©Copyright AIN 2002
الفتنة اشد من القتل

1

 

 

 

الإنتخابات مقدسة عند العراقيين

د . عدنان جواد الطعمة

[email protected]

حرصت المرجعية الدينية الشيعية في النجف الأشرف بزعامة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني على وجوب إتباع الطرق السلمية الحكيمة لإنهاء الإحتلال عن طريق إجراء الإنتخابات في موعدها المحدد من قبل كافة العراقيين من الشيعة و السنة و المسيحية و الكلدانية و الآشورية و الصابئة و الأيزيدية وغيرها على حد سواء و بدون إستثناء وفقا للمعايير الإسلامية و الديموقراطية بحرية تامة .

وفي معرض رد سماحة السيد علي السيستاني على سؤال لمراسل شبكة الـ سي أن أن في مكتب بغداد بتاريخ 5 / 1 / 2004 الموجه لسماحته : ما هي رؤية السيد بشأن العلاقة بين السنة و الشيعة ، وهل أن حوادث العنف التي وقعت أخيرا يمكن لها أن تتكرر و تتصاعد في المستقبل ؟

أجاب سماحته قائلا : " ان العلاقة الأخوية بين الشيعة و السنة في العراق لن تتأثر ببعض الحوادث المؤسفة التي وقعت مؤخرا ، و قد سعى الكل في تطويقها و اتخاذ ما يلزم لعدم تكرارها . ومن المؤكد ان العراقيين جميعا سنة و شيعة و غيرهم حريصون على وحدة بلدهم و الدفاع عن ثوابته الدينية و الوطنية ، كما انهم متفقون على ضرورة التأسيس لنظام جديد يقر مبدأ العدالة و المساواة بين جميع أبناء هذا البلد في جنب مبدأ التعددية و احترام الرأي الآخر " .

لأول مرة في تاريخ العراق منذ تأسيس الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من ثمانين سنة تتاح للشعب العراقي بكافة قومياته المتحابة العربية و الكوردية و التركمانية و الآشورية و الكلدانية و الصابئة و الأيزيدية و اليهودية و غيرها و المذهبين الشيعي و السني و الأديان المسيحية و الأيزيدية و اليهودية و الصابئة و غيرها و لكافة الأحزاب الدينية و العلمانية و القومية إجراء الإنتخابات الحرة لإنتخاب حكومة عراقية وطنية ديمقراطية فيدرالية تعددية منبثقة من الشعب العراقي الكريم تحترم القيم الإسلامية و تقاليد البلاد و الإنسان العراقي .

و عليه فإن تأجيل موعد الإنتخابات القادمة ليس من مصلحة العراق و العراقيات و العراقيين و خسارة للديمقراطية التي سعى و ضحى من أجلها الشعب العراقي النبيل الملايين من أبنائه البررة منذ تأسيس الدولة العراقية و خصوصا في الفترة المظلمة التي حكم فيها القوميون و البعثيون في الثامن من شباط المشؤوم عام 1963 و حتى سقوط الطاغية صدام و نظامه الفاشي الدموي في التاسع من نيسان المبارك عام 2003 .

الجميع يعلم أن العراق مهد الحضارات و المذاهب و الأديان و الثقافات منذ آلاف السنين ، حيث عاشت كافة القوميات و الطوائف و المذاهب بانسجام و وئام و احترام لبعضها البعض .

فلماذا ، إذا ، هذا الخوف من أن يحكم الشيعة و الأكراد العراق باعتبارهما يشكلان معا أغلبيةالسكان العراقي ؟

قررت هيئة علماء السنة و بعض الأحزاب القومية للأسف الشديد تأجيل الإنتخابات لمدة ستة أشهر بحجة عدم شرعية الإنتخابات لأن العراق يرزح تحت الإحتلال من قبل قوات التحالف و الإحتلال و لأن الوقت غير كاف لإجراء الإنتخابات .

نقول لهؤلاء الإخوة الوطنيين الأشراف أن موقفكم هذا هو بحد ذاته الهروب من المسؤولية الوطنية تجاه العراق الحبيب و تجاه التاريخ ، و أنكم ستكونون مسؤولين أيضا أمام الله تعالى لسببين .

أولهما : لنفرض أن الحكومة العراقية الإنتقالية الحالية وافقت على تأجيل الإنتخابات لمدة ستة أشهر نزولا عند رغبتكم ، فهل تعتقدون أن قوات الإحتلال ستتبخر و تغادر العراق ؟

لقد ألزمت نصوص قرارات هيئة الأمم المتحدة المتعددة رقم 1483 و 1511 و خصوصا قرار 1546 قوات التحالف و الإحتلال على حفظ سيادة و حدود و أمن العراق و إجراء الإنتخابات . و بعد التأكد من إمكانية قوات الشرطة العراقية و رجال الحرس الوطني و الجيش العراقي على حماية المواطنين و المنشئات الحكومية و المدنية و البنى التحتية فإن الحكومة العراقية المنتخبة ستطلب من أصدقائها قوات الإحتلال مغادرة البلاد أو الإتفاق على وضع يضمن إستقلال و سيادة العراق و موارده و حدوده و حرية الدولة العراقية و بعد دراسة الأوضاع بصورة مستفيضة .

وبموجب تلك القرارات يصبح بقاء قوات التحالف و الإحتلال غير لازم ، إذا انتفت الحاجة منه . و مثلنا العربي يقول : " إذا حظر الماء بطل التيمم " .

ثانيهما : ماذا تستطيع الجهة القليلة المعارضة للإنتخابات أن تفعل ضد الإرهابيين و القتلة الذين قاموا بمختلف أساليب القتل و حز الرؤوس و اختطاف المواطنين الأبرياء و اغتصاب الآنسات و السيدات و سرقة المحلات التجارية و السيارات و دوائر الدولة و تدمير البنى التحتية كتفجير مضخات أنابيب النفط و محطات توليد الطاقة الكهربائية و ضخ المياه الصالحة للشرب بالإضافة إلى عمليات تفجير السيارات المفخخة البشعة و اغتيال الشخصيات العراقية و الأساتذة الجامعيين و موظفي الدولة و غيرها من الجرائم المستمرة ؟

معنى ذلك ان الجهات العراقية المعارضة للإنتخابات سوف لا تقدم و لا تؤخر شيئا ، لأن النزيف الدموي و الإرهاب و التدمير و قتل العراقيين الأبرياء من النساء و الأطفال و الرجال و الشيوخ ستستمر .

فإذا كانت الجهة المعارضة للإنتخابات صادقة و وطنية تشعر بمسؤولية إنقاذ العراق من الإرهابيين و الفوضى و الجرائم و التدمير الذي حصل في المدن العراقية ، لسارعت يدا بيد مع كل الأحزاب الدينية الشيعية و الكوردية و العلمانية في خوض الإنتخابات الديمقراطية و كتابة الدستور الدائم و ضبط أمن المواطنين و البلاد الأمر الذي سيؤدي إلى إنهاء الإحتلال بسرعة .

أما إذا لم ترغب المشاركة في الإنتخابات ، و هذا من حقها و من حق كل مواطن عراقي و مواطنة عراقية ، فعليها عدم التحريض على مقاطعة الإنتخابات و القيام بأعمال عنف كالتهديد بالقتل ، لأن مثل هذه الأساليب البشعة ليس لها قبولا لدى الشعب العراقي .

أما فيما يخص تأجيل الإنتخابات في مدينة كركوك كردستان العراق المستعربة ، فهذا أمر آخر ، يخص الإخوة الأكراد و القيادة الكردية .

فمن جرائم النظام المقبور التي أثقلت كاهل شعبنا العراقي هي عمليات تعريب مدينة كركوك ، عندما قام النظام الشوفيني قسرا و بطشا بترحيل و تهجير آلاف العوائل الكوردية و بعض العوائل التركمانية من كركوك و مصادرة أموالهم المنقولة و غير المنقولة و نقل إليها عوائل عربية عراقية و فلسطينية بالآلاف بعد أن قدم لها كل المساعدات المغرية كإسكانها في بيوت المهجرين من الأكراد و التركمان أو توزيع قطع من الأراضي الجديدة لها و توفير قروض عالية بفوائد قليلة من البنوك .

فمن حق الزعماء الأكراد و القيادة الكردية أن تطلب تأجيل الإنتخابات في كركوك كردستان العراق ريثما تتم إعادة كافة العوائلة الكوردية و التركمانية الأصلية المهجرة و التي تنتظر بفارغ الصبر العودة إلى مدينتهم و بيوتهم ، و تعويضها بالخسائر المادية التي لحقت بها جراء عمليات التهجير المنظمة و حل مشكلة إعادة العرب إلى مدنهم بالحل السلمي و تعويضهم أيضا بصورة عادلة ترضي جميع الأطراف .

و بناءا على ما تقدم نؤكد أن الإنتخابات ستجري في موعدها المقرر و بإشراف ممثلين و مراقبين دوليين من هيئة الأمم المتحدة و الدول الصديقة . كما نأمل و نؤكد أن العراق العزيز سيحصل ، بعون الله و بجهود شعبنا العراقي و الغيارى من أبنائه البررة على سيادته و استقلاله بعد اعتراف دول الأمم المتحدة به .

و برأينا و برأي كافة شرائح الشعب العراقي و الأحزاب الوطنية فإن تأجيل الإنتخابات سيكون في صالح القتلة الإرهابيين العرب المتسللين إلى داخل العراق و فلول النظام البائد البغيض الملطخة أياديهم بدماء شهداء العراقيين الأبرياء و لمصلحة بعض الأنظمة العربية المتعاونة مع النظام المخلوع و التي تخشى أن تفقد مقاعد حكمها و مصالحها من غضبة و حرمان شعوبها لأبسط الحقوق الإنسانية كالتعبير عن آرائها بحرية تامة و إمكانيات العمل و الإستفادة من خيرات بلدانها و منح المرأة حقوقها المشروعة في الإنتخابات و العمل باعتبارها أم المجتمع .

إن تلك الأنظمة العربية المعروفة لم و لن تكن تضمر ، كما اتضح لنا ، بعد سقوط طاغية العراق في التاسع من نيسان الأغر عام 2003 ، من خلال المؤتمرات و الإجتماعات التي عقدت في دمشق و القاهرة و آخرها شرم الشيخ ، للشعب العراقي سوى الشر و الفوضى و الإرهاب و الخراب و التدمير كما لاحظنا أيضا و لاحظ الجميع من خلال مساهمة عملائهم الإرهابيين و فضائياتهم المشبوهة و صحفهم الصفراء و كتّـابهم المأجورين مباشرة أو غير مباشرة لإثارة البلبلة و التفرقة العنصرية و الطائفية بين الإخوة الشيعة و السنة حينا و بين المسيحية و الإسلامية حينا آخر و بين القوميتين العربية و الكوردية مرة و بين الكوردية و التركمانية مرة أخرى .

أما بشأن جامعة الدول العربية فنقول بكل صراحة : لقد مللنا منها و من مواقفها الصامتة تجاه ما حدث في فلسطين و يحدث منذ عام 1948 حتى نهاية هذا العام و تجاه صيحات و نداءات شعبنا العراقي النبيل منذ الثامن من شهر شباط عام 1963 و لغاية سقوط نظام حزب البعث العراقي في التاسع من نيسان الأغر عام 2003 .

و مواقفها المزدوجة و السلبية تجاه مجلس الحكم العراقي المؤقت و الحكومة العراقية الإنتقالية فهي مخزية و خبيثة ، و كيف أنها حاولت جرح مشاعر الشعب العراقي والوفد العراقي بكل وقاحة أثناء مؤتمر شرم الشيخ الأخير السماح بقراءة طلب فلول النظام المخلوع و التي أطلقت عليهم باسم المعارضة العراقية . ان هذه المواقف السلبية الخاطئة لا تلقى من لدن الشعب العراقي الكريم إلا الإستنكار اللعنة و الإحتقار .

لا يمكن لشعبنا العراقي المظلوم أن ينسى سكوت و صمت جامعة الدول العربية على جرائم حكومات القوميين و البعثيين المتعاقبة طوال أربعين سنة مضت ، التي ارتكبتها بحق شيعة و أكراد العراق و قليل من إخواننا السنة و التركمان و المسحيين و الأيزيديين و غيرهم ، و ذلك بقتل الملايين من العراقيين في الحروب و في السجون و المعتقلات لاسيما معتقل أبو غريب و سجن النهاية و سجن نقرة السلمان و غيرها من السجون و المعتقلات بالإضافة إلى تسميم الأهوار و قتل أكثر من 350 ألف نسمة من الفلاحين في يوم واحد و إلقاء قنابل الغاز السام على إخواننا الأكراد في حلبجة حيث قتل خمسة آلاف نسمة من النساء و الأطفال و الشيوخ في أول غارة همجية وحشية شهدتها المنطقة . و كيف أن الجامعة العربية دعمت النظام المخلوع في حربه ضد الجارة المسلمة إيران لمدة ثماني سنوات أحرقت الحرث و النسل ، راح ضحيتها أكثر من مليون و نصف عراقي و إيراني بين قتيل و معوق و جريح بالإضافة إلى تدمير المدن و البنى التحتية و تلوث البيئة في البلدين .

لا يمكن قبول إملاءات و تحريض بعض وزراء خارجية الدول العربية على الطائفية و العنصرية لإعادة المجرمين من النظام السابق إلى الحكم .

إن الإنتخابات القادمة في نهاية شهر يناير عام 2005 هي مقدسة بالنسبة للعراقيين ، لأنها ستفتح عليهم و علينا آفاق الحرية و الديمقراطية التعددية الفيدرالية و العيش الكريم ، آمين يارب العالمين .

ماربورغ في 1 / 12 / 2004

1