AFGALALY محمد عبد الفتاح جلال

القائمة الرئيسية

 

1-موضوعات عامة

2-أشعارى

3-مختارات شعرية و قصصية

4-مقالات أدبية

5-مقالات تاريخية و سياسية

6-شخصيات

7-إسلاميات

8-عروض الكتب

9-القسم الطبى

10-طب الأسنان

11-مدوناتى الخاصة

 

 

 

 

 

عمارة علاء الأسوانى و الاستقطاب

    كطبيب أسنان سمعت عن علاء الأسوانى و أنه ألف رواية، حتى أننى رأيتها بين يدى أحد الأطباء و قد أهديت له ككتاب هام فى مصر فذكر لى أن كاتبها طبيب أسنان بشئ من الاستغراب، و كقارئ لأدب فى زمن أصبحت هذه صفة تدعو للتعجب مع اللهاث فى دروب الحياة و مع كثرة المصادر و تشتتها حتى يصبح المورد عسيرا على طالب الماء، لم أعر الرواية اهتماما فظننته اهتماما لقدرة الكاتب على النفوذ إلى النشر فى مكان محترم أو علاقة خاصة بالنقاد على طريقة عزام عضو مجلس الشعب فى عمارته أو روايته ، و أحب أن أنسبها إليه، لكننى وجدت أمرا آخرا عندما بدأت فى الشهرة أكثر و أكثر حينما قرأتها.

    تحرك برشاقة، الأسوانى ، فى أربع دوائر مستخدما أكثر من ثنائية، فالطبقة العليا و الدنيا واللتان تسكنان نفس العقار فوق سطحه و خلال شققه، و المتدينين الشعبيين و أصحاب الثقافة الغربية بالوراثة ، و الشأن السياسى و الشأن الجنسى لهؤلاء الأشخاص و الدوائر، فزكى الذى يمثل البقايا لأستقراطية العقار و التى لم يبق منها سوى الأسمال التى كانت من قبل تحمل داخلها واقعا معاشا أصبحت ذكريات تجتر و تدفع صاحبها للانغماس فى العلاقات النسائية المتعددة، بينما الإرث الثقافى الغربى الأرستقراطى لا يقف عند زكى بل يتطور ليصل بنا إلى حاتم الذى لم يكن أبوه إقطاعيا بل أورثه المكانة الاجتماعية من خلال مكانة الأستاذ الجامعى المرموق و الأم الفرنسية ذات الأصل الضئيل فى بلادها و التى تترفع على المصريين رغم ذلك، حاتم هذا هو تطور زكى من النساء إلى الشذوذ و الذى كان نتيجة لما ورثه من أوضاع متناقضة و إهمال عائلى ليصبح مشاركا فى واقع ملئ بالتناقضات و الاستقطاب. مناقشة الشذوذ بكل هذا الوضوح و عرضه و ما يحويه مجتمعهم و عاداتهم من سمات، إنه ضوء يبهر العين فتود إغماضها لكنك تجاهد لتعرف من أين أتى هذا الكم الهائل من القبح ونحن ذاهلون عنه، فتكتشف أن الأمر له جذوره التى ساهمنا فيها كمصريين و ندفع ثمنها بطريقة جديدة.

    أما الطبقة الدنيا تظهر فى طه ابن البواب الطامح لكى يصبح ضابط شرطة فيتحول تحت وطأة التعذيب و الإهانة الجنسية إلى راغب فى الانتقام من ضابط أمن الدولة مع تطورتدينه الطبيعى من حالته المعتادة إلى أن يصبح معدودا فيمن اصطلحنا على تسميتهم بالمتطرفين ، و محبوبة طفولته و صباه بثينة و التى تنتقل من حال الصبا فى مدرسة متوسطة لعاملة فى محل تبيع مع مجهودها لحظات حميمة لمشغلها ذو الأصل السورى تنتهى و قد حافظت فيها على عذريتها المادية لكن ها قد انتهكت عذريتها النفسية فى ممارسة تشمئز منها لكنها تندفع فيها للامبالاة حتى تقابل زكى، ثم فى النهاية و بعد موقف القبض عليهما فى وضع مخل يتزوجها مسدلا الستار على المستقبل لنتخيله.

    آخر سكان السطح عبده المعشوق الذى يتم اصطياده من قبل حاتم و يسكنه فى السطح و يشترى لأجله كشكا ،هو رمز لأكثر من صورة تتجمع فى مخيلاتنا فهو الفحل الهمجى و هو الصعيدى الذى يحتفظ بداخله بإيمانه الصادق الفطرى حتى و إن أخطأ، و هو جندى الأمن المركزى الذى يختارونه من أفقر الطبقات و أقلها تعليما. هذا الصعيدى يرجع عن إثمه متأثرا بمناقشة زوجته الأمية بعد موت ابنه الرضيع، فيهرب و حتى حينما يرجع تحت ضغط الاحتياج المادى لا يستطيع أن يبقى مع حاتم حتى الصباح بل يمضى فى طريقه و قد أصاب حاتم أو لعله قتله لاستغلاله له. يعتبر هذا هو المعين الإنسانى الفطرى و مدى معاناته و عدم حصوله على حقوقه ، فهو يحتاج لنظرات من كجتمعنا اللاهى كل فى ما يلهيه.

و المحور الرابع هو السياسى المنطلق من خلفية تجارية لا تخلو من تساؤلات حتى يصل لمجلس الشعب من خلال الحزب القومى كما أسماه الأسوانى و علاقته بالشخصية الأسطورية الواصلة و التى توصله فى خاتمة قصته إلى مشهد أشبه بمشاهد المسلسل العربى " البرادعى" الذى يظل الضابط فيه يتلقى تهديدات من زعيم العصابة و كلما ظهر واحد على أنه الزعيم و اعتدنا من وجهه و حركاته على مظاهر إجرامية أو سلوك إجرامى ظهر كرجل ثان، هكذا ظهر "الرجل الكبير" وهو يتكلم من ميكروفون لانشغاله و قد أظهر لعزام أنه لا يجب أن يرفض التعاقد على ربع أرباحه من توكيل السيارات اليابانية لأن هذا لمصلحته فهو فى زمرة الكبار و مغطى بغطائهم و له ماضيه بل و حاضره الذى يجب أن يظل متذكرا له، هذا الحاج عزام يمثل تطور التدين الطبيعى لشخص من أصل بسيط و قد تطور مع تطور حياته من ماسح أحذية إلى رجل أعمال من أغنى أغنياء وسط البلد بالذات و التى مسح الأحذية بها فى شبابه. كما يظهر تجبر هذا الذى حاز طرفى النفوذ المال والسلطة، على زوجة صغيرة و أرملة سابقة و تحت المسمى الدينى و الفتوى التى تصدر عن شيخ من مشايخ السلطة أو الحكومة كما يسمون، حتى يجهضها قسرا ثم يطلقها لأنه لا يسمح سنه بذلك.

    الوسيط بين ساكنى السطح و ساكنى الشقق كان الشقيقان ملاك و أبسخرون، و لعل هذا يصرف الذهن إلى الجماعة الوظيفية التى ذكرها د. المسيرى حينما تحدث عن اليهود كأقلية، و الذين حل محلهم بعض الأقباط فى مصر فى ما كانوا يمتهنونه من مهن و أعمال، و سلوك الأقلية الذى أصبح ظاهرا برغم عدم الإشارة إلى هذا المعنى صراحة إلا أن هذا فى قاع المدينة و على قممها يظهر فى عالم اليوم و يخرج شروره من القمقم ليصبح اعتراضات نسمع أصداءها من حولنا و كأنها واقع معاش منذ زمن لكنه قريب و يخضع لعوامل نفسية أكثر منها مواقف حقيقية . يمثل الشقيقان القدرة على الاستفادة من الظروف الضئيلة للوصول إلى أفضل استثمار ممكن لكنه فى طبقة فقيرة ربما يبقى فتاتا، و يظل محتاجا لمكسب كبير يأتى فيغير وضع الساعى و خياط القمصان، و هو فى ذلك يمثل أعلى الطبقة الدنيا، و التى لم تعد تتحرك إلى متوسطة مثلما كان يحدث فى الخمسينيات و الستينيات أو حتى السبعينيات من القرن الماضى.

    العرض جزء من النقد ، و قد كنت أعجب من قراءة النقد و أهميتها لكننى أشعر الآن أن العمل الأدبى كحجر يلقى فى بحيرة حياتنا لا يصبح نقطة مغلقة بل تحيط به متتابعة دوائر تتسع حسب شدة و ثقل هذا الحجر، لذلك فقد تحول عالمى نجيب محفوظ الشعبى و إحسان عبد القدوس الأرستقراطى عند الأسوانى إلى عالم العمارة فى التسعينات و الألفية الثالثة للميلاد، والذى برز فيه تناقضاته و استقطابه برغم التلاقى الكبير بين أقطابه لكنه لقاء من باب الاحتياج الذى يسبق البراكين و الزلازل و التى لا بد تأتى لأشخاص الرواية و الذى ربما يصبح توقعا غير مكتوب عن الفوضى المنتظرة للواقع المصرى المتفجر ليس اقتصاديا بقدر ما ينعكس اجتماعيا.

    هناك ملاحظات عديدة منها أن السرد لم يأخذ الكاتب ليطيل فقد كتب بما يكفى لا أقل و لا أكثر،كما أن اللغة الفصحى والتى تعرض العامية المصرية بفصاحة أمر مستحسن و يسهل القراءة على العربى بشكل عام فلا يقصرها على المصرى مع المصرية التى لا تخطؤها عين.

 ربما أكثر فى ذكر الجنس لكنه أسرف فى رأى البعض فى ذكر الدين، و لعل هذا يفهم إن رأينا برنامجا دينيا فى قناة فضائية لوجدنا 80% من الأسئلة الدينية تتحدث حول العلاقات بين الرجل و اللرأة جنسية كانت أم غير جنسية، أو إذا قرأنا شخصيات محفوظ فى حديث الصباح و المساء و الذى عرض حياة أشخاص عديدين فى مصر الحديثة فى صفحة أو بعض صفحة فكانت أهم أحداثها بخلاف ميلاده و عمله و موته : زواجه أو علاقته بامرأة أو عزوبيته، و هو ما يشغل حيزا كبيرا من حياتنا لا سيما مع جفاف الحوادث الكبار من حروب أو أحداث سياسية كبيرة من حياة المصريين.

    ملاحظات أخرى قد تكون مفيدة على دقتها فاستخدام الهتاف أثناء خطبة الجمعة و إنشاد النساء فى معسكر الجماعة يعتبران غريبتان فى جماعة سلفية جهادية، كما أن شخصية عم شاذلى والد طه باهتة و غير مرئية حتى أنها تظهر فى حال اختفاء ولده و هو يعزى عبده فى ولده دون أن نشعر بعلاقته بابنه الغائب.

    شخصيتان يمثلان ثنائية أخرى تم التعرض لهما بحساب، رجل الدين و ضابط البوليس، فالأول كان عملة لها وجهان و كلاهما يعتبر نفسه مخلصا و مثابا عند الله، الأول رافض للحكومة و ما تحمله من فساد و يبحث فى طريقة تحمل نوعا من التنقية عن بعث روح قوية فى الشباب من خلال المظاهرة ضد الحرب مع أمريكا ضد العراق تارة و مما يعتبره جهادا ضد الأمن الذى يحاربهم و يقتلهم أحيانا دون مقاومة، و الوجه الآخر هو الموالى للسلطة و المهادن معها يلتمس لها العذر و يغدق عليه من رموزها أمثال عزام رجل الأعمال، و يرى الحرب ضد صدام واجبة.

    أما ضابط الشرطة فنقابله فى أربعة مواضع: فى كلية الشرطة يرفض إدخال ابن حارس العمارة كلية الشرطة، و من قبلها متعاونا مع طه فى طموحه لدخول الكلية بالمناقشة و إفهامه المطلوب للوصول إلى النجاح فى كل مراحل الاختبار. ثم العنف فى أمن الدولة و الذى يصاحب بالأذى الجنسى و النفسى، و أخيرا فى قسم الشرطة و قد قبض على زكى المتصابى و هو يخضع لضغط التوصية أو المال و يعتبر نفسه مدافعا عن الفضيلة و متدينا. أحسب جمع المشاهد بجانب بعضها تمثل رؤيتنا لضابط الشرطة فى مجتمعنا لا سيما و قد أصبح جيل اليوم من شباب الضباط مختلفون عن آبائهم أو سابقيهم من أجيال كثيرة فالستقطاب سيصل فيهم أيضا إلى أقصاه إما بالعنف الشديد و الغرور و إما بالتدين حقيقة أو ادعاء . وثالثة الشخصيات المحامى الذى يدير إيجار العمارة و هو أحد رموز الفساد فى المجتمع المصرى المهترئ.

    و التوقيت الزمنى فى عقد التسعينات لفترة حرب الخليج الثانية يضعنا اليوم فى مقارنة لا مناص عنها مع توابع هذه الحرب على العالم العربى بأسره اليوم و الحرب التى تلتها بعد 12 عاما على العراق و التى أصبحت الوليد الشائه للحرب السابقة، ونتيجة للتبعية و الانقسام السياسى على مستوى يتجلى اليوم كأسوأ حتى من واقع التسعينيات.

    نستطيع أن نعتبر الأسوانى يتعاطف مع بعض شخصياته دون الآخرين، فهو بمثابة مدافع عن طه فهو فى نظره الأكثر عذرا و تطهرا، فتطرفه مبرر و حتى زوجته التى قتل زوجها دون أن يدافع عن نفسه فى هجوم للأمن على بيته، حتى نهايته التى يصفها بشاعرية أتت فى مواجهة مجرم من الذين عذبوه هو إذن لم يسع لقتل أبرياء مثل أبيه عشوائيا و لم يكفر أسرته و لكن الانتقام من الأسلوب المهين الذى تعرض له كان كفيلا ليبرر أفعاله من الألف إلى الياء، لكنه حين ينظر إلى الفقير الذى اغتنى من مصدر غير معلوم الحلج عزام ينهى قصته بمشهد كأنما يقول لأمثاله :"من أعمالكم سلط عليكم"

    كذلك فى الفساد الجنسى يجد الأسوانى العذر لزكى "عزيز قوم ذل" و لا يزال يحتفظ ببقية من وطنية حتى أنه برغم تعرضه لمواقف عصيبة من أخته التى تحاول الحصول منه على أقصى ما تستطيع بطرده من شقته ثم هجومها بضباط الشرطة عليه ليثبتوا له حالة مع بثينة فى وضع مخل، برغم كل هذا يجد له المخرج بزواجه من بثينة العذراء التى تفضل كثيرا ممن قابلهم من نساء بنقاء فيها عنهم و لأنها أثبتت حنان الأنثى الذى لم ينتهك بالقدر الكبير نحو رجل عجوز أرستقراطى لا يؤذى إلا نفسه كما يقول، فى وسط كل هذا الركام يكون المخرج بزواجهما فى الخاتمة، كما يكون المخرج لعبده بعد موت ولده عقابا إلهيا له أن يمضى إلى حيث لا يعثر عله حاتم و حتى عندما يعثر عليه تكون عودة مشروطة ليخرج من الفساد الذى تمرغ فيه. هؤلاء تعاطف معهم المؤلف لكنه بالتأكيد لم يستطع أن يظل باحثا عن مبررات لحاتم الشاذ بل جعل نهايته من جنس مرضه و استسلامه و الذى لم يستطع أن يكون خروج عبده من حياته سببا ليحاول تركه برغم هذا الحدث الجلل وهو موت الطفل بطريقة درامية فى المستشفى.

بقى أمر كنت أظننى سأبدأ به ألا و هو الاستقطاب الذى أضحى فى مجتمعنا المصرى و العربى من أحداث الانشقاق العراقى و محاربته و حتى الآن و الذى تجرى توابعها كأنها مرسومة حتى نهاية القرن الحادى والعشرين و نهاية الطريق السياسى لأمريكا و الغرب من ورائها، فالضغط الخارجى مصحوبا بالفساد الداخلى يؤديان إلى مشاكل ربما نتحملها أحيانا كثيرة لكن المعترضين بكل تأكيد سيزدادون و لا ضمان لأن يحسنوا التصرف فى كل اعتراض لهم فمن طالب انتحر لأنه رفض فى الخارجية ، و رجل شنق نفسه من أعلى كوبرى بوسط القاهرة و حتى تفجير النفس فى أزحم منطقة بالقاهرة و هى الأزهر، لن نجد منفذا لنا ستطالنا جميعا التوابع، و لا عزاء للغافلين.


 
القائمة الرئيسية

Copyright or other proprietary statement goes here.

For problems or questions regarding this web contact [[email protected]].
Last updated: 07/01/06.

Hosted by www.Geocities.ws

1