استحالة حظر أسلحة الدمار الشامل !

 

?: نصر شمالي

 

بدأت  الولايات  المتحدة حملتها  الواسعة  النطاق  لضبط  التسلح  في العالم  بعد  انهيار  الاتحاد  السوفياتي ، وهي  ركزّت  خاصة  على الحدّ  من  انتشار  بعض  أنواع  السلاح، وخاصة  السلاح  النووي، غير  أنها  كانت  تعرف  جيداً، منذ  البداية، أن  مهمتها شبه  مستحيلة، ففي  نظام  عالمي  فاسد، عطّل  العمل  بالقوانين التي  وضعها  هو  ذاته، ليس  هناك  من سلاح  يمكن  حظره.

استحالة حظر  الأسلحة  الفتاكة:

إنه  لمن  شبه  المؤكد  أن  واشنطن، وهي  تشن  حربها  العالمية، وتقدم  على  احتلال  بعض  البلدان  كما  فعلت  في  أفغانستان والعراق، وكما  قد  تفعل  في  بلدان  أخرى، تخوض  حرباً  لا  تعرف  شيئاً  عن  نتائجها، فهي كلما  أوغلت  في  عملياتها  الميدانية سعّرت  أكثر وطوّرت أكثر  عين  ما  تسعى  إلى  إخماده  وإزالته، نعني  أسلحة  الدمار  الشامل من  أبسطها  وحتى  ذروتها  النووية. علماً  أن  الولايات  المتحدة تحولت  في  طابعها  الغالب إلى  مجرد  دولة  عسكرية يفوق  إنفاقها  الحربي  العسكري  مجموع  ما  تنفقه  دول  العالم  مجتمعة، وهي 191 دولة!

إن  قوات  الولايات  المتحدة  سوف  تتحول  بكل  ضخامتها  إلى  عبء  ترزح  تحته  شيئاً  فشيئاً  حتى  تتحطم  هياكلها، من  دون  أن  تحرز  تقدماً  حاسماً في  ميدان  ضبط  التسلح  العالمي المقاوم بمختلف  أنواعه، فهذه  القوات الأميركية تعمل  حصراً  لصالح  رأس  المال  الدولي  الرّبوي الذي  يعيش  اليوم  أزمة  مفتوحة  مستعصية  لا  علاج لها، والذي  يجد  نفسه  في  مأزق  تاريخي نوعي، بلا  هوية  وطنية  ولا  قومية ولا  إنسانية، وقد  فقد  كل  ضرورة موضوعية . إن  هذا  الواقع  اللامنطقي يجعل  حظر  أي  سلاح  أمراً  مستحيلاً حقاً، حيث انتقاء انتشار الأسلحة يستدعي انتفاء اشتعال الحروب، وانتفاء الحروب يستدعي  زوال  أسبابها، والاحتكارات  الرّبوية، التي  ترسم  السياسة الحربية للولايات  المتحدة هي  أبرز  أسباب  الحروب  المفتوحة.

انفلات  إنتاج  الأسلحة  النووية :

تستطيع الولايات  المتحدة  اجتياح  العراق بحجة  تجريده  من أسلحة  الدمار  الشامل النووية وغير  النووية إن  وجدت ، غير  أنها  سرعان ما سوف تجد  نفسها مدفوعة لاجتياح  بلد  آخر، بالحجة  ذاتها، وهي  قد  تواجه  بالأسلحة  التي  تبحث  عنها  في هذا  البلد  أو ذاك، وفي  هذا  الوقت أو في  وقت  آخر، غير  أن  مثل  هذا  السعي  الأميركي  المحموم يبدو  بلا  نهاية، إلا  إذا انكفأ  عند  عقدة  ما، وهو  احتمال  كبير، فبعد  انهيار  المعسكر  الاشتراكي  فتحت  الأبواب  على  مصاريعها  لتدفق  المخزون  الهائل من  أسلحة  الدمار  الشامل إلى  جميع  الجهات، وما  من  قوة في  العالم  تستطيع  إيقاف  ذلك  التدفق  الذي  حدث وانتهى  الأمر، والذي لم  تتلقفه  الدول  فحسب، بل  تلقفته  أيضاً  قوى  ومنظمات  غير  رسمية، ولا  شك  أن  التدفق  اتجه  إلى  المنخفضات ، مثل  الماء، أي  إلى المناطق  التي  تفتقر  إليه، حيث  لا  يعقل  أن  يتدفق  إلى  المناطق  العالية والمتخمة به، فإذا  كان  الأمر كذلك، وهو  كذلك على  الأغلب، فإننا  سوف  نرى  في  لحظة مواتية قادمة نتائجه  ضدّ  العملاق  الأميركي في المقام الأول.

الولايات  المتحدة  ليست  وحدها !

غير  أن  ما  يجب  أن لا  يغيب  عن  بالنا  هو  أن  القوى  العسكرية  للدول الاحتكارية الرّبوية الأخرى تساهم  في  قوة  القمع  العالمية التي  تقودها  واشنطن. صحيح  أن  جيوشها تبدو مستقلة بعضها  عن  بعض، لكن  جميع  مظاهر  استقلالها لا  تتعدى  الاستقلال الذاتي، الداخلي، وهذا  يشمل  جيوش  الدول  التي  ليست  عضواً  في حلف  الأطلسي ، مثل  فرنسا واليابان وأستراليا ونيوزيلاندا والكيان  الصهيوني. . الخ، فهذه  الجيوش  بدورها قوى  احتياطية للحلف باعتبارها جميعها  منخرطة في  نظام  دولي  واحد  قاسمه  المشترك  هو  الولايات  المتحدة، المساهم  الأول  والمستفيد الأول في  قوة  القمع  الدولية، ولا  يبدّل في  هذه  الحقيقة أن  دولاً احتكارية عظمى  تشعر  في  أحيان  كثيرة  أنها  مجرّد  أدوات  في  يد  واشنطن، وأنها  تعبّر  من  وقت  لآخر  عن  ضيقها وتململها  علناً.

إن وحدة  هذا  النظام  الاحتكاري الرّبوي  الدولي، بما  فيها  وحدة  قوته  العسكرية المشتركة، لا  يمكن  أن  تنفصم  أبداً  إلا  بزوال  النظام  الذي  يجسّدها، أي  بزوال  الرأسمالية الرّبوية الاحتكارية، فليس  ثمة  إمكانية  أبداً  للعودة  إلى  التعدّدية القطبية، وليس  بعد  هذه الوحدة، التي تقودها واشنطن منذ الحرب  العالمية الثانية، والتي  تعزّزت بانهيار  المعسكر  الاشتراكي، إلا  زوال الرأسمالية الرّبوية، فهذا النظام  الاحتكاري الرّبوي  الدولي  هو النظام  الوحيد  الممكن الذي  يؤمن  للمرابين  أسباب البقاء كاحتكارات دولية، أما ترابط  الاحتكاريين، أو  خلافاتهم، أو  تناقضاتهم، أو صراعاتهم، فلا  يمكن  أن  تحدث  إلا  في  إطار هذا  النظام، ما دام  هذا  النظام  قائماً  وما داموا  في  داخله.

تناقضات الاحتكاريين ومصالح الشعوب :

لم  يكن  مستحيلاً  في  أي  وقت  مضى، وهو  ليس  مستحيلاً  اليوم، تجاوز  القيود  المفروضة على  مراكز الإنتاج المباشر للأسلحة  المحظورة، بالرغم  من  جميع  الصعوبات ، فقد  كانت  بعض  الدول  النائية تحصل  على  بغيتها من  هذه  الأسلحة، حيث  يتواجد  دائماً  متعهد أو  وسيط، مثل  رامسفيلد  وزير  الدفاع  الأميركي الحالي  الذي  كان  وسيطاً متحمساً لتسليح  العراق، وليس  شرطاً  أن  يكون  المتعهد  الوسيط من  أبناء  البلد  المنتج، ولا  تعيقه  جنسيته في  ترتيب  الأمور  مع  بلد  صناعي  راغب  في تصدير  منتوجاته  بل  وخبراته  النادرة. إن شركات  عملاقة، فرنسية  وإيطالية  وبلجيكية وبريطانية، راحت  قبل  زمن  تنتج في  البرازيل أسلحتها  المدمّرة ، المعدّة للتصدير إلى  أي  راغب، بعيداً  عن  أية  رقابة دولية أو أميركية، وهناك  شركات  ألمانية صدّرت أول  سلسلة  تامة  من  الوقود النووي إلى  الأرجنتين، قبل  سنوات  طويلة  نسبياً، مقابل استيراد  كميات  من  يورانيوم الأرجنتين، وتلك  الشركات الألمانية زوّدت بمواد  الوقود  النووي كلاً من بوليفيا والتشيلي وكولومبيا وبراغواي واورغواي وفنزويلا، كما  أنها  أنشأت  مفاعلاً نووياً تجريبياً تاماً في البيرو، كذلك  هي  أوصلت  إلى  الصين  نماذج  من اليورانيوم تحت  غطاء  وثائق  مزوّرة. . الخ، وخلاصة  القول هي  أن الرأسمال الرّبوي ، الذي  لا  دين  له  ولا  أخلاق  ولا  مبادىء  ولا  انتماء قومي أو إنساني، لا  يتورع  عن  تزويد أي  كان  سراً بما  يحظره  عليه علناً ولا  يتورع  بالتالي  عن  مهاجمته  عسكرياً لتجريده  مما سلحه  به!

نظام الرّبا بلغ  نهاياته :

يجب  أن  لا  يخامرنا  أدنى  شك  في  أن  هذا  النظام الرّبوي العالمي الذي  تقوده  واشنطن  قد  بلغ  نهاياته  بعد  أن  نهب  بجشع  لا  مثيل  له  في  التاريخ جميع فرصه  المخاتلة في  الديمومة، وأوصل  العالم  أجمع  إلى  حافة  كارثة  شاملة  تعرض  وجود  الإنسان  على  الأرض  لخطر  الزوال . كذلك  يجب  أن  لا يخامرنا أدنى  شك في  مقدرة  البشرية على  الخروج من  هذا المأزق، فقد  تبلورت  إرادتها في  الخلاص  إلى  حدّ لم  تبلغه  من  قبل، وفي  لحظة  تاريخية تستدعي  تبلور  هذه  الإرادة  موضوعياً.

لقد كانت  تكاليف هذه  الحرب العالمية، المفتوحة والمستمرة والشاملة، حتى  الأمس  القريب، تزيد  قليلاً  عن 432 دولاراً  في  الدقيقة الواحدة، باشتباك  مسلح  ومن  دون  اشتباك  مسلح! لنتوقف  عند  هذا  الرقم! أي  أن  العالم أجمع  كان  ينفق  هذا  المبلغ في كل  دقيقة لصالح  المرابين أكلة لحوم  البشر، فإلى  أي  حدّ ارتفع  اليوم  هذا  الرقم يا  ترى؟! وهل  ثمة  شك  في  أن  هذا  النظام  الرهيب بلغ  نهاياته ؟

 

Hosted by www.Geocities.ws

1