الألوف من العراقيين، أما في فلسطين فقد شهد الاستيطان توسعاً هائلاً وسريعاً لم يشهده في أية مرحلة أخرى. وسواء في فلسطين أم في العراق، نجحت إدارة كلينتون الى حدّ كبير في ضبط ردود أفعال الضحايا وفي الحدّ من فعالية قواهم المنظمة . لقد كانت الاسترايتيجية نفسها ، واقتصر الاختلاف على الأسلوب فحسب !
في ايلول / سبتمبر 1999، وقف الرئيس الاميركي بيل كلينتون في نيوزيلاندا، مسنداً ظهره الى قاعدته العسكرية الضخمة في دييغو غارسيا، المقامة على أرض جزيرة غير مأهولة في عمق جنوبي المحيط الهندي، وأطل من فوق استراليا على مختلف أنحاء آسيا ، ليعلن أن هذه القارة العريقة بها محرمة على الاوروبيين إلا في الحدود التي تقررها إدارته وتسمح بها ! قال كلينتون : إن آسيا لن تكون موضوع مباحثات أو شراكات! وبعد ذلك بدأ في تشكيل قوة عسكرية اقليمية قوامها الأساسي من الاستراليين والنيوزيلانديين البيض، ثم انطلق وأعوانه يكيلون الاتهامات للحكومة الاندونيسية ، وخصوصاً للجيش الاندونيسي، بسبب انتهاك الديمقراطية وحقوق الانسان في تيمور الشرقية. وما هي تيمور الشرقية التي انتزعها كلينتون من وطنها الأم ؟ إنها عشرة مليارات دولار من النفط تم الاستيلاء عليها بالقوة جهاراً نهاراً ! إضافة إلى إقامة قاعدة عدوانية على أراضي تلك الجزيرة ! وهكذا فإن " الجو ما قبل فاشي " الذي أشار اليه نورمان ميلر قد نشأ في عهد إدارة كلينتون الديمقراطي، بل في عهود الادارات المتوالية التي سبقتها .