العراق مؤسس الاوبيك ، و المتعامل باليورو !

بقلم : نصر شمالي

    

          في قمة الأرض التي انعقدت عام 1992 خاطب الرئيس الاميركي جورج بوش الأب العالم قائلاً :

" لا يمكن التفاوض بشأن طريقة العيش الاميركية " ! و بما أن طريقة العيش الاميركية ليست شأنا خاصاً داخلياً ، بل تنهض على ابتزاز جميع دول العالم الأخرى و نهبها ، فإن الادارة الاميركية معنية جداً بكل ما من شأنه المساس بها ، في أي مكان ، و العراق شق عصا الطاعة فاستحق الضرب و الاحتلال المباشر ، كي يكون أيضاً عبرة لغيره من الدول !

     ان الحرب التي يشنها الانجلو اميركيون ضدّ العراق تهدف إلى الحفاظ على موقع اميركا في العالم كديكتاتورية ، فهذه الديكتاتورية هي التي تحافظ على طريقة العيش الاميركية غير الانسانية ، و هكذا فالعراق ليس خط مواجهة أمامي عربي ، و إسلامي و جنوبي فقط ، بل خط مواجهة أممي حقاً !

العراق المؤسس لمنظمة اوبيك :

     إن السيطرة على النفط هي الوسيلة الرئيسية للسيطرة على العالم ، و العراق حاول تجريد الولايات المتحدة من هذه الوسيلة ، و هو يدفع ثمن هذه المحاولة . و لكن ، قبل أن نعرض محاولته الحالية ، لا بد من العودة إلى عام 1960 ، لنرى دور العراق في محاولة مبكرة مشابهة ، ففي ذلك العام ، في عهد ثورة الرابع عشر من تموز / يوليو 1958 ، أقدمت شركات النفط الدولية على تخفيض الأسعار من طرف واحد ، فسارع العراق بقوة إلى الدعوة لعقد مؤتمر للدول المنتجة للنفط في بغداد ، و سرعان ما تشكلت " منظم الدول المصدرة للنفط – اوبيك " ، و صدرت عنها ثلاثة قرارات تضمن القراران الرئيسيان منها ما يلي :    1-ان البلاد المصدرة للنفط قد وجدت نفسها غير قادرة على السكوت عن موقف الشركات من إحداث تغييرات في الاسعار ، و هي تطلب من الشركات إبقاء الأسعار مستقرة ، و التراجع عن التخفيضات ، و عدم إدخال أي تغيير في الأسعار في المستقبل إلا بموافقة البلاد المنتجة ، و سوف يوضع نظام يكفل استقرار الأسعار عن طريق الرقابة على الانتاج ، كما سيقف الأعضاء صفاً واحداً لرفض العروض التي تتضمن تفرقة في المعاملة لصالح أحد الأعضاء من خلال تصرف تقوم به الشركات من جانب واحد .

2-تشكل منظمة البلاد المصدرة للنفط ( اوبك ) من العربية السعودية و العراق و إيران و الكويت و فنزويلا، و يمكنها قبول أعضاء جدد بإجماع الأصوات ، وهدف المنظمة الرئيسي هو توحيد السياسة النفطية،على أن تعقد الاجتماعات مرتين على الأقل كل سنة ، و أن تشكل أمانة عامة للمنظمة .

لقد كانت مبادرة العراق لإنشاء (اوبيك ) ذروة العاصفة التي شهدتها منطقتنا حينئذ ، و حققت نواة اتحاد دولي ينهض في وجه الشركات الاحتكارية ، و يومها أصرّت البلاد المصدرة بحزم ، بقيادة العراق ، على عدم السماح بتخفيض دخولها رغم تخفيض الأسعار ، غير أن الحكومات الاستعمارية، التي انحنت للعاصفة ، سرعان ما صارت تتحكم بالمنظمة معتمدة على بعض أعضائها !

 

العراق المؤسس للتعامل مع اليورو :

      لن نستعرض هنا السياسة الوطنية التنموية للعراق ، و خاصة في ميدان النفط ، ولا عن الحصار الانجلو اميركي الطويل الذي هدف لتدمير هذه السياسة و إخضاع العراق و إلا فالحرب و الاحتلال ، بل سنحصر الحديث بما أقدم عليه العراق المحاصر في العام 2000 ، حين بدأ يبيع نفطه مقابل اليورو بدلاً من الدولار ، مخالفاً بذلك القاعدة الثابتة التي وضعت منذ الحرب العالمية الثانية ، والتي تفرض الدولار الاميركي كعملة في التجارة الدولية ! لقد كانت مبادرة العراق هذه صائبة سياسياً بالطبع ، غير أنها مجدية تجارياً أيضاً،وسرعان ما بدأت دول أخرى بتحويل احتياطياتها في المصرف المركزي الى اليورو،وبالتوجه نحو استبدال الدولار باليورو في مبيعاتها، وفي مقدمة هذه الدول ايران وكوريا الديمقراطية ،اللتين استحقتا بذلك مع العراق لقب " محور الشر" ! أما فنزويلا فقد بدأت تفكر بالسير على الطريق نفسه ،فاستحقت تلك الأزمة القوية التي تابعنا فصولها ، والتي نجحت حكومتها الوطنية في السيطرة عليها!

الذعر من اعتماد اوبيك اليورو :

       ان انتقال منظمة "اوبيك" الى التعامل باليورو ، كقاعدة للتبادلات النفطية ، سيعّرض الاقتصاد الاميركي الطفيلي لأخطار جسيمة ، حيث سيترتب على الاقتصادات الدولية المستهلكة للنفط سحب الدولارات من أرصدتها في المصرف المركزي واستبدالها باليورو ، فيفقد الدولار الاميركي بذلك 40% من قيمته ، ويهجر المستثمرون الأجانب البورصات الاميركية ومجمل الأصول التي التي يسيطر عليها الدولار، ويدفع الاميركيون مبالغ إضافية كبيرة لقاء مستورداتهم ، أما العجز التجاري الاميركي فسوف يكون هائلاً ، حيث الطلب الأجنبي على الدولار الاميركي هو ما يموّل العجز في الميزانية الفيدرالية الاميركية منذ زمن ! لقد تحولت كوريا الديمقراطية ( الشريرة) في السابع من كانون الاول /ديسمبر عام2002 ، رسمياً عن التعامل بالدولار وبدأت باستعمال اليورو في التجارة، وايران حولت معظم احتياطيها في المصرف المركزي  الى اليورو ، وهمت فنزويلا بالسير على الطريق ذاتها، لكن الاعلان الاميركي عن محور الشر سبقها ونجت من التهمة الرهيبة! غير أن الحدث الخطير ، الذي أصاب واشنطن بالذعر، أو الجنون، هو إعراب منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبيك" عن اهتمامها بالتخلي عن الدولار الاميركي لصالح اليورو الاوروبي ، فصار لابد من إبادة العراق الذي فتح هذا الباب على مصراعيه ، وصارت الحرب ضدّه حتمية بسبب مباشر مفهوم أو من دون سبب على الاطلاق !

اوروبا هدف للحرب في العراق :     

      إن التحول الى اليورو بسرعة، وعلى نطاق واسع، كما صار متوقعاً قبل الهجوم على العراق ، عرّض سندات الخزينة الاميركية الى الخطر ، حيث المستثمرون الأجانب ،أصحاب الفوائض بالدولار الاميركي ، ينظرون الى هذه السندات باعتبارها استثماراً مضموناً، وبالتحول الى اليورو يمكن أن تفشل الولايات المتحدة في سداد ديونها والتزاماتها أمام المستثمرين ، بل ان الأمور قد تسوء أكثر ، وبسرعة مخيفة، اعتباراً من أيار /مايو 2004 ، حين تنضم عشر دول جديدة الى الاتحاد الاوروبي ، والى نظام اليورو ، حيث سيكون الاتحاد الاوروبي عندئذ مستهلكاً للنفط يتخطى الولايات المتحدة بنسبة 33%، وسيزيد الاوروبيون ضغطهم على الاوبيك للتجارة باليورو الاوروبي بددلاً من الدولار الاميركي وهذا الضغط سوف يكون مجدياً ، لأن الاتحاد الاوروبي يشتري لوحده أكثر من نصف إنتاج دول الاوبيك ( أميربتلر/ معركة اليورو و الدولار ) وهكذا فإنه لمن الوضح تماماً أن اوروبا هدف رئيسي من أهداف الحرب على العراق  المتمرّد ، الذي فتح الأبواب أمام أخطر الاحتمالات التي تثير جنون الادارات الاميركية !

المنظمات الدولية هدف للحرب أيضاً :

 

          تشكل المنظمات الدولية ضمانة للتعامل المنطقي والقانوني بين الدول ، ولو في الحدّ الأدنى ، وتجعل الادارة الأميركية تراعي بعض الأصول في العلاقات ، أحياناً وليس دائماً ، فقد رأينا ما أعلنه بوش الأب على العالم أجمع ، غير أن القضية العراقية أفقدت الاميركيين صوابهم  عندما جعلت المنظمات الدولية تتمسك بالحد الأدنى من الأصول ،فأداروا على الفور ظهرهم لهذه المنظمات بمختلف أشكالها واختصاصاتها، وأعلنوها حرباً على العالم أجمع ، واعتبروا العراق الخط الأمامي لهذه الحرب !

لن تسمح الادارة الاميركية لمنظمة اوبيك باستبدال دولارها باليورو الاوروبي ، وهي لن تتوانى عن نسف هذه المنظمة من جذورها ( العراقية ) إذا اقتضى الموقف ذلك ، والحرب ضدّ العراق هي مغامرة اميركية  كبرى لاحتلاله ، وإقامة نظام عميل يعيد العراق الى استعمال الدولار ، وأيضاً لإعطاء درس بليغ ومثال حيّ لأية دولة في المنطقة العربية تفكر باستعمال اليورو ، ولتذهب المنظمات الدولية الى الجحيم ! أما اوبيك ، تحديداً ، فإن نظاماً عراقياً عميلاً تأتي به الحرب الاميركية سوف يساعد واشنطن في القضاء التام على تحكمها بأسعار النفط ، وسوف يمكن واشنطن  من تحديد حجم إنتاج النفط في العراق ، بزيادته الى مستوى يتخطى حصص دول الاوبيك عند اللزوم ، الأمر الذي يؤدي الى خفض الأسعار عالمياً ، والى إضعاف اقتصادات دول الاوبيك ، والى منع هذه الدول من التخلي عن الدولار ، وهذا كله سوف يساعد كثيراً في ضمان سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي ، والحفاظ على طريقة العيش الاميركية ، فهل هذا ممكن التحقيق ؟ نحن نقول أن العالم بلغ حداً من الوعي ، والقدرة على المواجهة ، تجعله غير قابل للتحقيق .   

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1